الوطن
الحكومة تتقشف على الداخل وتمنح البحبوحة المالية للخارج
سلال يعجل باتخاذ إجراءات "تقشفية" جديدة وينسف بالمخطط الخماسي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 ماي 2015
- من سيقرض الجزائر إذا "أفرغ" احتياطي الصرف!
- سياسيون: الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو الأزمة والسلطة تتفرج
- اقتصاديون: الحديث عن لجوء الجزائر إلى الاستدانة سابق لأوانه لكنه يبقى وارد!
بعد التطمينات والتصريحات "الوردية" من طرف وزراء سلال بقدرة الجزائر على الوقوف في وجه الأزمة الاقتصادية الحالية بسبب انخفاض أسعار النفط، بدأت الهزات الارتدادية تضرب الحكومة التي يبدو أنها لن تصمد طويلا، ما جعلها تسارع في تطبيق سياسة التقشف على أرض الواقع، بعدما التهمت شهر جانفي لوحده ما لا يقل عن 11 مليار دولار من احتياطي الصرف الحالي، ولعل الحراك المتسارع الموجود حاليا بعدة قطاعات على غرار قطاع النقل الذي تقرر فيه وقف مشاريع الترامواي، وكذا الحملات التي ترعاها وزارة التجارة من أجل التعريف بالمنتوج الوطني على حساب الأجنبي بهدف خفض فاتورة الاستيراد، تدل حقيقة على خطورة الوضع خاصة بعد التقارير الأخيرة التي صدم بها صندوق النقد الدولي الجزائريين عندما أكد أن احتياطي الصرف سينفذ خلال 15 شهرا، فهل سيصمد الاقتصاد الجزائري المعروف بهشاشته الـ15 شهر القادمة؟؟
وزراء يطمئنون والأزمة تفرض نفسها
لا تزال تصريحات الوزراء والمسؤولين الجزائريين تسير عكس التيار هذه التصريحات التي يحاول من خلالها طاقم حكومة سلال إقناع الرأي العام بعدم تضرر الجزائر من تراجع أسعار البترول، وأن الأمور كلها بخير رغم تراجع احتياطي الصرف وتوقعات بنفاذه سرعان ما تظهر أنها مجرد وعود أغلبها لا تتحقق ففي قطاع السكن مثلا سبق للوزير عبد المجيد تبون أن أكد أن جميع المشاريع السكنية المبرمجة في إطار المخطط الخماسي سيتم إنجازها، وأن جميع مكتتبي عدل ببرنامجه الأول والثاني سيستلمون سكناتهم مع نهاية 2016 لتطلق الحكومة بعدها برنامج عدل 3 وتنتهي أزمة السكن في الجزائر بحلول سنة 2019، لكن الوزير تراجع بعد هذا التصريح ليؤكد أنه لا يملك العصا السحرية وأنه لا وجود لبرنامج اسمه عدل 3. ومن جهته وزير العمل والضمان الاجتماعي محمد الغازي طمأن في العديد من المرات أن إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل أمر لا رجعة فيه وأن هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ مع بداية جوان على أكثر تقدير وهو الأمر الذي لن يتحقق هو الآخر فالزيادة المقررة من جراء إلغاء هذه المادة لن تدخل أجور العمال شهر جوان حيث أرجعها الغازي إلى غاية أواخر شهر أوت دون الحديث عن قيمة هذه الزيادة لتتحدث مصادر على علاقة بالملف أن هذه الزيادة لن تتعدي الـ 4 ألاف دينار بالنسبة لصنف 1.
وفيما يتعلق بالمشاريع الكبرى وتطوير البنى التحتية وشق الطرقات والجسور أكد كل من وزير النقل عمار غول أن جميع مشاريع الطرقات "شرق غرب وشمال جنوب" سيتم إنجازها، وهذا ما وعد به أيضا وزير الأشغال العمومية عبد القادر قاضي الذي أكد أن جميع مشاريع الأشغال العمومية المبرمجة في إطار المخطط الخماسي سيتم إنجازها، في حين تحدث مصادر من وزارة النقل أن الوزير الأول عبد المالك سلال أمر بتوقيف غالبية مشاريع إنجاز الترمواي.
قانون المالية التكميلي هل سيكون الحل أمام جبهة اجتماعية متوترة؟
كل هذه الاختلالات في الموازنات التي بينتها تصريحات وزراء حكومة سلال دفع بالحكومة للحديث عن اللجوء لقانون مالية تكميلي جاء كنتيجة للتداعيات التي فرضتها المرحلة الراهنة في مجال تراجع مداخيل الجباية البترولية الوطنية جراء تدني أسعار النفط عالميا، حيث تسعي الحكومة من خلال هذا القانون إلى تنفيذ خطة ميدانية للتقليل من حجم النفقات العمومية، على أن يحوي قانون المالية التكميلي العديد من التدابير التي تذهب نحو هذا الاتجاه.
من جهة أخرى فقد خلقت هذه التناقضات في تصريحات المسؤولين جبهة اجتماعية محتقنه واحتجاجات تعيشها عدد من القطاعات كما لم تتمكن الحكومة التي تعيش حالة من الاضطراب بسبب الوضع الاقتصادي من ضبط الوضع كون الزيادة في الأجور وتحسين الظروف المهنية والاجتماعية هي أغلب ما تنادي به أغلب النقابات التي تهدد بالشارع وهو ما لا تستطع الحكومة تطبيقه في الوقت الحالي والذي يعتبر ميزانية إضافية.
التقشف داخليا وعقلية البحبوحة المالية خارجيا
لكن بالمقابل فإن الجزائر التي تعيش أزمة اقتصادية بدأت تتصف بالحدة خاصة بعد تحذيرات الأفامي وبدء احتياطي الصرف لديها يتآكل، لا يزال مسؤولوها يفاخرون بقيمة إلغاء الديون، لكن العودة للمديونية أمر وارد والجزائر ستكون أمام أزمة سياسية أكثر منها اقتصادية. ويرى الكثيرون أن عزاء الحكومة الوحيد في هذه الوضعية الاقتصادية المتدهورة يبقي انعدام الديون الخارجية التي لا تزال في أدنى مستوى لها بـ 3.735 مليار دولار، نهاية ديسمبر 2014، وهو الأمر الذي وجده لكصاسي محافظ بنك الجزائر مخرجا من الحرج الذي وقع فيه بصدور تقرير الافامي الأخير، لكن ما يحمل التقرير من تحذيرات ومؤشرات مخيفة يثبت أن الجزائر وان لم تتحرك سريعا لإيجاد حلول ناجعة وفعالة لإنقاذ اقتصادها فأن المديونية ستعود لا محال كحل اضطراري خاصة وأن الجزائر وكأغلب الدول النفطية ليس لديها سياسة حقيقية لمواجهة ما بعد النفط رغم الامكانيات البشرية والجغرافية التي تملكها لخلق اقتصاد حقيقي بعيد عن المحروقات وهو ما أكده عدد من الخبراء وحتي السياسيين بالقول أن الجزائر تتجه نحو الاقتراض من دول أخري أن أبقت سياستها الاقتصادية كما هي عليه الان ما سيضعها في أزمة اقتصادية وأزمة سياسة كون المديونية في هذه الظروف التي تعرفها المنطقة العربية والإفريقية تعتبر وجه من أوجه التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية خاصة وان الجزائر معروفة بمواقفها الثابتة ليبقى السؤال الأهم والذي يطرح نفسه، هل ستتمكن الحكومة من الخروج من هذه الوضعية وتجنيب الجزائر العودة لمرحلة ما بعد التسعينيات؟؟