الوطن

تعقد المشهد الليبي ودخول المغرب على الخط أرق الدبلوماسية الجزائرية

الحوار المالي كان أكثر سلاسة من الحوار الليبي

 

يكاد الملف الليبي يخيم على المشهد الدبلوماسي الجزائري منذ إعلان الجزائر عن مبادرة لحل الأزمة الليبية عن طريق مقاربة الحل السياسي السلمي واستعدادها لرعاية حوار وطني يجمع بالجزائر مختلف الأطراف السياسية الفاعلة في ليبيا، وهي المبادرة التي لقيت استحسانا دوليا وأمميا، فقد زكاها الاتحاد الاوروبي والإفريقي والولايات المتحدة وروسيا وغيرها من الدول التي رأت في الرؤية الجزائرية حلا مقبلوا وعقلانيا بعد التأكد من عدم جدوى التدخل العسكري، لكن الجزائر التي أدارت الحوار المالي بين الحكومة والحركات الأزوادية والذي افضى بعد عدة جولات بالعاصمة الجزائرية إلى التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام والمصالحة في مالي، في حين لم تسر الأمور بنفس السلاسة مع الملف الليبي بالنظر إلى بعض المتغيرات التي أعاقت العمل الدبوماسي الجزائري، منها دخول المغرب على الخط، انقسام المشهد السياسي، وكذا تأزم الوضع الامني وظهور " داعش " في ليبيا ودعوات بعض الجهات للتدخل العسكري في ليبيا.

 تأخذ الجزائر على عاتقها محاولة حل الأزمة الليبية سلميا برعاية حوار وطني بدعم من البعثة الأممية إلى ليبيا، وكانت الجزائر قد قطعت أوشاطا في العمل الدبلوماسي بخصوص الأزمة في ليبيا إلى درجة الحصول على دعم دولي كبير بعدما اقنعت العديد من الأطراف الدولية أن لا جدوى من التدخل عسكريا لحسم الأمر، ودعت مرارا لإعطاء الفرقاء الليبيين الفرصة لحل أزمته عن طريق التحاور، وفي الوقت الذي كانت الدبلوماسية تنشط من أجل تذليل الصعوبات التي كانت تقف في وجه الحوار الليبي، كانت في ذات الوقت تقود فريق الوساطة الدولية في الحوار المالي الشامل، هذا الأخير كلفها جهودا مضنية لتقريب وجهات النظر بين الحكومة المالية في باماكو والحركات الأزوادية المسلحة التي شاركت في مختلف أطوار المفاوضات التي جرت بالجزائر على مدار أكثر خمس جولات سمحت في النهاية من توقيع شركاء الحوار المالي على وثيقة اتفاق سلام أولي بالأحرف الأولى وسلم بعد ذلك إلى حركات ازواد لتناقشه مع سكان ازواد، حيث بدى أنها رفضت بعض بنوده وطلبت تعديلها وتمكين الأزواديين من تسيير شؤونهم المحلية بأنفسهم، ومهما يكن، فإن الجهود الجزائرية في مالي كللت بالنجاح باعتراف دولي وأممي، برغم محاولات الجارة المغرب الدخول على الخط للتشويش على الدور الجزائري لحلحلة الصراع في شمال مالي، حيث كثيرا ما استقلبت المملكة المغربية بعض القيادات الأزوادية وحاولت من خلال ذلك اظهار الجزائر في مظهر الدبلوماسي الفاشل في ادارة الحوار المالي، لكن خطة النظام المغربي باءت بالفشل والدليل عودة الحركات الأزوادية إلى الجزائر منذ الخميس الماضي بهدف بحث آخر النقاط قبل التوقيع النهائي على وثيقة المصالحة والسلام التي تنهي الأزمة في البلاد، وكان محللون سياسيون ودبلوماسيون جزائريون صرحوا لـ"الرائد"، أن الجزائر لا ينبغي عليها أن توقف آلتها الدبلوماسية في مالي حتى التوقيع النهائي على اتفاق السلام، برغم المحاولات العديد لأكثر من طرف لعرقلة المشروع السياسي في مالي، أهمها فرنسا، والمغرب، والجماعات الإرهابية. 

