الوطن
برامج إصلاح الدولة هي فرصة النخبة للعودة إلى دائرة صنع القرار
الدكتور محمد بوضياف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المسيلة في حوار مع "الرائد":
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 فيفري 2015
يرى الدكتور محمد بوضياف أستاذ العلوم السياسية بجامعة المسيلة في هذا الحوار مع "الرائد" أن وضع الجامعة الجزائرية في المكان اللائق بها لتأدية دورها الحقيقي يحتاج لإرادة سياسة حقيقية، وتثمين للجهود الجامعية وتشجيعها على الانخراط في مسارات التنمية الوطنية الشاملة، مؤكدا أن حداثة عهد الجزائر بالتجربة التعددية والانفتاح السياسي ساهم في خلق حاجز خوف لدى الجامعي، وأن النخبة تحتاج بعض الزمن حتى يستقر في اذهانها انه بإمكانها المساهمة والإدلاء بآرائها دون خوف.
**لماذا غابت الجامعة الجزائرية عن التأثير في الشأن العام هذه الفترة رغم ما تشهده الجزائر من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية متسارعة ؟
-- الجامعة باعتبارها فضاء للتفكير العلمي، والإبداع، ومركزا لإنتاج القيمة المضافة وبلورة الحلول، والاستجابة لتطلعات المجتمع في العيش الكريم، وأهم عناصر التنافسية والحضور الدولي يجب أن تحظى بالمكانة اللائقة والاهتمام اللازم والكافي لأداء الدور المنوط بها. غير أن ذلك يستلزم ارادة سياسية كبيرة، تفسح المجال امام الطاقات الجامعية لأداء هذا الواجب الوطني، وكثيرا من الحرية لتفتق طاقات النخب، وتثمين الجهود الجامعية وتشجيعها على الانخراط في مسارات التنمية الوطنية الشاملة، لا أن تهمش وتدفع نحو الانزواء داخل أسوار الجامعة، كما يتوجب على الجامعي بذل جهد أكبر في التعاطي مع الحياة بكل تفريعاتها ومستوياتها. إن طبيعة الثقافة السياسية السائدة والملازمة لطبيعة الانظمة السياسية، هي أكبر من يحول دون مشاركة المواطن في نقاشات الشأن العام، فالتنشئة على الخوف والقمع، والمحاسبة الصارمة والشديدة تكبل التفكير وتحرم المجتمع من ابداع وعبقرية النخب. وباعتبار الحالة الجزائرية، فإن التجربة التعددية والانفتاح السياسي حديثة عهد على المجتمع الجزائري، وتحتاج بعض الزمن حتى يستقر في أذهان النخب أنه بإمكانهم المساهمة والإدلاء بآرائهم دون خوف. وقد نلحظ شيئا من هذا في الآونة الاخيرة، سواء على مستوى الفرص التي تتيحها الجامعة كمؤسسة وطنية أمام الباحثين من خلال البرامج الوطنية للبحث ومختلف الوكالات المعنية بانفتاح الجامعة على المحيط الخارجي، والدفع بها نحو شراكات اجتماعية قد تأتي أكلها في قادم الأيام. كما أن متطلبات النضال السياسي، وتعقد مشكلات المجتمع وتشابك العلاقات بين الفاعلين فيه، بدأ يلح على القيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية طلب عون هؤلاء، بعد أن كانت وحدها دوائر السلطة تهيكل من يستجيب لشروطها من النخب. إن مواجهة التحديات في ترسيخ الاستقرار وتأمين الجبهة الداخلية أو تسيير العلاقات الجوارية، الاقليمية والدولية يدفع جميع المسؤولين على اختلاف مراكزهم ومستويات بإدماج هذه النخب وتحميلها مسؤولية صناعة القرار والتأسيس لمراكز التفكير والاستشارة.
**برأيكم ما هي الأسباب والظروف التي أوصلت الجامعة إلى هذه النقطة ومن يتحمل المسؤولية السلطة أم النخبة؟؟
باعتبار الحالة الجزائرية، فإن ظروفا تاريخية وموضوعية، هي من أوصلت الجامعة لهذا الوضع، فالجزائر رضخت تحت نير الاستعمار مدة طويلة، ومارس كل أساليب التجهيل، وترك عند رحيله في مطلع الستينات، شعبا أميا ومؤسسات تعليمية فارغة، ولم تعرف الجامعة الجزائرية طريقها إلا بعد منتصف السبعينات، وقد زاد من آلامها الصراع الايديولوجي بين التيارات السياسية، زادتها الازمات المالية منتصف الثمانينات، ثم المأساة الوطنية وانحصار اهتمام القيادة باسترجاع الامن وتوفير الاستقرار، هذه الظروف مجتمعة حالت دون ترتيب الجامعة والجامعيين في اولويات البرنامج الوطني. بالإضافة إلى احتكار الاوليقارشيات المتعاقبة على نظام الحكم في الجزائر، وإبعادهم عن كل رأي مخالف، وبعيد عن رؤيتهم، بقيت الجامعة تحت الطلب، وفي كثير من الاحيان مهمشة ومغيبة، ولا هم لنخبها إلا الرحيل والبحث عن فضاءات اوسع للإبداع، واستفادت من ابنائنا دول وأمم اخرى. كما ان أساليب أنظمة الحكم كانت تتسم بقمعية كبيرة حالت دون نضال هؤلاء من أجل التأسيس لثقافة تشاركية، وفي النهاية إن السلطة هي من يتحمل تأخر الجامعيين عن دورهم الثمين. وكما اشرنا سابقا فإن الفرصة سانحة في الاونة الاخيرة مع برامج اصلاح الدولة.
**كيف ترون علاقة النخبة بالسلطة في هذه المرحلة ؟؟
عنوان المرحلة السائدة (عالم واحد) لا يسمح للنخب بالتأخر عن اداء واجباتها، فتطور وسائل الاتصال والتواصل تمنع كل تحجج وتبرير، كما ان عالم ما يسمى بالامن الانساني اسقط كل وسائل الانظمة التسلطية، وأصبح يسابق في هيكلة هذه النخب، والاستعانة بها لمواجهة متطلبات تسييره للأوضاع الداخلية والخارجية. ان العلاقة التي يجب ان تطبع الطرفين الجامعة والسلطة، هي علاقة التعاون والشراكة، وعلاقة الاحترام والتقدير، فلا تنمية ولا ثروة بدون جامعة، ولا تنافس وحضور من دون الجامعة، وفي المقابل لا جامعة من دون استقرار وأمن، ولا جامعة دون ارادة سياسية تسعى لتحقيق الاستقلال وفك الارتباط مع قوى الاستعمار الحديث.