الوطن

طبخة تحضر لمرحلة جديدة

إسراع لطي قضايا الفساد وحراك سياسي في أعرق الأحزاب وسياسيون يعبرون:

 

 

يؤكد متتبعون للشأن السياسي في البلاد أن السلطة تحضر لمرحلة مقبلة لم تتضح معالمها بعد، بدليل التسريع في معالجة قضايا الفساد والتي تعبر عن إرادة السلطة السياسية في إنهاء هذه الملفات المزعجة لها فورا. بالمقابل تشهد أعرق الأحزاب المحسوبة على السلطة حراكا واسعا في أعلى هرمه انطلقت من الإعلان المفاجئ على عقد المؤتمر العاشر للأفلان وتوقيعات تحضر للإطاحة بالأمين العام للأرندي مقابل عودة أويحيى.

تعيش الجزائر هذه الأيام وللشهر السادس على وقع محاكمات في ثلاث قضايا فساد كبرى متورط فيها مسؤولون كبار في الدولة، تمت برمجتها في الدورة الجنائية الحالية، وعلى الرغم من تفجر هذه القضايا منذ عام 2007 فإنه لوحظ تسارع في برمجتها في وقت واحد، مما أعطى الانطباع بأن يدا ما تدخلت في ذلك، والدليل برمجة ثلاث قضايا في ظرف شهر ونصف فقط وهي سوناطراك1 والطريق السيار وقضية الخليفة 2، الأمر الذي يعبر عن إرادة السلطة السياسية في الإنهاء الفوري لهذه الملفات المزعجة لها، حيث كان جدلا واسعا قد دار عن "سر" هذه البرمجة، وأُطلقت تخمينات عن احتمال "استعجال" جهات معينة في السلطة تريد الدفع بهذه الملفات للانتهاء منها.

ويشير متتبعون أن هذه المرحلة تعتبر امتحانا كبيرا للعدالة الجزائرية لإثبات مصداقيتها ونزاهتها، وهو ما اختلف حوله الفاعلون في هذا القطاع، بالمقابل، يرى آخرون أن العدالة الجزائرية أثبتت جدارتها وقدرتها في التحكم بهذه الملفات الصعبة والمتشعبة، بدليل أن "قانون الإجراءات الجزائية والرزنامة القضائية هي وحدها التي تتحكم في برمجة هذه الملفات وليس الرزنامة السياسية"، وأن هذه القضايا قد "نضجت في وقت واحد وأحيلت في توقيت متقارب، ولا بد أن تُجرى المحاكمات في الوقت نفسه أيضا. 

وبعيدا عن المحاكم، يجري الكشف عن فضائح الفساد أيضا تحت قبة المجلس الشعبي الوطني، حيث اتهم نواب حزب العمل نادية لعبيدي، وزيرة الثقافة، بتلزيم كل مشاريع القطاع إلى أصدقاء أو إلى شركتها الإنتاجية، بالمقابل هددت الوزيرة برفع شكوى ضد لويزة حنون، وتستهدف لويزة حنون أيضا، وزير الصحة عبد المالك بوضياف، الذي تتهمه بتفويت صفقة لاقتناء أجهزة أشعة إلى متعهد يتدخل في شؤون الأشغال العامة.

وعلى الصعيد الحزبي، يلحظ المتتبعون حركة غير معهودة داخل بيت الأرندي، حيث تشير آخر المعلومات أن جناح الأمين العام للأرندي السابق أحمد أويحيى، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، قد حسم معركة جمع التوقيعات، لسحب الثقة من الأمين العام الحالي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، واستخلافه بأحمد أويحيى على رأس الحزب، وذلك بجمع أزيد من 300 توقيع من أصل 362 توقيع يشكلون المجلس الوطني للحزب، تتقدمهم قيادات الصف الأول، ونواب الحزب بغرفتي البرلمان و12 عضوا من الأمانة الوطنية للحزب من أصل 20 عضوا، في وقت لم يفصل بعد في أمر دورة المجلس الوطني التي سترسم عملية تولي أويحيى شؤون الحزب.

