الوطن
لهذا نجحت الجزائر في محاصرة داعش داخليا
رغم التململ الشعبي والانسدادات السياسية والتمدد الخارجي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 ماي 2015
سليمان شنين
لازالت التقارير الإعلامية حول وجود داعش في الجزائر في عمومها سطحية نتيجة عدم بروز الظاهرة بشكل علني، إضافة إلى أن الأجهزة الأمنية تتعامل بتحفظ إن لم نقل بتكتم كبير حول هذا الموضوع، ولكن القراءات الاجتماعية والمتابعة لما يحدث يجعلنا نقول إن داعش في الجزائر حقيقة لم تستطع أن تنتج خطابا إعلاميا تعبويا ولا تجنيديا داخل الباب في داخل الجزائر، رغم أن العشرات من الجزائريين التحقوا بالتنظيم الأم سواء في سوريا أو العراق.
ويعتبر الخطاب الإسلامي في عمومه وخاصة في التيار السلفي أو حتى الإخواني الداعم للثورة والثوار في سوريا والرافض لتمدد الشيعة في المنطقة العربية أحد المحاور التي تستفيد منها داعش في التعبئة، كما أن أغلبية "المجاهدين السابقين" سواء منهم في الجماعات الإرهابية النشطة سواء في شمال البلاد أو في جنوبها تعتبر داعش فرصة سانحة للاستمرار والبقاء، وهي أيضا فرصة للتنافس الداخلي من أجل الحصرية في التمثيل من"الخليفة"، وهكذا كان البيان الأول في التحاق "جند الخلافة"والتي كعادة التيارات الإسلامية رأت في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي كانت تتبعه انحرافا عن الجادة، وكان هذا الإعلان في منتصف سبتمبر 2014 وأكد التنظيم حضوره من خلال اعدام الرعية الفرنسي هرفي غوردال بيار، الذي خطفه مسلحو التنظيم في نفس الشهر.
الا ان استمرار الخلاف بين عناصر التنظيمات الارهابية وخاصة المتواجدة في شمال مالي "المرابطون" واختلافهم واستمرار القاعدة في الشمال الجزائري كلها عوامل تساعد على عدم تمدد داعش في التراب الجزائري.
وتقوم الجزائر بأدوار كبيرة في محاصرة التنظيم حتى لا يتمكن من الدخول إلى الجزائر،وتساعدها في ذلك النظرية التي تنتهجها الأجهزة الأمنية الجزائرية التي ترفض الإرهاب، حيث كانوا من أي كان وتحارب الإرهاب في مفهومه المحدد وتفرق بين من يمارس العمل التحرري بل حتى من يحاول الرد على اطراف منافسة له لا تملك شرعية في الحكم او تشهد أراضيه غياب حقيقي للدولة ومؤسساتها ولا تخضع الجزائر محاربة الإرهاب إلى رؤية جيوسياسية التي تفرض تحليله في مكان وتحريمه في مكان اخر نتيجة وجود تهديدات اوغيرها من المصطلحات الجيوسياسية وهذا من اهم الاختلافات الموجودة مع المملكة العربية السعودية والتي اشارت التقارير الأخيرة إلى هذا المعنى والسبب ان الجزائر لا تقبل بالإرهاب في سوريا نتيجة الخلافات مع النظام او في العراق لأسباب طائفية في حين ان الرياض تتعامل مع الاهاب وفق رؤية جيوسياسية وهذا ما لا تقبله الجزائر.
وتملك الجزائر لمحاربة داعش تعاونا إقليميا ودوليا مريحا بدءا بالعلاقة مع سوريا التي تعتبر الساحة الميدانية الأوسع لداعش مرورا بالعراق وإيران التي تملك بنكا معلوماتيا متميزا إضافة إلى تركيا التي تعتبر التعاون الأمني بينها وبين الجزائر يشهد تحسنا مستمرا، وقد وضف الأتراك مرور اغلب "المقاتلي " على أرضيها كفرصة لتحسين التعاون الأمني ومن ثمة الاقتصادي مع من يرغب اومن يشعر بالتهديد على مصالحه الوطنية.
كما عملت الجزائر على تحسين محور تونس الجزائر لمواجهة الإرهاب عموما في ليبيا بما فيهم داعش، وكان لتحسين العلاقة مع التيارات الإسلامية الليبية دور محوري وأساسي في تأمين الجهة الشرقية وحتى حدودنا الجنوبية الشرقية.
كما استعملت الأجهزة الأمنية تجربتها السابقة في مكافحة الاهاب وفق النظريات الأمنية المختلفة وصولا إلى التعاون مع من حسنت نواياهم في التوبة الحقيقية من المقاتلين السباقين والذين ادركوا حجم الجرم في حق مجتمعهم ودولتهم إضافة إلى العمل وفق التوجه الجديد واستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأداة الأكثر فعالية في التجنيد والتعبئة كل هذا الالمام ورغم ما حدث لجهاز المخابرات من محاولات تفتيت نتيجة الصراع السياسي إلى ان الهمة والادراك للمخاطر، هو الذي ساهم بدور كبير في استمرار اليقظة التي تحتاج إلى مجهودات سياسية اكبر للخروج من مناطق الخطورة فعليا.
يبقى الأهم في محاربة الإرهاب عموما وداعش خصوصا موضوع عدم توفير الحاضنة الاجتماعية، والذي هو من وظيفة السياسيين وممارسات السلطة الذي لا يبدو انها تدرك حجم الرهانات وخاصة امام التردد الواضح في محاربة الفساد واستمرار المحاكمات الهزلية والانسداد السياسي، إضافة إلى استمرار المنع ومحاصرة التظاهر والقرارات التي تمس القيم والثوابت وغيرها، والتي من شأنها ان تقدم الدعم الشعبي لأي عمل عنيف بعد اليأس من التغيير عبر الحراك السلمي، وخاصة أن داعش تعتبر التنظيم المسلح الذي يقاتل الامريكان وحلفاءهم في المنطقة، إضافة إلى حربه ضد الاستبداد ومحاولة البروز على انه المدافع عن "الإسلام السني"امام مواقف سياسية لمعظم الدول الإسلامية غير منسجمة مع امزجة الشعوب وقناعاتها في مختلف القضايا المصيرية للامة.