الوطن

مصر و المغرب ... سجل حقوقي أسود وتنديد دولي

2014..... عام ثقيل على حقوق الإنسان في العالم العربي

 

 انقضت أيام 2014 أو كادت تنقضي مخلفة وراءها سيلا من المظالم والانتهاكات الحقوقية بمختلف دول العالم، وخاصة في الوطن العربي. فقضايا مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والاختطاف والإعدامات بدون وجه حق والإخفاء القسري وانتهاك الأعراض والحريات، تنتشر في كل مكان.

كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية يوم 10 ديسمبر الجاري أن التعذيب يمارس بشكل يومي في 141 دولة، وأنه بات سياسة ممنهجة بدول منها سوريا، وعادة تمارس يوميا في سلسلة طويلة من الدول، بينها المغرب وأوزبكستان ونيجيريا والفلبين والمكسيك.

يأتي ذلك بينما لا تزال الحكومية الأمريكية تضغط بشدة لمنع نشر تقرير من الكونغرس يتناول أساليب التعذيب التي انتهجتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية خلال الحرب على "الإرهاب" إبان عهد الرئيس السابق جورج بوش (2001-2009).

وفي هذه الأثناء كشفت الدعاوى التي رفعت مؤخرا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ تورط عدة دول أوروبية في قضية السجون السرية التي استخدمت للتحقيق تحت التعذيب مع مشتبه بهم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.

وفي تجلٍّ لسوء الأوضاع الاقتصادية والإنسانية بدول المنشأ، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 3419 مهاجرا غير شرعي قضوا في البحر المتوسط منذ بداية العام الحالي، وإن عددا قياسيا بلغ 348 ألف شخص شرعوا منذ بداية العام في رحلات بحرية إلى الدول الأوروبية.

في عدوانها على قطاع غزة الذي بدأ يوم 8 جويلية الماضي واستمر 51 يوما، اتخذت إسرائيل من المدنيين دروعا بشرية، وقتلتهم وهم في حالة فرار، ومارست الإعدامات الجماعية، واختطفت مواطنين أبرياء، ومارست التعذيب بحق الأسرى والمختطفين، واستخدمت الأسلحة المحظورة، وضربت منازل المدنيين الآمنة، واستهدفت المنشآت الطبية والصحفية، والمدارس، ومحطات الكهرباء، واقترفت سلسلة من المجازر الوحشية. وقتلت إسرائيل من الفلسطينيين آنذاك أكثر من ألفي شخص، 80% منهم مدنيون وفق بيانات الأمم المتحدة، وبينهم أكثر من خمسمائة طفل، وجرحت نحو عشرة آلاف آخرين. وصنفت منظمات حقوقية عديدة تلك الممارسات بأنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ولا تزال التقارير الحقوقية تتوالى استنكارا لجرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين، ابتداء من الاستيطان المستعر ومصادرة الأراضي وحملات الاعتقال المتواصل والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين وانتهاك حرماتهم.

العراق... اعتقالات وقتل تحت الهوية

وفي العراق تواصل المنظمات الحقوقية انتقاداتها المستمرة للمحاكمات "الجائرة" بحق سياسيين معارضين، وعمليات إعدام تستند إلى أحكام معيبة وفق المنظمات.

وفي 22 أكتوبر الماضي حكمت محكمة الجنايات المركزية في بغداد على رشا الحسيني سكرتيرة نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي بالإعدام لتهم تتعلق "بالإرهاب"، وبعد يوم واحد حكمت المحكمة نفسها على  النائب البرلماني السابق أحمد العلواني بالإعدام بتهمة "القتل"، وقال بعض أقاربه إنهم شاهدوا آثار تعذيب عليه قبل محاكمته.  وفي تعليق على ذلك، قال المسؤول البارز في هيومن رايتس ووتش جو ستورك إن "القضاء العراقي ما زال يصدر أحكام الإدانة في محاكمات مسيسة حافلة بأوجه الخلل القانوني".

وفي خضم ذلك تستمر الانتقادات الحقوقية لتنظيم الدولة الإسلامية على ما يمارسه من انتهاكات بحق الأقليات الدينية والمذهبية في شمال العراق الذي سيطر التنظيم على أجزاء واسعة منه خلال العام، إضافة إلى ما اقترفه من إعدامات بحق معتقلين وصحفيين دوليين.

