الوطن

صراع النفوذ والتعجيل بالحسم

بعد تنامي أزمة التمثيل الفئوي وانعدام التوازن وتغييب المرجعيات

 

لم يجف بعد الحبر على التحليل والبحث عن خلفيات ما وقع من تعديل حكومي أخير، وما تلاه من استدراك سواء تعلق الأمر بزيادة عدد الوزراء المستشارين في رئاسة الجمهورية أو حتى التغييرات التي حدثت على مستوى وزارات السيادة، وخاصة الخارجية والداخلية وحتى المالية، مما يدفع إلى المقاربة التي تقول إن غياب الرئيس أنتج محاور تتنافس على النفوذ على السلطة من داخل المحيط الرئاسي، بل ذهب آخرون إلى أنها داخل العائلة، مما يدفع إلى إمكانية الحاجة إلى طرف ثالث للحسم في الخلافات قبل أن ينهار السقف على الجميع.

لعل التغيير المهم في التعديل الأخير هو إسناد وزارة الداخلية إلى السيد نور الدين بدوي، وهو إطار من خريجي المدرسة العليا للإدارة تدرج في مناصب الإدارة وتولى حقيبة والي مرات وصولا إلى وزارة التكوين المهني، حيث كان احتكاكه أكثر بشقيق الرئيس ناصر بوتفليقة وتوطدت العلاقة إلى أن دافع عنه هذا الأخير ليتمكن من حقيبة الداخلية، رغم الصراع القائم بين إطارات كثيرة منها حتى الجنرال الهامل الذي كان يرغب في بسط القبضة على الإدارة لما لها من تأثير في صناعة الخيارات المستقبلية للبلاد، إضافة إلى أسماء أخرى مثل عبد المجيد تبون وغيره، ويرجع البعض إلى أن إعطاءالحقيبة لبدوي كان لفك التنافس ومحاولة إرضاء المحاور داخل المجموعة. 

وقد استفاد وزير الداخلية الجديد كونه ينحدر من أصوله الثالثة أو حتى الرابعة من منطقة الجنوب وبالضبط مدينة تقرت وروجت أصوله لإسكات سكان الجنوب، الذين تنامى عندهم الشعور بالإقصاء والتهميش وأصبحت خيارات الجيل الجديد مفتوحة في التعامل مع سلوك النظام مع هذه الجهة التي دوما يتعامل معها بالازدراء واللامبالاة.

ويبدو أن مجموعة القرار قد تكون تستهدف من تعيين وزير الداخلية الذي لا يملك لا القوة ولا النفوذ ولا حتى الكاريزما اللازمة، مما يجعل الجماعات المحلية ملكا مشاعا تتفرق فيه السيطرة والهيمنة وفق ولاءات الولاة ومصدر تعينهم مما ينذر بما يسمى تحلل الدولة واستشراء الضعف وبالتالي ترك المعارك المستقبلية تتم على مستويات محدودة مركزيا وإبعاد التأثير المركزي الجمعي.

إن الذي حدث للداخلية هو نفسه الذي جعل المجموعة تختار للخارجية رأسين، ويقول عارفون إن الاستدراك الذي قام به الرئيس أكد التخوفات الموجودة وثبت ما ذهب إليه في الأول من حيث إعطاء وزير صلاحيات أوسع من وزير الدولة وخاصة أن العمق الدبلوماسي للجزائر يكمن في المغرب العربي وإفريقيا وبدرجة أقل العالم العربي، ويقدم الكثيرون مساهل ابن البيض المحسوبة تاريخيا على الغرب على أنه امتداد للمحيط الرئاسي ايدولوجيا وولاء في حين يحسب لعمامرة على مجموعة أويحيى وبدرجة أقل سلال وليس كما يشاع، ومن اتخذ القرار يدرك أن اويحي له طموحات كبيرة تتجاوز المواقع التي يشغلها أو حتى التي وعد بها كموضوع توليته الأمانة العامة للأرندي ولكن الحاجة إلى منطقة القبائل هي التي تفرض إبقاء الوضع على ما هو عليه والاستمرار في تشبيك العلاقات على مستوى رجال المال التي يتولاها علي حداد وعلى المستوى السياسي وحتى الدبلوماسي والتي يسترضى فيها أويحي ومجموعته ولا يهم التأثيرات التي تنتج عن هكذا خيارات سواء في الداخل أو الخارج.

