الوطن

بحث عن مغانم اقتصادية أم سعي للتموقع في ظل الدور الجيوسياسي الجديد للجزائر

التوافد الدبلوماسي الأجنبي المكثف إلى الجزائر وتعامل بوتفليقة معه

 

 

شهدت الجزائر خلال الفترة الأخيرة توافد أكثر من رئيس دولة ورئيس حكومة ووزراء وسفراء ومبعوثين خاصين لدول من أوروبا، افريقيا، أمريكا اللاتينية، ودول عربية، وارتسم مشهد حج دبلوماسي مكثف للجزائر، وما يثير الانتباه هو استقبال الرئيس بوتفليقة لمعظم الوفود الأجنبية التي زارت البلاد بين مارس وافريل، وهو ما لم يسجل عليه خلال عهداته السابقة الثلاث، ويعزو مراقبون هذا الأمر إلى كون هذه الزيارات كانت مبرمجةمسبقا لكنها تراكمت على الجزائر في ظرف عادت الجزائر لتكسب ثقة حلفاءها من الغرب والعرب وحتى ايران، بينما ظهرت كقوة في محاربة الإرهاب، وترى بعض الأوساط أن بعض الدول تبحث عن مغنم اقتصادي عند الجزائر، بينما تبحث أخرى عن التموقع في الساحة الدولية والإقليمية، ووسط كل هذا تريد الجزائر أن تجد لها موقعا في خارطة جيوسياسية جديدة ترتسم معالمها على ضوء الاتفاق الايراني الامريكي والتقارب الجزائري التركي القطري من جهة أخرى.

بين مارس وأفريل شهدت الجزائر انزالا مكثفا للدول الأجنبية في زيارات عمل لرؤسائها أو سفرائها أو وزراء خارجيتها، وحتى مبعوثين خاصين، وقد ظهر الرئيس بوتفليقة مستقبلا لمعظم هؤلاء، آخرها استقباله لوزير العلاقات الخارجية المكسيكي، خوسي انطونيو مياد كوريبرينا يوم 22 أفريل، وقبله بخمسة أيام، استقباله ومحادثته مع الرئيس الرواندي بول كاغام، والأسبوع الماضي، كان قد استقبل وزير الشؤون الخارجية التشيكي، ليبومير زاورلاك، وقبله بيومين تم استقبال رئيس لجنة الشؤون الخارجية و الدفاع و القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الفرنسي، جون بيير رافارين، والمعروف أن المسؤولين الفرنسيين يطلبون زيارة الرئيس في كل مرة يحلون بالجزائر بالنظر للعلاقات التاريخية بين البلدين، وفي أواخر شهر مارس، كان رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما هنا بالجزائر وقد حظي بلقاء الرئيس بوتفليقة، وبتاريخ 29 مارس المنصرم، كانت السيدة ايزابيل روا، قد التقت بوتفليقة وسلمته أوراق اعتمادها بصفتها سفيرة مفوضة فوق العادة لكندا لدى الجزائر، وفي نفس اليوم استقبل  الرئيس السفير المفوض فوق العادة لجمهورية الإكوادور لدى الجزائر خوسي رافائيل سيرانو هيريرا، هذا الأخير سلمه أوراق اعتماده، وفي نفس اليوم، سلم دونيس توكوزاني دلومو، أوراق اعتماده للرئيس بوتفليقة بصفته سفيرا مفوضا فوق العادة لجنوب افريقيا لدى الجزائر، ولم يتوقف الرئيس عن الاستقبالات، حيث كان له لقاء يوم 25 مارس مع روبير موغابي، رئيس زيمبابوي و الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي.

دول تبحث عن مصالح اقتصادية وأخرى عن التموقع من خلال الجزائر 

 

