الوطن

منظمات المجتمع المدني... بين التمويل المشبوه بالعمالة للخارج وشح دعم الدولة

حقوقيون يؤكدون أن تغير قانون الجمعيات بات ضرورة قصوى:

 

الدولة تدعم فقط الجمعيات "النشطة" 

عراقيل لوصول الإعانات من خلال إخضاع التمويل الأجنبي إلى الموافقة المسبقة من وزارة الداخلية والخارجية

 

خصصت السفارة الفرنسية في الجزائر مؤخرا باسم المعهد الثقافي الفرنسي أغلفة مالية لتمويل نشاطات الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني وهي القضية التي خلقت جدلا كبيرا وأعادت طرح ملف التمويل الأجنبي للجمعيات الجزائرية سواء بغطاء قانوني أو بطريقة منافية للتشريع. 

وتتلقى بعض الجمعيات الجزائرية المحلية والوطنية مبالغ مالية وهبات بشكل قانوني من طرف تنظيمات أجنبية ومنظمات غير حكومية تربطها علاقات التعاون مع الجزائر بينما تستفيد بعض الجمعيات الاخرى من إعانات بطريقة مشبوهة مخالفة للتشريع، في حين تبقى الإعانات المادية الممنوحة من الدولة بمثابة "عصا الطاعة" تذهب فقط للجمعيات النشطة في مجالات تخدم مصالح الدولة والسلطة، خاصة أنه لا يوجد أي نص قانوني يؤكد أحقية أي جمعية في الحصول على دعم الدولة وهو ما يضع الجمعيات بين خيارين كلاهما صعب فإما التمويل الاجنبي المشبوه بالعمالة للخارج أو شح التمويل الداخلي الذي يؤدي لتعليق نشاط الجمعية أو غلقها. والقانون الحالي للجمعيات يلفه الكثير من الغموض حول موارد هذه الأخيرة، حيث يشير إلى شروط للحصول على المساعدات من جهات أجنبية دون أن يوضحها.

من جهة أخرى يخضع تمويل الجمعيات من الدولة إلى سلسلة إجراءات ينص عليها القانون الجديد، كإلزام الجمعيات بدفتر شروط يحدد نشاطها وكيفيات مراقبتها، كما يمكن سحب الإعانة أو تعليقها، لكن بالمقابل ليست كل الجمعيات معنية بالتمويل بل فقط تلك التي تنشط مع الوصاية، وهي جمعيات قريبة من المؤسسات والوزارات، ولم يوضح القانون المتعلق بالجمعيات رقم 12 ـ 06 المؤرخ في جانفي 2012 بشكل قاطع حق الجمعيات في الدعم المادي من الدولة بل يشير في مواده إلى أن هذه الإعانات “ممكنة” وليست إجبارية أو إلزامية، وهو نفس ما أكدته وزير التضامن الوطني والأسرة مونية مسلم عندما قالت أن الدعم كان يذهب لمن هب ودب وأن الدولة غير ملزمة بتقديم إعانات مالية للجمعيات سوي تلك الجمعيات النشطة ولعل الوزيرة قصدت بتعبير "النشطة" تلك الجمعيات التي تعمل في المجال التضامني والاجتماعي والتي استفادت حسب أرقام الوزارة الأخيرة من مساعدات مالية بقيمة 360 مليون دج سنة 2014، بينما تم إقصاء ألاف الجمعيات الحقوقية والثقافية لتواجه أغلب هذه الجمعيات مشاكل في التمويل لأداء أدوارها في المجتمع المدني مما أدى بعدد كبير منها إلى الغلق وتعليق نشاطها أو التوجه للتمويل الأجنبي حتى وأن كان بدون غطاء قانوني ويمثل خطر حقيقي على الهوية وخرق لقوانين الدولة، لكن بالمقابل فأن الإعانات الأجنبية غير متاحة لكل الجمعيات حسب رأي الكثير من رؤساء الجمعيات الوطنية والمحلية الذين يؤكدون أن الإعانات الأجنبية تصل الجمعيات عن طريق بعض النافذين في الدولة، فهناك جمعيات تنشط بدون اعتماد حصلت على دعم مشاريع خاصة بالطفولة والأمومة، وهناك جمعيات عمرها أقل من سنة وأخرى جمعيات لا وجود لها حصلت على دعم من برامج التغذية العالمية واليونيسكو، واليونسيف ومن الاتحاد الاوروبي وهناك جمعيات تنشط منذ 20 عاما لم تحصل على أي دعم من الدولة أو من الخارج.

أما الجانب الاخطر في التمويل الخارجي للجمعيات فيتمثل في كون بعض التمويلات الخارجية تستغل بعض الجمعيات المحلية بطريقة أو بأخرى لجعلها مصدر معلومات للحصول على أرقام من أجل دراسات اجتماعية والدخول في خصوصيات المجتمع الجزائري، وهو ما يتنافى مع قانون الجمعيات الذي يمنع الإعانات الأجنبية المشروطة والمقيدة بأعباء والواردة من جمعيات أجنبية وتنظيمات غير حكومية لا تربطها بالحكومة الجزائرية علاقات تعاون، ما بالك أن كانت هذه التمويلات ليست من جمعيات أجنبية وتنظيمات غير حكومية بل من سفارات دول أجنبية كما تفعل السفارة الفرنسية والبريطانية وسفارة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال منح إعانات مباشرة للجمعيات وهو تمويل يفترض أن يكون غير مقبول قانونا كون من حق الجمعيات الجزائرية أن تحصل حصرا على إعانات مادية من منظمات دولية وغير حكومية تتلقى أموالا من الصناديق الدولية التي تشترك وتدفع لها الجزائر كالمنظمات الأممية، وأما كل هذا الجدل يبقي المجتمع المدني في حالة شغور هو الأخر أما كل التغيرات المتسارعة على الساحة السياسة والاقتصادية ولعل ملف الغاز الصخري والاحتجاجات التي دخل فيها سكان بعض الولايات الجنوبية أكبر دليل أن الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني غائبة وبعيدة كل البعد عن المواطن فإلى متى تبقي فعاليات المجتمع المدني حبيسة التمويل والأهداف الجمعوية غير الواضحة.

س.زموش

من نفس القسم الوطن