الوطن

سياسة البحث العلمي في الجزائر حققت فشلا ذريعا بسبب أحادية التسيير

الدكتور إسماعيل مهنانة، باحث وأستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة لـ"الرائد"

 

البيروقراطية وسوء التسيير شلاّ أداء معظم المخابر الوطنية 

 

تخصص الدولة سنويا ميزانية لا تتجاوز 0.5 بالمائة من الناتج الوطني على مخابر ومؤسسات البحث العلمي التابعة للجامعة الجزائرية، وهي نسبة لا تعكس مدى أهمية البحث العلمي وتأثيره على الحياة السياسية، الإقتصادية والاجتماعية لأي دولة، لتبقى حركة هذه مخابر في الجزائر تنحصر بين طبع المجلات والدوريات المحلية، وإقامة ملتقيات وندوات تنتهي بتوزيع شهادات مشاركة، فلا يمكن أن نجد لها أي جدوى في المجال الحيوي المنتظر منها، كأن يساهم تفاعل إنتاجها من بحوث ودراسات واستشرافات في دفع عجلة التنمية ويؤثر على الحياة العامة. 

وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور اسماعيل مهنانة، الباحث وأستاذ الفلسفة في جامعة منتوري بقسنطينة في تصريحات لـ"الرائد" أنه حتى تلك النسبة ويقصد 0.5 % من الناتج المحلّي لا تصير شيئا مهمّا، إذا عرفنا أن نصفها يذهب في إنشاء البنية التحتية والتجهيزات، في حين أن الكثير من الدول المتقدمة تجاوزت مراحل البنية التجهيز. ويري الدكتور مهنانة أن الدور الذي يجب أن تؤدّيه مخابر البحث في الدفع بعجلة التنمية في البلد هو الدور الريادي، فوحدها مخابر البحث العلمي -حسب مهنانة- تستطيع أن تقدّم الدراسات والاستشراف، والإحصاء والاستشارة التي يجب أن تكون قاعدة متينة لكل مشروع اقتصادي واجتماعي كبير، وهو ما لا يوجد على ارض الواقع إلى درجة أن الشركات الكبرى والمؤسسات العمومية الكبيرة صارت تستنجد مباشرة بالمخابر الأجنبية التي تكلّف فواتير ضخمة بالعملة الصعبة. يضيف ذات المتحدث، الذي أكد في ذات السياق أن واقع وأداء المخابر الوطنية في وضع الشلل التام إلا بعضها، فجميعها تقريبا تم اختزاله في تبرير الفواتير والميزانية التي صار من المستحيل صرفها أو استعمالها في غرضها الحقيقي بسبب الصعوبات البيروقراطية. ويعتقد الدكتور مهنانة أن الخلل الأساسي الذي يعيشه واقع البحث العلمي في الجزائر يكمن في البيروقراطية والتعفّن الإداري والعجز التام عن التسيير، الذي أدى إلى انسحاب معظم الباحثين والأساتذة من هذه المخابر، لأنهم وجدوا كما -يضيف الدكتور مهنانة- أن كل الجهد والوقت يتم استنزافه في الإجراءات الإدارية وتكوين الملفات الضخمة، بدل التفرّغ للبحث العملي، موضحا أن الإدارة تبرر ذلك بالتطبيق الحرفي للقوانين المالية الصادرة في الجريدة الرّسمية، ووزارة المالية تبرر ذلك بمحاربة الفساد، وهكذا يضيع البحث في دورة بيروقراطية مفرغة. من جهة أخرى قال الدكتور مهنانة أن من بين المشاكل التي تعطل البحث أيضا هو انعزال هذه المخابر عن المحيط الاقتصادي والاجتماعي، فلا يوجد تنسيق كبير بين المخابر والمؤسسات الصناعية والفلاحية التي هي في أشد الحاجة لبحوث الباحثين، مؤكدا أنه في كل دول العالم أصبحت الشركات الصناعية هي التي تمول البحث العلمي ويتم خصم ذلك من الضرائب مثلا، بينما لا يطبق هذا المبدأ مطبقا عندنا. 

وفي تقييمه لسياسة البحث العلمي في الجزائر قال مهنانه إنها فشلت فشلا ذريعا، والسبب الرئيسي يكمن في أحادية التسيير من طرف الوزارة، بالإضافة عن عدم استقلالها عن قانون المالية العام الذي يحكم البلد، مضيفا أنه الحل يكمن برأيه في أن تحصل مديرية البحث العلمي والمخابر عموما على قانون خاص يسمح بسهولة تسيير ميزانية البحث العلمي.


من نفس القسم الوطن