الإسترضاءات التي تمت في التعديل الحكومي الأخير كانت محدودة الدائرة ولم تتوسع لتشمل محاور النظام والجهات التي تعود على إجراء التوافقات معها رغم أن بعض الوزراء يتداول على أنه محسوبين على أشخاص مثل ما هو الحال لوزير النقل وبدرجة أقل الوزير المنتدب في العلاقة مع البرلمانوهو ما يجعل دائرة المستاءين تكثر داخليا رغم الصمت وعدم الاكتراث التي تبديها بعض المؤسسات الحيويةالتي تعود الفاعلون السياسيون علىالتعامل معها في مثل هذه الظروف وهو أمر يثير كثير من الحيرة والاستغراب وربما حتى الخوف من المستقبل.

تراجع النفوذ المؤسسي واستبداله بهيمنة الأشخاص والمجموعات مؤشر على تآكل البنية التي ساهمت في حماية النظام من جهة وحرصت على منطق الاستمرار حتى ولو بالتجديد الجزئي أحيانا وهو ما بدا يزول في المرحلة الأخيرة فالمجاهدون أصبح لا تأثير لهم حتى على المستوى الحزبي أين ذهبت كل نداءاتهم لإنقاذ الأفلان إلى مهب الريح وبالتالي أصبح لا أثر لهم في المواقع المتقدمة بل أصبحت منظمة المجاهدين مجرد هيئة اجتماعية تتكفل بانشغالات أعضائها بعد ما كانت مؤسسة مرجعية والمؤسف أيضا هو الاستمرار فيمنطق إرضاء فرنسا بمختلف الأشكال ومنها تعيين عناصر يدينون لها بالولاء في مناصب ومواقع حساسة دون الاكتراث بأصوات الوطنين.

كما ثبت التعديل أن كل ما صدر للغرب في موضوع المرأة هو مجرد مزايدات على المعارضة والأحزاب لتوريطها اجتماعيا في حين استمرت المجموعة الحاكمة في التقليل من وجودها بشكل مهين فلا هي تمثل ثلاثين في المائة كما فرضت قوانين الحكومة في موضع الانتخابات التي يفترض أن يكون أكثر تمثيلا في الحكومة ومما يمثل أزمة تمثيل فئوي بعد أزمة التمثيل الشعبي والأكيد أيضا عدم التوازن الجهوي مما يعمل على تنامي الشعور بالإقصاء الممنهج والمتعمد الذي تمارسه المجموعة الحاكمة في كل المستويات.

إن هذه المقاربات التي تتداول في مستويات متعددة من الرأي العام الوطني والتي أخذت تتسع وتأخذ أشكالا أخرى ضاغطة مثل ما يحدث في الأفلان من خلال تشكيل كتلة برلمانية بعيدة عن القيادة الحالية وقد تتبع مستقبلا بخطوات أخرى على مستوى جمعيات المجتمع المدني التي دافعت على خيار العهدة الرابعة ووجدت نفسها خارج إطار اللعبة.

كلها تعمل على المطالبة بإحداث تغيير هرمي يسمح بالحسم في تحديد مركز القرار المؤسسي الدستوري، وليس في الدهاليز والغرف المغلقة التي لا تولي لأي توازنات مجتمعية ولا لمصداقية الدولة حساب مثل أولوية إرضاء الأشخاص والأصدقاء.

 

سليمان شنين

من نفس القسم الوطن