الوطن

أحزاب موسمية لا تملك إلا سجل الاعتماد

ما يقارب المائة حزب جاءت نتيجة للإصلاحات السياسية المنجزة

 

  • السلطة تعتمد على العدد في تمرير مشاريعها 

 

تضمنت إصلاحات الرئيس السياسية في الفترات الماضية فتح المجال أمام اعتماد الأحزاب بعد اتهامات دولية وكذاك داخلية من المعارضة باستمرار التضييق والغلق من السلطة على السياسيين واعتمدت الداخلية في تلك الفترة العشرات من الأحزاب حيث أكدت تصريحات مسؤولي الداخلية أن عدد الأحزاب المعتمدة منذ قانون الأحزاب السياسية الجديد إلى غاية شهر أفريل الفارط 42 حزب معتمد و70 طلب اعتماد أحزاب ورغم أن الانفتاح جاء متأخر إلا أنه خفف من الضغوطات الدولية التي كانت تمارس على السلطة في المراحل الماضية.

واللافت للانتباه أن الأغلبية الساحقة لهذه الأحزاب لا وجود لها في ساحة الفعل  السياسي وإنها غائبة تماما ولو من خلال بيانات أو تصريحات إعلامية ولم تجتهد في اغلبها حتى من خلال استعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تكلف شيئا، ومثل هذا الغياب تساؤلات كبيرة حول جدوى اعتماد هذه الأحزاب التي تفتقد لعنصر النضال أو التأييد الشعبي بل حتى المرجعية الإيديولوجية في حين لازالت السلطة تصر على ممارسة بعض الضغوطات على شخصيات أو أحزاب يمكن أن يكون لها تأثير مثل ما هو الحال بالنسبة لعناصر الحزب المنحل الفيس.

وفي الوقت الذي يقول الصحافيون أنهم قليل ما تتلقى قاعات تحرير المؤسسات الإعلامية أي نوع من التواصل بل حتى طرق الاتصال بهذه الأحزاب فإن بعض التحقيقات عند الجهات الولائية المختصة بترخيص النشاطات هي الأخرى تشير إلى انعدام تلقي طلبات من هذه الأحزاب للترخيص لأنشطتها.

إن وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب أثار تباين في وجهات النظر بين الفاعلين السياسيين فبين معارضة ترى أن السلطة أقبلت على هذا المسعى من أجل تمييع التعددية الحزبية والتقليل من مصداقية الأحزاب بل تشويه الحزبية عند المواطنين وبين هذه الأحزاب التي تزعم أنه يمارس عليها نوع من التعتيم الإعلامي وأنها ضحية تصنيف مجتمعي يجعلها تحت مسمى" أحزاب صغيرة " مما فرض أشكالا من التعامل من المؤسسات سواء إعلامية أو إدارية معها فالجميع يرى  أن الحزب صغير ليس له أهمية ولا يملك أي مصداقية إضافة إلى أنه غير  قادر على التعبئة الشعبية  في أي نوع من الأنشطة وغالبا ما تسارع هذه الأحزاب إلى إلغاء طلبات الترخيص لأنشطتهم ليقينهم بعدم التفاعل الشعبي معهم حتى أصبح الإداريون يقولون أن هذا النوع من الأحزاب يستعمل  أوراق الترخيص أكثر من استعماله أي نوع من النشاطات.

وتثير هذه الأحزاب التي اعتمدت  إشكالية تمويلها وترى أنها ضحية قلة إمكانيات فلا تملك حتى من تأجير قاعات للتجمعات ومن باب أولى مقرات لأحزابها وترى أيضا أن الفعل الديمقراطي في الجزائر لم يعتمد على تكافؤ الفرص ففي الوقت الذي استفادت منه بعض الأحزاب من دعم غير محدود إضافة إلى أنها كانت في مرحلة تاريخية هي الحزب الأوحد في الدولة ومنحت له كل الإمكانات وكان نفس المنطق مع أحزاب أخرى بدأت منذ بداية التعددية لا تجد هذه الأحزاب أي نوع أو وسيلة للتكفل بأنشطتها المختلفة سواء تعلق الأمر بتأجير المقرات أو توظيف مفرغين داخل الأحزاب.

وكما رصد بعض المراقبون أن حركية هذه الأحزاب تكون موسمية وتتفاعل مع مساعي السلطة ومبادراتها مثل ما حدث مع حوارات الرئاسة في موضوع تعديل الدستور الذي استدعت فيه هذه الأحزاب وكان من الطبيعي أن تأخذ منها الدعم والمساندة ليخرج التقرير الذي نشرته الرئاسة مليء بالمغالطات والتي تعتمد على الأرقام عددا لا مضمونا أو محتوى أو قدرة على التمثيل السياسي أو الاجتماعي.

ويعتبر الفساد السياسي من أسبابه هو استعمال هذه الأحزاب كسجلات تجارية تؤجر لمن يدفع وخاصة في فترة الانتخابات سواء المحلية أو الوطنية وكثيرا ما بيعت "الأوراق المختومة " لتبني القوائم لمختلف البلديات والولايات وأصبحت ورقة الاعتماد الحزبي تدر بأموال على أصحابها المؤسسين وغالبا ما يكون واحد أو اثنين رغم صعوبة  التحقيق في هذه الأقاويل التي يتداولها الشارع السياسي والرأي العام.

وأمام بروز مؤشرات إقبال الجزائر على استحقاقات مهمة في المرحلة القادمة ستشهد الساحة السياسية عودة نشاط هذه الأحزاب التي لم يراها الجزائريون منذ الرئاسيات السابقة لتبدأ عملية التسخين السياسي وبنفس الوسائل التقليدية التي تعودت عليها السلطة رغم إدراكها بعدم جديتها ولا مصداقيتها ولا حتى قدرتها على إحداث أي نوع من التحسيس أو التوعية عند الرأي العام الوطني.

ويبقى النقاش عند المختصين والمراقبين عن هذه الظاهرة  فيتعدد الأحزاب بهذه الأعداد الكبيرة هل هو ظاهرة صحية تساعد على ترقية الممارسة الديمقراطية وأنها فعلا تدخل ضمن مسارات الإصلاح السياسي المطلوب آم أن خلفياتها التي تكلمنا عنها من قبل تجعل منها سلوكات غير صحية ولا تخدم إلا أجندات المتحكمين وليس الدولة أو المجتمع.

خولة بوشويشي

من نفس القسم الوطن