وعكس الأرندي استلم، الأمين العام للحزب العتيد عمار سعداني، رخصة الموافقة من مصالح الداخلية والجماعات المحلية من أجل عقد أشغال المؤتمر العاشر للحزب المقرر أيام 28، 29 و30 ماي الداخل، وقد فاجأت الخطوة التي قام بها سعداني "سرا" ومن دون علم أعضاء المكتب السياسي الأمر الذي أوضح وجود خلط في التنسيق بين سعداني وبين قيادات حزبه، حيث نزل هذا الخبر كالصاعقة على خصوم سعداني الذين يحضرون خططا للإيقاع به، بالمقابل تعيش الجزائر حالة من "الاختناق" السياسي جراء وصول الانسداد بين السلطة والمعارضة إلى سقف لا يمكن للمشهد السياسي أن يستوعبه لمدة أطول. وأظهرت الرسالة التي بعث بها الرئيس بوتفليقة إلى الجزائريين، بمناسبة عيد النصر 19 مارس، معالم مرحلة سياسية مقبلة مغلقة، من حيث المواقف ومن حيث إحراق الطرفين أوراقهما بالكامل، ولم يبق بأيديهما مساحات لعب تسمح باستتباب الهدوء الذي دعت إليه السلطة، الأمر الذي يستدعي تغيير خارطة اللعبة، بل وحتى اللاعبين.

هذا وقد رفعت "الرائد" هذه التساؤلات لعدد من الفاعلين في المشهد السياسي الجزائري الذين أكدوا على أن كثرة الملفات التي فتحت وتفتح في هذه الفترة المتزامنة أثارت الكثير من التساؤلات والتخمينات وحتى الشكوك حول جدوى فتحها دفعة واحدة وفي وقت متزامن، هذا ويرى مراقبين بأن ترتيبات على مستوى السلطة هي التي دفعت التعجيل بطرح هذه الملفات دفعة واحدة، هذا التزامن غير المفهوم قرأه المحللون والسياسيون ممن تحدثنا معهم على اختلاف آرائهم وتوجهاتهم، بأنه حراك عادي ومتوقع في ظل وضع سياسي متأزم تعيشه الجزائر وواحد من إفرازات العهدة الرابعة لبوتفليقة، إضافة على إجماعهم آن شيء ما يطبخ في الخفاء وقد تتضح ملامحه في القريب وربما قد يطال أعلى هرم في السلطة.

 

الإصلاح الوطني: النظام دخل مرحلة "ترتيب بيته "!

اعتبر الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني جهيد يونسي، الفوضى التي تعرفها الساحة السياسية في الوقت الراهن، خاصة مع فتح السلكة لملفات عديدة ومختلفة في وقت واحد هو سعي حثيث منها لغلق كل الملفات دفعة واحدو وإعادة ترتيب البيت من جديد تحسبا للاستحقاقات التي تنتظرها وأولها التعديلات الدستورية التي فشلت في الوصول مع المعارضة فيها إلى توافق يضمن تمريره بسلاسة.

وابتعد يونسي ان يكون هناك ربط عضوي بين الملفات رغم ان فتحها في وقت واحدة يطرح العديد من التساؤلات، حيث قال انه من غير المعقول ان تفتح السلطة على نفسها عدة جبهات تعرف انها قد تخسر اكثر مما تكسبه فيها وخاصة ملفات الفساد التي تحمل في طياتها أسماء كبيرة من قلب السلطة، وهو ما يشوهها ويقوض خطابها الداعي لمحاربة الفساد، وعن صراعات أحزاب السلطة الداخلية واشتعالها في نفس الوقت مع فتح ملفات الفساد قال نفس المتحدث ان أحزاب السلطة معروفة بتململها وصراعاتها التي تنتهي لأنها مبنية على تناقضات واختلافات أيديولوجية كبيرة لذلك نجدها تطفوا إلى السطح كل فترة وأخرى. 

 

حركة البناء الوطني: السلطة تصدر مشاكلها للساحة السياسية

قال الأمين العام لحركة البناء الوطني أحمد الدان إن دفع السلطة بالعديد من قضايا الفساد وبعض القضايا السياسية إلى الساحة دفعة واحدة هو نوع من ربح الوقت وتصدير للازمات التي تقابلها إلى الساحة من اجل الهاء المجتمع بأخبار الصراعات والخلافات، ودعا الدان السلطة إلى أخذ العبرة من الفساد المالي السابق وإيقاف النزيف الحالي وهيمنة المال الفاسد على مفاصل السلطة. كما دعا إلى احترام الطبقة السياسية وإشراكها في تجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد بدل التلذذ بأخبار الصراعات، فالأحزاب السياسية هي مؤسسات دستورية نتمنى لها الاستقرار الذي لا يكون إلا بالصدق والديمقراطية والمؤسسات، والخروج من الزعامات والبطولات الوهمية على حساب النضال الواقعي الشعبي، وطالب نفس المتحدث أيضا من جميع الأطراف المتناحرة فيما بينها في الساحة السياسية إلى الهدوء والتعقل وتغليب لغة العقل والحوار من اجل الخروج بالبلاد من أزمتها الحالية، خاصة وأنها مقبلة على عدة استحقاقات بالغة الأهمية وعلى رأسها التعديل الدستوري المرتقب، هذا الأخير بحسب الدان تتمحور حوله كل القضايا التي دفعت بها السلطة مرة واحدة بغية تمريره في غفلة من الشعب والطبقة السياسية التي من المفروض ان لا تنجر إلى هذا الفخ. 