ويبدو من خلال هذا الزيارات للوفود الدبلوماسية الأجنبية ولقاءهم ببوتفليقة في هذا الظرف بالذات الذي تعيشه المنطقة، أن معظم هذه الدول رأت في زيارة الجزائر ضرورة لابد منها لأخذ مكانها في الخارطة الجيوسياسية الجديدة، خاصة في ظل التوترات الأمنية الحاصلة في أكثر من منطقة، منها العربية والافريقية، فعودة الجزائر للعب دور ريادي في المنطقة بدعم من حلفاءها في الغرب بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، جعل هذه الدول، حسب مراقبين للشأن الدبلوماسي، تبحث عن موقع لها انطلاقا من الجزائر، فهذه الأخيرة أضحت عراب محاربة الارهاب في المنطقة، وتقود قاطرة الدبلوماسية لحل الأزمات الداخلية في بعض الدول كليبيا، ومالي، وكذا الإقليمية، كاليمن، حيث اقترحت وساطتها على دول "عاصفة الحزم"، وما التقارب التركي القطري والإيراني مع الجزائر إلا وجه من أوجه عودة الجزائر إلى الساحة لبحث مكانها في الخارطة الجيوسياسية الجديدة، و التي بدأت ترتسم معالمها عقب الاتفاق الإيراني الأمريكي الأخير، وكل هذه الحسابات تهم الجزائر، وهو ما يفسر استقبال بوتفليقة الشخصي لأكثر من رئيس دولة، ومسؤولين سامين لدول من أوروبا، وافريقيا، وكندا وامريكا اللاتينية، لكن بعض الملاحظين يرون في زيارات بعض الوفود الدبلوماسية الأجنبية بأنها بحث عن مزيد من الغنائم في مجال التعاون الاقتصادي وبحث اسواق لصالح بلدانهم، كما هو الحال بالنسبة لمثل مجلس الشيوخ الفرنسي جون بيير رفاران، ومعروف عن فرنسا رغبتها في أن تكون شريكة الجزائر الأولى منافسة للولايات المتحدة في المنطقة، بينما دول أخرى، جاء رؤساءها أو ممثلوهم إلى الجزائر إما طلبا لمساعدات أكثر، أو لأخذ استشارات من الرئيس بوتفليقة شخصيا، وهو ما عبر عنه الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي عشية انعقاد القمة العربية الأخيرة، كما أن بعض هذه الدول التي زارت الجزائر مؤخرا تكون قد جاءت برغبة في التموقع خاصة وأن الولايات المتحدة كانت قد زكت الجزائر كبلد يقود قاطرة القارة الافريقية في قمة الشراكة معها، فالجزائر دولة ذات خبرة في مكافحة الارهاب وغنية مقارنة بدول افريقية أخرى، كما أنها بلد معروف بحيادها الدبلوماسي فيما يخص الأزمات والصراعات، مما جعل ايران مثلا تزكيها للعب دور الوساطة في الحرب التي تقودها السعودية وحلفاءها على الحوثيين في اليمن، أما دولا كالمكسيك، البرازيل، وبعض الدول الأوروبية كالتشيك، فهي بلدان لها علاقات تاريخية مع الجزائر خاصة لذلك جاءت تبحث عن مزيد من التعاون، بالنظر لفرص الاستثمار الموجودة بالجزائر، سياستها الخارجية.

 

رغبة جزائرية في التموقع ضمن خارطة جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط

وفي سياق آخر، يتساءل مراقبون عن سر هذا النشاط من جانب رئيس الجمهورية في هذا الظرف بالذات، خاصة وأنه لم يحدث خلال عهداته السابقة أن استقبل هذا الكم من الوفود تباعا وفي وقت قياسي، ويعزو بعض المتابعين للشأن الدبلوماسي والسياسي أن هذه الزيارات التي تتهاطل على الجزائر كانت مبرمجة من قبل ضمن اجندات هذه الدول، مما يوحي برغبة جزائرية في البحث عن موقع لها وسط التغيرات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة خاصة في ظل ارتسام خارطة جديدة في الشرق الأوسط تقسم القوى الإقليمية إلى أكثر من طرف. فهناك طرف تقوده السعودية ومعها مصر والإمارات، وطرف آخر تبرز فيه إيران وتركيا كقوى اقليمية في المنطقة، وكذا قطر التي عززت من علاقاتها مع الجزائر.

 

المحلل السياسي أرزقي فراد لـ"الرائد": 

"الجزائر رقم لا يمكن القفز عليه في المنطقة"

يرى المحلل والناشط السياسي أرزقي فراد أن الحراك الدبلوماسي الأجنبي نحو الجزائر أمر طبيعي بالنظر لموقعها في الساحة الدولية والمنطقة خصوصا، فهي قوة عسكرية لا يستهان بها، بالإضافة إلى خبرتها في مجال مكافحة الإرهاب، وعودتها لسابق عهدها بالدبلوماسية التي لعبتها في السبعينيات، حيث عرفت انتعاشا بتنصيب الوزير الحالي رمطان لعمامرة على رأسها، وكل هذا جعل الدول والحكومات تسعى في كسب ود الجزائر، سواء بغرض الاستفادة من خبرتها في المجال الأمني، وفي حديث هاتفي مع الرائد، قال أرزقي فراد أن الجزائر هي الآن رقم لا يمكن الفز عليه، ودورها في مجال الأمن الإقليمي لا يستهان به، وقد تكون بعض الدول زارت الجزائر لغرض البحث عن مزيد من المصالح، أو أنها رأت في الجزائر بدل مهما لاعتبارات جيوسياسية، وفي رأي المحلل السياسي أرزقي فراد، فمكانة الجزائر بين الدول محترمة سواء في الجانب الاقتصادي أو كحلقة أمن ودراية بمكافحة الارهاب، وكل ذلك زادها من استقطاب الدول الأجنبية.

مصطفى. ح

من نفس القسم الوطن