الوطن

الجزائر أقنعت واشنطن وباريس أن لا جدوى من الحلول العسكرية لمعاجلة أزمات المنطقة

برغم التشويش الذي تواجهه من بعض الدول كالمغرب ومصر

 

  • سليم قلالة: الدول الكبرى أكدت أنها تثق في الطريق الجزائرية لحل الأزمات 

 

خرجت الدبلوماسية الجزائرية من جولة الحوار الاستراتيجي الجزائري- الأمريكي بمواقف مدعمة لمبادراتها لحل الأزمتين في مالي وليبيا، حيث اعترفت واشنطن بالجهود المبذولة في هذا الإطار حسب تصريحات كاتب الدولة للخارجية جون كيري، الذي أكد أن  "الجزائر أدت دوراً حيوياً في دعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي في ليبيا" ويظهر هذا الثناء من جانب أقوى دولة في العالم أن الجزائر تلقى الدعم لسياستها الخارجية في شمال افريقيا والشرق الأوسط الرامية خاصة من طرف الدول الكبرى كفرنسا والولايات المتحدة، برغم وجود ردود فعل معرقلة للمسار السلمي الذي تدعو إليه، ويتجلى هذا من خلال محاولات مصر ومعها دول تدعم عاصفة الحزم في اليمن، وكذا المغرب، لعرقلة تقدم المساعي الجزائري لإنجاح مبادراتها الدبلوماسية.

تتحرك الدبلوماسية الجزائرية على أكثر من جبهة كي تقنع المجتمع الدولي بأن حل الأزمات والصراعات الحاصلة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا لن ينجح باستعمال القوة العسكرية، والدليل أنه لغاية اليوم لم تحَل الأزمة في سوريا، ولا في ليبيا، ولا في اليمن، ولعل هذا ما جعل دولة كبرى كالولايات المتحدة تعترف بنجاعة التوجه الجزائري المرافع لحل السياسي للأزمات بعيدا عن التدخل العسكري، فقد نتج عن آخر خرجة لوزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى الولايات المتحدة، حصول الجزائر على دعم أمريكي لها في إدارتها للأزمتين الليبية والمالية، فقد أعربت واشنطن عن " عرفانها للجزائر من أجل الدور الذي تضطلع به في ترقية الحلول السلمية للنزاعات الإقليمية بما في ذلك وساطتها التي أفضت إلى اتفاق بين الحكومة المالية و الجماعات المسلحة في شمال هذا البلد و كذلك من أجل الدعم الذي تقدمه للجهود التي يبذلها الممثل الخاص للامين العامللأمم المتحدة من اجل ليبيا برنادينو ليون". هذا الإعتراف جاء على لسان كاتب الدولة للخارجية الأمريكية جون كيري على هامش لقائه بلعمامرة في جولة الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وكانت فرنسا على لسان لوران فابيوس رئيس دبلوماسيتها، أكد ايضا على دعم فرنسا التام للوساطة الجزائرية في الحوار المالي، وكذا جهودها لحل الأزمة في ليبيا، هذين الاعترافين من أقوى دولتين غربيتين يدخل في باب الثناء على الدور الجزائري الإيجابي في حل الأزمات، برغم اشادتهما بطريقتها في مكافحة الإرهاب وخبرتها في ذلك، وكان جون كيري أكد أن التعاون الأمني مع الجزائر يعتبر حجر الزاوية، برغم اختلاف الرؤية فيما يتعلق بالأزمة في اليمن، وهنا يرى محللون سياسيون وأمنيون في الجزائر أن امريكا غيرت من سياستها في المنطقة وتبحث عن شريك جيواستراتيجي يتطابق مع مصالحها، وأدركت الولايات المتحدة أن مصلحتها في ليبيا هو في توقف الحرب ونفس الشيء في مالي، لأن الإستقرار في هاتين الدولتين سهل في تحديد العدو الذي يجب محاربته، وهو الإرهاب والتشدد، وفي ذلك دعم واضح لدعوة الجزائر المجتمع الدولي لدعمها في مكافحة هذه الظاهرة، بينما تشجع ما تقوم به الجزائر من دور حيوي في دعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي في ليبيا. ويرى محللون سياسيون في الجزائر أن التجربة التي تعيشها المنطقة ( الشرق الأوسط وشمال افريقيا والساحل ) تؤكد أن الحلول العسكرية لا تجدي، بينما يرى خبراء أمنيون أن توجهات الدول الكبرى تتغير بتغير المصالح، وما اعترافها بدور الجزائر إلا لكونها ناجحة في ادارة الإزمات، برغم محاولات بعض الدول بالمنطقة عرقلة جهود الجزائر الدبلوماسية واللعب على وتر التدخل العسكري.

