الوطن

العالم العربي أصبح عرضة لمؤامرات داخلية أكثر منها خارجية

الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين محي الدين القره داغي في حوار لـ"الرائد":

 

 

  • نحن مع عاصفة الحزم.. والحوثيون "بغاة"  !
  • الإمارات أخطأت في تصنيف هيئات إسلامية في خانة الإرهاب !
  • العلماء يتوقون أن تكون الجزائر نموذجا للعالم !!

 

 

يعتبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحد المرجعيات المهمة للمسلمين في العصر الحالي إذ يجتمع في ظله معظم المذاهب الإسلامية والتيارات والبلدان الإسلامية وقد أثارت مواقفه الأخيرة إبان الربيع العربي كثيرا من الجدل والنقاش، كما بين راض لمواقفه ومتحفظ عليها ولعل موقفه الأخير من الحرب في اليمن أحد المواضيع التي ربما لاقت استحسانا من البعض ورفضا من البعض الآخر.

وعلى هامش المؤتمر السنوي للاتحاد المنظمات الإسلامية بباريس التقت "الرائد" بالأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور محي الدين القره داغي، الذي يعتبر شخصية محورية في الاتحاد كما يعد من القلائل المهتمين بالصيرفة والبنوك الإسلامية، ولعل آخر مهمة قام بها هو زيارته للمملكة العربية السعودية بعد خلاف بينها وبين الاتحاد في الفترة الأخيرة فكان لنا هذا الحوار معه.

بداية ما هي قراءة الاتحاد لما يحدث في المنطقة العربية بصفة عامة وخاصة الأوضاع التي أفرزها حراك القوى العربية تجاه الأزمة في اليمن ضمن ما يعرف بـ"عاصفة الحزم" وموقفكم منها؟.

 

في الحقيقة العالم العربي اليوم يمر بمرحلة تشهد أوضاعا خطيرة ودقيقة على المستويين الداخلي والخارجي، داخليا من حيث التمزق والتفرق الذي بلغ حدّ النخاع، وخارجيا من حيث المؤامرات الكبيرة الدولية والإقليمية والمشروعات الصهيونية وغيرها حقيقة تفتك بالمنطقة ومنطقتنا اليوم بين ثلاثة مشروعات خطيرة يتعلق الأول بمشروع تفكيكي صهيوني أما المشروعات الأخرى فهي مشروعات للأطراف، التي تريد التمدد على حساب تمزق العالم الاسلامي والأمة الإسلامية وكذلك مشروع آخر يتعلق بقرب بعض المنتسبين للإسلام ببعض ما أفرز صراعات إسلامية بدل أن تكون صراعات مع أطراف أخرى من هذه الدائرة... هذه بصورة عامة حقيقة التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية في الوقت الراهن، وهي في غاية من الخطورة.

من خلال هذه الرؤية يأتي التحدي الآخر الذي فرضه الحوثيون في اليمن ومعه للأسف الرئيس المخلوع علي صالح وجماعته ووجدت بعض الأخطاء في السابق من حيث التعامل مع هذين الفريقين ضد من يمثل الفكر الوسطي المعتدل، وهو جمعية الإصلاح وكذا بقية الأحزاب السياسية القويمة والاشتراكية الذين ليس لدينا معهم مشكلة، الذين هم يهتمون باليمن وعندهم مشروعهم الأساسي الذي هو مشروع يمني وليس مشروعا خارجيا، ولذلك جاءت عاصفة الحزم حقيقة لتعطي آمالا طيبة إن شاء الله، لتنبه العالم العربي لهذه المخاطر واتخاذ القرارات الحاسمة، والاستعداد للتضحيات في سبيل الدفاع عن وحدة الأمة والدفاع عن المصالح الاستراتيجية لهذه المنطقة.

من هذه المنطلقات جميعا نحن في الحقيقة أيدنا في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين هذه العاصفة، وقلنا بأنها في محلها، حتى من الناحية الشرعية هؤلاء – يقصد الحوثيين وجماعة عبد الله صالح - هم خرجوا على سلطة شرعية معترف بها حتى عندهم، فلما صارت الانتخابات قبل بداية الصراع حدث توافق أولي ولما صار أيضا كل الاتفاقيات السابقة كانت هذه الأطراف تعترف بشرعية سلطة الرئيس الحالي فهؤلاء لما خرجوا عن هذه السلطة التي كانت شرعية فهم أصبحوا "بغاة" هكذا فصلناهم، وهو المصطلح الحقيقي لهم فالقرآن يوضح ذلك فالمفروض أننا اليوم نزيح كلمة الحوثيين وأي وصف لهم ونضع مكانها مصطلح" البغاة " ومن هذا المنطلق قلنا كما جاء في كتاب الله عزّ وجل: "فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ". ومن هذا جاء موقفنا حول الملف اليمني والأوضاع هناك.

