الوطن

حمس بين تنافس رموزها والخيارات الوطنية

أمام توجه السلطة في ترتيب المشهد الوطني العام

 

تزامن الحديث عن حراك داخل أحزاب السلطة الأفلان والأرندي مع تصريحات لرئيس حمس السابق أبو جرة سلطاني لم يتأخر كثيرا في تصويب ما جاء فيها، وخاصة أن القراءة الإعلامية لتصريحاته ربما كانت أكثر مما كان يتوقعه أو لم تحافظ على التصاعد التدريجي للنبرة التي أراد أن يرسمها في العودة من جديد، ليس للمشهد السياسي فقط وإنما للمشاركة في التحضير للمرحلة السياسية القادمة أمام عودة الحديث على رفقائه من قيادات الأحزاب سواء أويحيى أو بلخادم.

تدرك قيادة حمس الحالية أن أبو جرة سلطاني متواصل مع بعض الأطراف من داخل السلطة، كما تدرك أيضا أنه له رغبة لا يخفيها في أن يكون له موقع في المنافسة السياسية، سواء من خلال مناصب حكومية أو حتى القيام "بأدوار" في أي منافسة رئاسية محتملة، والرجل يعبر عن هذا كلما أتيحت له الفرصة بذلك، ولهذا قرأ بعض المراقبين تصريحاته الأخيرة بأنها تدخل ضمن فهم أبو جرّة للترتيبات التي يجريها بعض الأطراف داخل النظام في الخريطة السياسية.

أبو جرة فهم ولو متأخرا أن الشيخ نحناح رحمه الله استطاع أن ينحت اسم حمس داخل النظام، وصعب عليه أي فكرة لإقصائها حتى وإن عمل على التقليل من حجمها، كما حاول الشيخ أن يجعل من حركته في فترته احد بدائل النظام في "التجدد"، لأنه أدرك أن التغيير في الجزائر لا يمكن أن يكون من خارج النظام وكان يعلم أن استمرار العمل في هذا المناخ يسمح لحركته بالتمدد والتوسع والانتشار، ليس على المستوى الشعبي وإنما على مستوى مراكز التأثير وصناعة الرأي، وتحمل تبعات هذا الخط الذي له ضريبة شعبية من جهة، ولكنه في نفس الوقت يسمح للحركة الإسلامية من التموقع وتبديد كل المخاوف الداخلية والخارجية، وهو ما تحقق في عهده، ولكن هذه القراءة لم يشاركه فيها بعض الذين ورثوا الاسم دون المحتوى والمضمون أو حتى التوجه، واختزلوا العودة الشعبية في خيارات على مستوى الخطاب والمواقف ضمن ظاهرة صوتية واصطفافات بدت لأصحابها أنها مستقلة ظاهرا، ولكنها في العمق مصنوعة في دهاليز ابعد ما تكون ممن يظهر على السطح.

ولا يستبعد البعض أن ما يحدث في حمس هو امتداد لعمل من بعض المخابر التي لامست الطموحات الجامحة لبعض الشخصيات، فاستغلت شخصيتها المتعارضة مع النظام والقابلة للتفاهم مع الآخر بل إن الرسائل التي أصبحت تصل لبعض قيادات حمس تكون من أطراف من خارج الجزائر وهو ما يعبر عن الشرخ القائم بعدما كانت حمس شريكة في القرار الوطني. 

يشترك المتنافسون في حمس في القناعة بأهمية الدور الخارجي في التوازنات داخل السلطة في الجزائر ويعرفون أيضا امتدادات العلاقات لشركائهم الجدد في التنسيقية، والكل يحاول أن يستفيد من الأخر ويوظفه في أجندته وهو ما فتح باب الاتصالات بشكل غير متحكم فيه وربما يتعارض أحيانا مع بعض القوى المؤثرة في الداخل وكل هذا له ضريبة لا يدركها الحمسيون في هذه المرحلة. 

عراب النظام السياسي الجدد يعتقدون أن حمس استثمار لا يقبلون أن يجني ثماره غيرهم أو آخرون وفي نفس الوقت لم يدركوا عمق المطلوب من حمس اجتماعيا ولا سياسيا، فاهتموا بالمظاهر وتعاملوا مع الإشكال ولهذا يحاول بعضهم إعادة حمس للخريطة القديمة بطريقة استنساخ التجارب الماضية، دون أن يملكوا لا الرؤية الكاملة ولا الإلمام بما حدث داخل حمس من تغيرات عميقة وجوهرية تبعدها عن الأدوار التي تبحث السلطة عنها في هذه المرحلة.

إن إصرار قيادة حمس على اعتبار ما يحدث داخل الحزب ليس بأزمة واعتباره خلافا طبيعيا هو تهوين لما هو قادم، وخاصة أن السلطة كان لها دوما دور محوري في حمس وأن أمزجة البعض هي التي أيضا ساهمت في وصول بعض القيادات إلى مواقع متقدمة وان التحالفات الداخلية تخضع للرغبات الشخصية أكثر منها للأفكار والرؤى والقناعات. 

لقد حول توجه الحركة الجديد مجموعة من الإطارات إلى بطالين وتوقفت طموحاتهم في الارتقاء الإداري، ليس فقط على المستوى المركزي بل حتى على المحلي، ولا يشك واحد في انتمائهم للحزب ولا قدرتهم أيضا على إعادة تشكيل التحالفات الرابحة دون الارتباط بأي كان، وهو ربما ما أدركه أبو جرة سلطاني في تحركه الأخير الذي أراد من خلاله إعادة تجميع المتضررين من فك الارتباط مع السلطة، إضافة إلى من يشاركونه القناعة وقد لا يطول الانتظار أو سيتزامن مع التغيير القادم والاستحقاقات التي تمس البلد برمته.

 

سليمان شنين

من نفس القسم الوطن