سليم قلالة: الدول الكبرى أكدت أنها تثق في الطريق الجزائرية لحل الأزمات 

وفي رأي الأستاذ في العلوم السياسية سليم قلالة، فإن الدول الكبرى ( فرنسا، والولايات المتحدة ) أكدت أن لديها ثقة في الأسلوب الجزائري من خلال تجربتها في مكافحة الإرهاب، وكذا طريقتها في حل الأزمات ( الأزمة في مالي، وفي ليبيا )، والتجربة علّمت الجزائر أنه لا يمكن حل مثل هذه المشكلات عن طريق الوسائل الأمنية، والعسكرية، الدول الكبرى فهمت واستخلصت الدرس من هذه التجربة، وحسب قلالة، فالأمر المختلف مع الأزمة في ليبيا وسوريا واليمن، هو اختلاف وتداخل المصالح الأجنبية في هذه الدول، هو الذي صعب من التوصل إلى حل نهائي فيها، فحتى الساعة لا تزال الصراعات قائمة، لذلك فالتدخل تم بشكل مباشر إلى جانب تصارع فصائل كل واحدة تتبع طرف أو تعمل لحساب دولة ما وحماية مصالحها، وكل هذه المعوقات جعلت حسم الموقف صعبا، ومقاربة الحل العسكري لا يمكنها حل المشكلة، كما أن الأطراف المتصارعة لن تتمكن من حل أزماتها إلا إن تخلت عن هذه الجهات التي تخدم مصالحها، وتوجه الفرنسيين والأمريكيين وفق رأي سليم قلالة نحو دعم المبادرة الجزائرية في ليبيا ومالي جاء عقب اكتشافهم بعد أكثر من سنة على اتباع النهج العسكري أنه لم يسفر عن نتائج ايجابية، فالفرنسيون كانوا مقتنعين أن تغيير النظام في ليبيا يكون عن طريق الحل العسكري، كما أن واشنطن كانت أيضا ترى نفس الموقف، لكن بعد صدور عدة تقارير استخباراتية غيرت من رؤيتها للحل، وقد اعترف الرئيس الأمريكي براك اوباما بذلك وأقر بضرورة دعم الحل السياسي السلمي في ليبيا وتشجيع الجزائر على مبادرتها في رعاية الحوار، وهو اعتراف بما كانت تنادي إليه الجزائر منذ بدأ الحرب على نظام القذافي. أما القول أن دعم فرنسا والولايات المتحدة هو ثناء على الجزائر، فهذا في الحقيقة لم يأت لسواد عيون الجزائر على حد قول المتحدث، بل حسبه، بالنظر لتطابق رؤية الجزائر مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة بما يخدم مصالحها، والدليل هو الواقع العربي الذي يؤكد أن كل الأطراف التي استخدمت القوة فشلت، وفي هذا الجانب، يقول الأستاذ قلالة أنه إن كان الهدف من القوة العسكرية هو المساهمة في الحل فهذا لن يكون بالقوة، فمثلا عاصفة الحزم، هي تدخل عسكري لتحقيق أهداف خفية، كتجارة السلاح وتجريب سلاح جديد، فالهدف الأمريكي معروف وهو اختبار منظومات أسلحة جديدة، كما أن مثل هذه الحروب تسعمل لابتزاز دول أو تحقيق نتائج سياسية ما، ووسط كل هذا، استعملت الدبوماسية الجزائرية سلوكا حذرا في التعامل مع هذه الحرب، وهو موقف غيرعلني لتجنب الضغوطات.     

بن جانة: ثناء فرنسا والولايات المتحدة على الجزائر هو اعتراف وتشجيع لنجاحها الدبلوماسي

يرى المحلل والخبير الأمني عمر بن جانة أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والفرنسيين عن دعمهما للتحركات الدبلوماسية الجزائرية لحل الأزمة الليبية والمالية بالطرق السلمية، ما هو في واقع الأمر سوى اعراف منهم بنجاحها في إدارة هذا النوع من الملفات بنجاح، وتأكيد الولايات المتحدة على دعمها للجزائر هو تشجيع لها في هذا المجال، لكن يجب معرفة السياسة التي تسير بها أمريكا، فهذه الأخيرة برأي المتحدث، تنتهج كما هو معروف، سياسية البراغماتية، فالأمريكيون ليس لديهم صديق دائم فالمصالح بالنسبة لهم هي الدائمة، ولعل ما شاهدوه من نجاح للجزائر في عهدة رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة خاصة في الأشهر الأخيرة، هو الذي جعلهم يقدمون الدعم لها من منطلق أن الأمريكيين غيروا نظرتهم لما رأوا تحقق اشياء ملموسة على أرض الواقع، مشيرا أن الدبلوماسية الجزائرية قطعت اشواطا مشجعة في الحوار المالي، ونفس الشي تقوم به في ليبيا، ونفس الشيء بالنسبة لفرنسا، فهذه الأخيرة تعرف جيدا مصالحها مع الجزائر بحكم علاقتها التاريخية معها، لذلك أعلنت عن دعمها في تحركاتها الدبلوماسية في كل من مالي وليبيا، ويعتقد بن جانة أن الأطراف التي تحاول في كل مرة عرقلة مبادرات الجزائر لإرساء حلول سلمية في المنطقة، تريد أن تبحث عن موقع لها في الخارطة الجيواستراتيجية الجديدة، كمصر والمغرب وبعض دول الخليج من التي دعمت عاصفة الحزم، كما يرى المتحث أن هذه البلدان ( مصر، السعودية، المغرب ) أرادت أن تكبح الحركة الايجابية التي حققتها الدبوماسية في مسألتي الحوار المالي، والليبي، حيث تسوق الجزائر للحلول السياسية بينما تسعى دول عربية إلى التدخل العسكري لحل الأزمات، ويمكن للجزائر ان تضع هذه البلدان في حرج، مثلما كان الأمر مع موقفها من التدخل العسكري السعودي في اليمن.

مصطفى. ح

من نفس القسم الوطن