سبق إعلان موقفكم من الحراك العربي تجاه الملف اليمني أن زرتم المملكة السعودية، وشاركتهم في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي هل ترون أن العلاقات الآن بعدما صنفت بعض الدول كالإمارات الإتحاد، الذي تشغلون فيه منصب الأمين العام ضمن المنظمات الإرهابية هل ترون أن تحسن العلاقات بين الاتحاد والمملكة فيه الكثير من الخطوات والمؤشرات نحو بداية التراجع عن وضعكم في هذا التصنيف؟.

 

 

 

أنا أعتقد أنّ الإمارات لم تعرف حقيقة الاتحاد حينما صنفته، لأن الاتحاد هو لاتحاد العلماء المسلمين قبل أي شيء، وهو يضم معظم مكونات الأمة الإسلامية سواء من حيث القوميات العرب، الكرد، الفرس والأمازيغ وغير ذلك من الفئات الأساسية من مكونات الأمة وحتى من ناحية الفكر يوجد في الاتحاد لدينا من جماعة الإخوان المسلمين، ولدينا جماعة التبليغ ولدينا جماعة الصوفية ولدينا السلفية والإباضية والزيدية كل هؤلاء موجودون في داخل مكونات الاتحاد الذي يمثل أكثر من 90 ألف إلى 95 ألف عالم و67 جمعية علماء، فلذلك نقول بأن الإماراتيين لم يعرفوا حقيقة عمق الاتحاد وهم ظنوا أنّه جمعية تابعة لإحدى الجماعات، ولذلك نحن حقيقة اليوم نتفاءل بأن يزال هذا الاسم في أقرب فرصة من هذا التصنيف وعن قائمة ما يعرف بـ"التنظيمات الإرهابية" وخاصة هذه القائمة ضمت أيضا مجموعة من الجمعيات المحترمة دوليا مثل جماعة.. ومنظمات الاتحاد الاسلامي الأوروبية وغيرها من المنظمات المعترف بها في دولها اعترافا رسميا وليس عليهم أي اشكالية. من هنا أعتقد أن القائمة ليس لها تأثير على مسيرة الاتحاد بإذن الله تعالى.

أما بالنسبة للملكة السعودية، فقبل أن أجيبك على هذا الجانب من السؤال وجب التنويه إلى أن المسلمين والجمعيات الاسلامية وحتى الأحزاب الاسلامية كلها تنظر إلى المملكة باعتبارها بيتا للجميع، وقد كانت دائما المملكة تحتضن الفرق المتخالفة وتجمعهم كما كانت في أيام الملك فهد رحمة الله عليه، وقبل ذلك الملك فيصل والملك سعود رحمة الله عليهم، الذين حرصوا على جمع المختلفين والمتفرقين من المسلمين في الكعبة الشريفة وأصلحوا بينهم ولنا تجارب متعددة في هذا الجانب كالإخوة الفلسطينيين وغيرهم، من هنا يتوضح أن دور المملكة دائما ما يصب في هذا الشق، لهذا نحن نتفاءل دائما بها ووجود الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين لإعادة هذا الدور التوافقي الدور المحتضن لقضايا المسلمين. وأعتقد أنه فيه خطوات جادّة لتحقيق ذلك.

هل في  الاتحاد خطوات عملية لمواجهة الفكر المتطرف وخاصة ما يروج له تنظيم "داعش" ؟

 

 

نحن كنا من أوائل من بينوا أن هذا الفكر هو فكر غالٍ وفكر متشددٌ وأنه فكر خوارج حقيقة، وطالبنا بالتعجيل بتبيان ذلك للناس، خاصة وأنّ هؤلاء لم يخدموا الإسلام لا في أفغانستان أين ضيعوا دولة كانت موجودة ولا في العراق ولا في سوريا أين حرصوا على قتل الخلف وجماعة المجاهدين، كذلك نددنا منذ البداية وأبطلنا بالأدلة الشرعية دعواهم التي كانت بدعوى الخلافة، وقلنا بأن هذا غير صحيح وقلنا بأن هذه دعوة باطلة وقدمنا الأدلة الشرعية عن ذلك. فالإتحاد حقيقة، لديه فكر تأصيلي حول هذه المسألة وقدمنا ندوات ومحاضرات ومؤتمرات ومشاركات صبت في مجملها حول هذا الجانب. وكان حضورنا في مكة المكرمة مؤخرا، في جزء منه يتعلق بهذا المسعى مع إخواننا في الرابطات الأخرى التي تنشط في المجال كمجمع الفقه الإسلامي أين كان لنا تنسيق معها ونعمل معها في إطار توضيح الفكر الوسطي المعتدل الذي يحقق الفكر والحضارة والاستقرار لهذه الأمة.

أنت تنشط في مجال البنوك الإسلامية، أين وصلت آخر البحوث حول القضايا المطروحة والملحة على الشعوب الإسلامية في موضوع المنتوج الإسلامي، وهل من تواصل بين البنوك التي تتعامل وتبيع المنتوج الاسلامي مع البنوك الدولية وهل من آراء جديدة بخصوص هذا الجانب الذي يعتبر مهم في الغرب ؟.