 

العدالة والتنمية: فتح كل هذه الملفات دفعة واحدة غرضه التغطية على تمرير الدستور 

أرجع القيادي في العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، فتح العديد من ملفات الفساد على غرار ملف سوناطراك1 وسوناطراك2 وملف الطريق السيار بالإضافة إلى ملف ما يعرف بفضيحة القرن، دفعة واحدة إلى رغبة السلطة الملحة في تمرير الدستور الذي لم تحصل فيه على التوافق الذي كانت تريده وهو امر مكشوف وواضح على حد قوله.

وقال بن خلاف ان السلطة من عاداتها الاصيلة ان تقوم بمثل هاته المناورات التي باتت مكشوفة لشعب، حيث انه كلما ارادت تمرير شيء تعلم انه غير مقبول من الطبقة السياسية والشعبية تعمل على فتح ملفات وصراعات وهمية من اجل الهاء الشعب وصرف نظره على القضية الأساسية، والتي هي مسألة الدستور وتعديله، وأضاف بن خلاف ان السلطة تعمل من خلال فتح ملفات الفساد في وقت واحد إلى تلميع صورتها ومحاولة القول بأنها نظيفة وتحارب الفساد والمفسدين، بعد ان اصبح الشعب ينظر اليها بنظرة الريبة والاتهام خاصة وان جل القضايا المطروحة متورط فيها سياسيون ووزراء من قلب النظام، اما القيادي البارز والبرلماني عن نفس الحزب حسن عريبي فقد اكد ان طرح كل الملفات دفعة واحدة مرده الانتهاء منها مرة واحدة وغلقها نهائيا والتفرغ إلى تعديل الدستور وتهيئة الخليفة المحتمل لرئيس، إضافة إلى محاولة إعطاء صورة جديدة للعدالة وتنصيع صورتها التي باتت مهتزة في الآونة الأخيرة بعد تماطلها في ادانة المفسدين في القضايا المقدم لها. 

 

أرزقي فراد: صراع العسكر والرئاسة وراء فتح كل هذه الملفات دفعة واحدة!

أرجع المحلل السياسي ارزقي فراد، فتح العديد من الملفات السياسية على غرار الصراعات داخل أحزاب السلطة، وملفات الفساد على غرار سوناطراك1 وسوناطراك2 وملف الطريق السيار اضافة إلى ما يعرف بفضيحة القرن، إلى الصراع الخفي بين العسكر والرئاسة الساعي إلى السيطرة على مفاصل الدولة والتحكم فيها.

واستبعد فراد ان يكون فتح كل هذه الملفات الشائكة واختلاق كل هذه الصراعات داخل أحزاب السلطة ان يكون محل صدفة، حيث أكد ان مثل هذه الصراعات الكبيرة وان حدثت في أنظمة شمولية على حد قوله فعليك ان تبحث عن العسكر والمخابرات والرئاسة، هاته الأخيرة قال عنها فراد انها خسرت الكثير من الأوراق بعد تدهور صحة الرئيس بوتفليقة، وعدم قدرة أخيه السعيد بوتفليقة التحكم في كل خيوط اللعبة، وأضاف فراد ان كل طرف يضغط على الآخر بالملفات التي يمتلها فالمخابرات تضغط بملفات الفساد التي بحوزتها والمتورط فيها العديد من رجال الرئاسة على غرار الوزراء والمدراء والمستشارين. اما الرئاسة تحاول السيطرة على الأحزاب الكبيرة وجعلها في صفها دائما، وآخر تحركاتها بحسب فراد هو محاولة تحيد اكبر أحزاب المعارضة حمس وخلق المشاكل داخله لا لهائه فيها وتقسيمه ان اقتضت الضرورة، وهو ما يظهر بحسب فراد دائما في تصريحات رئيس الحركة السابق بوجرة سلطاني والذي يحمل مقاربة تتطابق مع مقاربة الرئاسة، اما عن توقعاته لكيفية نهاية مسلسل قضايا الفساد فقد قال فراد ان من يحاسب في الأخير هو السمك الصغير ولا احد من المسؤولين الكبار سيمس، لان المحاكمات في الأصل وجدت من اجل تبيض صورة السلطة التي اصبح الفساد ينخر مؤسساتها ويعرضها لازمة ثقة بينها وبين المواطن.

أمال. ط/ مراد. ب

من نفس القسم الوطن