سوريا.... تعذيب ممنهج

وفي سوريا تستمر الاعتقالات وعمليات الإخفاء القسري بحق معارضين، كما تستمر الحكومة في إلقاء براميل متفجرة على أجزاء واسعة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهو ما يخلف ضحايا مدنيين ويلقى إدانات حقوقية متكررة.

مصر... سجل حقوقي أسود

واجهت مصر سيلا من الانتقادات طوال العام لسجلها الحقوقي "السيئ"، ودعت هيومن رايتس ووتش في نوفمبر الماضي حلفاء مصر إلى إدانة "أعظم تدهور تشهده حقوق الإنسان في تاريخ مصر الحديث"، وإلى الدعوة لإلغاء "قانون من شأنه فعلياً حظر التظاهر السلمي، وللإفراج عن آلاف الأشخاص المحتجزين لمجرد التعبير عن آراء سياسية".

وذكّرت المنظمة بعمليات الأحكام الجماعية بالإعدام التي طالت معارضين سياسيين، وبالمرسوم الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 27 أكتوبر الماضي ليوسع اختصاص المحاكم العسكرية. وفجرت هيومن رايتس ووتش قنبلة من العيار الثقيل بمناسبة مرور عام على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بإعلانها أن السيسي ووزير داخليته اللواء محمد إبراهيم ارتكبا أفعالاً ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية خلال فض الاعتصامين يوم 14 أوت 2013 ودعت إلى اعتقالهما.

اليمن... الحوثيون لهم نصيبهم في انتهاكات حقوق الإنسان

وفي اليمن نال الحوثيون خلال العام نصيبهم من التنديد بممارساتهم "القمعية" بحق الصحفيين، ولما مارسوه من انتهاكات بحق مناوئيهم من قتل وملاحقات واعتقالات واقتحامات لمنازل خاصة ومصادرة ممتلكات.

 

المغرب... ملف ثقيل و تنديد دولي بالممارسات القمعية

نددت الولايات المتحدة مجددا بانتهاك المغرب لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة واصفة الوضع "بالمشكل الخطير" و مستنكرة العنف الجسدي و كذا الممارسات القمعية الأخرى الرامية إلى "إجهاض" المطالب بالاستقلال و حق تقرير المصير.

و أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها العالمي حول وضعية حقوق الإنسان أن "أكبر مشكل في مجال حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية يتمثل في المضايقات التي تمارسها الحكومة المغربية في حق المدافعين الصحراويين عن الحريات المدنية و الحقوق السياسية". و تطرقت وزارة الخارجية التى يشرف عليها جون كيري إلى وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية في اثنتى عشرة (12) صفحة من هذا التقرير العالمي مؤكدة بأن مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لا زالت تفتقر لآلية مراقبة حقوق الإنسان.

و سجل التقرير الأمريكي أن "سياسة اللاعقاب التي تستفيد منها قوات الأمن المغربية موجودة حيث لا يتعرض أولئك الذين ينتهكون حقوق الإنسان في الصحراء الغربية لأية متابعات قضائية. و في هذا الشأن تأسف "للعنف الجسدي و اللفظي الذي يمارس ضد الصحراويين خلال توقيفهم و اعتقالهم و تقييد حرية التعبير و الصحافة و التجمع و الاعتقال التعسفي". و في هذا السياق سجل بأن السلطات المغربية لا تزال ترفض الاعتراف بالجمعيات الصحراوية المؤيدة للاستقلال.

و ذكر خاصة حالة الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان و مجمع المدافعين عن حقوق الانسان في الصحراء الغربية الذي تقوده أميناتو حيدر. و أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية أن هذه الجمعيات الصحراوية "لا يمكنها بالتالي فتح محلات لممارسة نشاطاتها و توظيف أعضاء و جمع هبات أو زيارة المناضلين المؤيدين للاستقلال المعتقلين في السجون المغربية". و عبر التقرير عن استنكاره "للاعقاب" الذي تستفيد منه قوات الأمن المغربية و "غياب متابعات قضائية ضد أولئك الذين ينتهكون حقوق الصحراويين". و أضاف أن معظم أعوان الشرطة و أعوان أمن مغربيين آخرين المتهمين بممارسة التعذيب "يبقون في موقف سلطة" دون أن تكون هناك تقارير تحقيقات أو عقوبات ضد تجاوزاتهم.