 

كما لا يخفى عليكم وعلى القراء الكرام فإن البنوك الاسلامية بدأت تشتغل من عام 1975 وكان أول بنك أنشئ كبنك محترف هو بنك دبي الإسلامي الذي يتواجد في دبي الإماراتية ومعه مباشرة بنك التنمية الاسلامي في جدّة السعودية وكانت البداية مع بنك واحد ثم اليوم الحمد لله اليوم مئات البنوك موجودة على أرض الواقع ممن تنشط في هذا المجال، وتقدر الموجودات التي ترتب عن طريق الصيرفة الإسلامية وعن طريق الصكوك الإسلامية تصل لحدود واحد تريليون و600 مليار دولار، كحجم استثمارات عن طريق البنوك الاسلامية والصيرفة الإسلامية، والتأمين الاسلامي والمؤسسات المالية الإسلامية وهو حجم طيب وجيدّ وقد بلغت نسبة النمو الآن تقريبا بين 15 إلى 20 دوليا، وهي في الحقيقة نسبة كبيرة، وقد أعطت الأزمة المالية الأخيرة التي ضربت العالم دفعة قوية للبنوك الاسلامية التي لم تتأثر تأثرا كبيرا بتداعيات هذه الأزمة في الوقت الذي عانت فيه بقية البنوك والمنتجات التقليدية الأخرى من تداعيات هذه الأزمة.

وبالمقابل رافق هذا التوسع الكبير والإقبال من قبل العالم دفع بنا إلى ضرورة التفكير في آليات جديدة لتطوير هذه المنتجات التي تسوقها هذه البنوك، بما يسمح بمواكبة المتغيرات الحالية، وقد جرى التفكير في إجراءات جديدة ونحن الآن بصدد وضع الأفكار وتطويرها وأيضا اضافة العقود الجديدة بصورة عملية تسمح بالتحكم بصورة عملية في الصيرفة وكل ما يتعلق بالتعاملات في البنوك الإسلامية بما يسمح بتحقيق تنمية شامل وفي مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليس فقط الجانب المادي الربحي. 

وكما أشرت نحن بصدد وضع هذه الصيغ ودراستها للخروج بآليات تطويرية جديدة من خلال إضافة عقود جديدة وإضافة ملكيات جديدة وأنواع أخرى لم تكن متاحة سابقا في ظل وجود زخم كبير من الاقبال من قبل البنوك والمؤسسات المالية تجاه هذا النوع من المعاملات. 

وهل في الاتحاد تعاون مع بنوك عالمية التي تريد أن تبيع المنتوج الإسلامي أم أنها مجرد ممارسة تجارية لا تخضع لموازين وقواعد الشرعية المعروفة ؟.

 

في الحقيقة البنوك الاسلامية حينما تتعاون مع البنوك الخارجية لا بد لها أن تتعامل معها بالصيغة الإسلامية، ولكن يبقى الأمر مرتبطا بمسألة تطوير هذه الصيغة، لتكون صيغة مدروسة وفي إطار قانوني لازلنا في حقيقة الأمر لازلنا نبحث عن آليات وصيغ وخطوات عملية وهذا لن يتحقق إلا إذا تبنت الدول البنوك الاسلامية بصورة رسمية وتسمح لهم في إطار التشريعات والتنظيم لممارسة عملهم، وحينها فقط يمكننا القول بأن البنوك الإسلامية ستكون في موقع أقوى مما هي عليه الآن.

الجزائريون ينظرون إلى الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين بكثير من الاحترام خاصة بعد المواقف التي صدرت عنه في ظل ما تعرفه المنطقة العربية والعالم الإسلامي من توترات وعدم الاستقرار، ما الرسالة التي توجهونها في الاتحاد للجزائريين سلطة وشعبا وللأطراف الفاعلة في المشهد الجزائري كأحزاب ومنظمات؟.

 

حقيقة كشخص وكتوجه عام للقائمين على الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين هناك مكانة خاصة للجزائريين حكومة وشعبا ومؤسسات وبدون استثناء وأمنيتنا ودعاءنا دائما يصب في صالح الرغبة في دعم مسارات الاستقرار والأمن للجزائر، وأن تصبح الجزائر نموذجا يقتدى به عند الدول الأخرى، خاصة وأن الثورة التحريرية الجزائرية والشهداء الذين سقطوا في سبيل الدفاع عن هذه الأرض الطاهرة والتي فاقت المليون ونصف المليون شهيد كانت بهدف السيادّة والهوية الإسلامية والعربية، وهذه الهوية الإسلامية التي دافع عنها هؤلاء هي الأساس، وأعتقد أنه اليوم حان الوقت لأن يتفاعل الجزائريون جميعا وأن يتجهوا نحن البحث عن المزيد من التقدم ودعم العقول النيرة التي تساهم في بناء الحضارة والأمة والشعب الجزائري يستحق الرقيّ والازدهار وهذه أمنيتنا وهذا ليس ببعيد وهذا طلبنا أيضا من الشعب الجزائري والحكومة ومن الرئاسة الجزائرية المطالبة بالتفاعل مع الشعب لتحقيق هذه الأمنية. وأملنا في أن تكون الجزائر نموذجا للخير والبركة والتقدم. 

حاوره بباريس: سليمان شنين 

من نفس القسم الوطن