مبادرة جزائرية في ليبيا في ظل مشهد سياسي منقسم وتوتر أمني 

مع عودة التوتر الأمني إلى ليبيا في صائفة العام الماضي 2014، وبداية الانقسام في المشهد السياسي مع نهاية العهدة البرلمانية للمؤتمر الوطني العام في طرابلس، بدأت الأمور تأخذ منحى آخر غير الذي كانت عليه، حيث اندلعت المعارك في شرق البلاد، وظهرت ميليشيات مسلحة تدعي دفاعها عن الشرعية ومحاربة الجماعات الإرهابية، ثم ظهرت هدأت الأمور بعض الشيء لتنظم انتخابات في طبرق ظهر بعدها برلمان جديد سمي ( مجلس النواب ) وانبثقت عنه حكومة يتردد اعلاميا أنها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وهنا ظهر طرف معارض لهذه الانتخابات، حيث حكمت المحكمة الدستورية في طرابلس ببطلان هذه الانتخابات وحل البرمان، واستمر الصراع لتظهر ميليشيات تابعة للمؤتمر الوطني العام وهي فجر ليبيا، التي أخذت تتقاتل مع أكثر من طرف، اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة من جهة، والجماعات الإرهابية من جهة أخرى، ووسط كل هذا بادرت الجزائر بدعوة الفرقاء السياسيين إلى حوار وطني من أجل حل الأزمة، هذه المبادرة طالبت بأن يكون الحل سلميا عن طريق المفاوضات والتوافق على حكومة وطنية ووقف اطلاق النار، وتحركت الدبلوماسية الجزائرية في كافة الأرجاء، سواء افريقيا أو عربيا أو دوليا على مستوى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وسمحت الجهود المبذولة والتي قادها رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة بمعية عبد القادر مساهل وزيره المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية، لإقناع المزيد من الأطراف الدولي بجدوى الحال السياسي على الحل العسكري في ليبيا، ولقيت المبادرة دعما أمميا، حيث جاء على لسان الأمين العام الأممي بان كي مون.

مأزق الدبلوماسية الجزائرية في ليبيا يختلف عن مالي

لم تجد الدبلوماسية الجزائرية الوضع في ليبيا كما وجدته في مالي، فالمشهد الليبي يظهر أكثر تعقدا من مالي، وهو ما جعل التعامل مع الأزمة مختلفا، فالجزائر منذ بدأ الصراع في مالي بين السلطة في باماكو وحركات أزواد المتمردة في الشمال، دخلت المشهد بنفس المقاربة الدبلوماسية المعهودة وهي الدعوة إلى حل سلمي في مالي، ونجحت في جمع الفرقاء الماليين على طاولة الحوار لأكثر من مرة وحشد كل الدعم الدولي لصالح الحل السياسي، ونجحت في النهاية برغم كل محاولات بعض الأطراف الحيلولة دون ذلك، أما في ليبيا، فقد وجدت الجزائر صعوبات كبيرة، أولها، توتر الوضع الأمني، حيث تتحرك ميدانيا أكثر من جماعة ارهابية وميليشيا مسلحة، ابرزها فجر ليبيا التي تتبع للمؤتمر الوطني العام في طرابلس، وعملية الكرامة التي يديرها خليفة حفتر الذي يدعم الحكومة في طبرق، وذلك ما زاد من تقعد العملية السياسية، وتواصلت الجزائر مع بعض الشخصيات السياسية الفاعلة في المشهد الليبي، وتمكنت بعد اشهر من اطلاقها مبادرة الحوار الوطني الليبي، من ضم الأمم المتحدة لصفها، هذه الأخيرة عينت مبعوثا خاصا إلى ليبيا اشرف على جلسات حوار في غدامس، غير أن الحوار كان يفشل في كل مرة بسبب تعنت هذا الطرف أو ذاك، والسبب تمسك كل من حكومة وبرلمان طبرق، وحكومة الحاسي مع المؤتمر الوطني العام، بالشرعية، واستمرار الميليشيات التابعة لكل طرف في قتال بعضها بعضا، وزاد الوضع تعقيدا، عودة الجماعات الإرهابية إلى الواجهة من خلال جماعة انصار الشريعة الليبية، ثم ميلاد ما عرف بداعش ليبيا في درنة، وعملياتها التي نفذتها في حق المصريين، وكلها مظاهر زادت من حدة الأزمة وأدخلت الدبلوماسية الجزائرية في مأزق، فلم يكن منتظرا أن تخرج مصر مطالبة بتدخل عسكري في ليبيا، وهي التي كانت ترافق الجزائر كدولة من دول الجوار تنسق معها لحل سلمي، ثم ظهرت المغرب من الجهة المقابلة، هذه الأخيرة المعروفة بمحاولاتها الوقوق في وجه الجزائر، أعلنت عن عزمها على رعاية الحوار الليبي، وهو ما تم بالفعل، حيث استقبلت وفدا ليبيا بمدينة الصخيرات برعاية أممية، وواتضح بعد جولتين أنها خطت خطوة ايجابية أكثر مما كانت تتوقعه الجزائر التي جمعت الليبيين في جولة واحدة فقط، فإعلان المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا ليون برنارديونو توصل الفرقاء الليبيين بالصخيرات المغربية إلى اتفاق بشأن حكومة وفاق وطني، كانت بمثابة ضربة للدبوماسية الجزائرية التي تداركت الموقف ودعت إلى اجتماع للفرقاء الليبيين هذا الأسبوع قصد حسم الموقف واقناعهم بضرورة الإسراع في توقيع اتفاق ينهي الأزمة، هذه الأخيرة، لا تزال تلقي بضلالها على المشهد الليبي في الداخل، مع وجود أكثر من طرف يسعى لضمان مصالحه على حساب الآخر، مما يأرق جهود الدبلوماسية الجزائرية في انجاح مبادرتها.

مصطفى. ح

من نفس القسم الوطن