الوطن

ترسيم ملامح الخريطة السياسية وتوجهاتها

بن صالح يغادر وخصوم سعداني يتوارون

 

لم ينتظر عبد القادر بن صالح الخامس جوان تاريخ سريان مفعول استقالته ليعلنها بل اختار يوم انعقاد مؤتمر الأفلان ليعلن استقالته حتى لا تنال الاهتمام الإعلامي اللازم وهو الرجل الذي يتوارى ويخاف الإعلام، وربما لأنه علم أيضا أن الرئيس بوتفليقة قداختار حزبه وقبل أن يكون رئيسا له رغم أنه أشار في رسالته الموجهة للمؤتمر العاشر للحزب العتيد بأنه رئيس لكل الجزائريين.

هكذا بدأ ترسيم المشهد السياسي للجزائر سعداني على رأس الأفلان هو الآمر الناهي وكل شيء في المؤتمر سار وفق ترتيبه ولم يشاركه فيه إلا من هم خارج الحزب الخلية التي يبدو أنها مختارة بعناية فائقة، وقد بدا للعيان بأن المنظمين محدودو الدور وأعضاء المكتب السياسي لا علم لهم بشيء فهم في أحسن الظروف ينتظرون ما يصدر عن الأمين العام ومهمتهم هي الترحيب بكل مايصدر عنه من توجيهات، فلا أحد يعترض ولا أحد يمتنع.

صاحب القرارالذي يعرف أين يتجه ويوزع الأدوار ويعد السيناريوهات ويطرح الأوراق تلو الأخرى والمتضمنة رسائل مشفرة الزمن وحده كفيل بالحكم على صحتها من عدمه،اختار الخريطة السياسية الرافعة للعمل السياسي في المرحلة القادمة وفرض على كل المعترضين وخاصة من التابعين لأحزاب الأجهزة إطار اللعبة، حسم بشكل واضح في المختلف فيه ورسم قيادات المرحلة بالنسبة إليه بعد ما رتب ويواصل ترتيب الأولويات الإدارية والسياسية.

حكومة سلال فهمت اللعبة واستجاب الوزير الأول مباشرة إليها وصرح بخضوعه إلى أصحاب القرار والتزامه بالقيادة الحزبية لسعداني، والذي نسي في غمرة التوجيهات أنه قال عنه في يوم من الأيام "سلال لا يفهم السياسة"، وصحت فراسته في ذلك لأن سلال أقر بالهزيمة وصرح "بأن سعداني هو الصحّ".

لأول مرة تخرج اللجنة المركزية للأفلان بدون أسماء كثيرة من الديناصورات القديمة التي لطالما جثمت على قواعد الحزب وهوما سيحسب للمؤتمر العاشر، فالأفلان الجديد لا يرى في الحضور اللافت للسفير الفرنسي والأممية الاشتراكية وتحالفات جديدة دولية تترجم الاتجاه، بل القبلة التي اختيرت بعناية للحزب الجديد ولكل هذا الحضور دلالات سياسية تبين عمق الصراع الدائر الذي لا يمكن أن يكون داخل العائلة الوطنية فقطبل الطرف الدولي حاضر وبشكل شفاف وعلني، وحتى اختيار مزدوجي الجنسية والحديث هنا على الفرنسية والجزائرية وتكليفهم بمهام رسائل مشفرة يكون السفير الفرنسي قد التقطها في مؤتمر الأفلان، ومن الجانب الآخر لا يرغب صاحب القرار في إزعاجالولايات المتحدة وإعادةأحمد أويحيى إلى واجهة الأرندي رغم الانزعاج الفرنسي ولكن اللعبة السياسية استرضائيات وتوافقات.

الأرندي دوره سيكون في المرحلة القادمة أيضا محدد ومطالب باستيعاب التوجه الليبرالي ولا نستغرب في إعطاء التوجيهات إلىالباترونة وكل المهن الحرة ونقاباتهم من أجل رسم مسارات نضالية مبنية على الأيديولوجية، وواضح أن سيدي السعيد الذي تنصل من التزاماته مع حلفائه القدامى قرأ المشهد ويكون قد ندم على ما قاله في حق سلال من قبل الذي باعه في منتصف الطريق والتحق بسعداني،كما يدرك سيدي السعيد أنالأرندي بقدر ما فيه من إطارات نقابية لا يمكنه أن يلبي مطالبه الاجتماعية التي بها هو متربع على عرش العمال في فترة بوتفليقة.

في انتظار حسم التمثيل للتيار الإسلامي الذي يبدو أنه يطبخ على نار هادئة ولم تكن توليفة غول ولا التزامات أبوجرة سلطاني كافية لتحضير بديل يتولى ثلاثية التمثيل السياسي في المرحلة القادمة في وجهة نظر من يقومون بالفعل السياسي في هذه الفترة.

استمرار الطرف المتغلب مرهون باستمرار الرئيس ومدى القدرة على حسم كل التنافس حتى لا أقول الصراع القائم بين زمر النظامفي تحضير جزائر ما بعد بوتفليقة صعب التنبؤ بأي السيناريوهات الممكنة، ولكن المؤكد أن الأسماء والهياكل المتصدرة للمشهد السياسي قد اختارت تموقعها دون أن تحسب للآخرين ولا للمتغيرات الاجتماعية المحتملة والممكنة ولا حتى لما يمكن أن تفرزه التطورات الإقليمية الحاصلة في المنطقة عموما.


سليمان شنين

من نفس القسم الوطن