عمليات تعذيب و تجاوزات ضد الصحراويين

و من جهة أخرى سجلت الوزارة بأن هناك تقارير تشير إلى أن قوات الامن المغربية "متورطة في عمليات التعذيب و الضرب في حق المعتقلين السياسيين الصحراويين" و ذلك "للحصول على اعترافات". و أشار التقرير إلى أن "معظم هذه المعاملات المهينة تمارس خلال أو بعد المظاهرات المطالبة باستقلال الصحراء الغربية أو خلال المظاهرات الداعية إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين الصحراويين". و أكدت وزارة الخارجية أنه "على الرغم من أن القوانين المغربية تجبر السلطات على التحقيق في ادعاءات التجاوزات أو عمليات التعذيب تؤكد منظمات حقوق الانسان المحلية و الدولية بأن المحاكم عادة ما رفضت الأمر باجراء فحوصات طبية أو النظر في نتائج الفحوصات الطبية في مثل هذه الحالات".

و فضلا عن هذا سجل التقرير بأن الحكومة المغربية تنكر وجود معتقلين سياسيين صحراويين في حين تؤكد عدة منظمات غير حكومية بأن هناك 74 صحراويا معتقلون لأسباب سياسية. و خلال اللقاء الذي جمعه بالملك المغربي محمد السادس في نوفمبر الماضي تطرق الرئيس الامريكي باراك اوباما على وجه الخصوص إلى مسالة انتهاك حقوق الشعب الصحراوي من قبل المغرب. و دعا كل من الكونغرس الأمريكي و المنظمات الدولية غير الحكومية و الصحافة الأمريكية بإلحاح الرئيس اوباما إلى التطرق إلى هذه المسألة بشكل أولوي. و في هذا المنظور دعا الرئيس الامريكي العاهل المغربي إلى ترقية و احترام حقوق الصحراويين في الأراضي الصحراوية.

لا يزال مئات المشتبه بهم من المتطرفين الإسلاميين الذين اعتقلوا في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء في ماي 2003 في السجن. وقد أدين العديد منهم في محاكمات غير عادلة بعد احتجازهم في أماكن سرية وتعرضوا لسوء المعاملة، وللتعذيب في بعض الحالات. وقد ألقت الشرطة القبض على مئات المشتبه بهم المتشددين الآخرين منذ الهجمات الإرهابية في عامي 2007 و 2011. وقد أدانت وسجنت المحاكم العديد منهم بتهمة الانتماء إلى "شبكة إرهابية" أو الإعداد للانضمام إلى متشددين إسلاميين يقاتلون في العراق أو في مكان آخر.

سلوك الشرطة والتعذيب ونظام العدالة الجنائية

تواصل المحاكم المغربية فرض عقوبة الإعدام، ولكن السلطات حافظت على الوقف الفعلي الذي بموجبه لم تنفذ أية حكم بالإعدام منذ أوائل التسعينيات.

في تقريره النهائي عن زيارته إلى المغرب، خلص المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، خوان منديز، إلى أنه "في الحالات التي تنطوي على أمن الدولة، مثل الإرهاب، والعضوية في الحركات الإسلامية، أو مؤيدي استقلال الصحراء الغربية، فإن هناك نمطاً من التعذيب وسوء المعاملة على أيدي رجال الشرطة أثناء عملية الاعتقال وأثناء الاحتجاز... تم إكراه العديد من الأفراد على الاعتراف، والحكم عليهم بالسجن على أساس مثل هذا الاعتراف". وتضمنت توصيات المقرر الخاص تعديل القانون لضمان "أن يتم السماح بالاتصال بمحامين من اختيار المشتبه به نفسه منذ لحظة إلقاء القبض عليه" وتقليص مدة 12 يوما كحد أقصى للاعتقال الاحتياطي لدى الشرطة الحالي المسموح به في القضايا ذات الصلة بالإرهاب. وردت السلطات المغربية بتفصيل، مشيرة إلى الخطوات التي تتخذها، مثل التزام "وزارة العدل والحريات... بضمان تسجيل فيديو لكل التصريحات التي يدلى بها للشرطة خلال التحقيقات والاستنطاقات".

و لم تقم المحاكم بدعم حق المتهمين في الحصول على محاكمة عادلة في القضايا السياسية والمرتبطة بالأمن. وفي بعض الحالات، فشلت في إصدار أمر بإجراء الفحوص الطبية التي قد تثبت مزاعم المتهمين بتعرضهم للتعذيب، ورفضت استدعاء شهود النفي، وأدانت متهمين بناء على اعترافات من الظاهر أنها منتزعة بالإكراه.

م- د

 

 

 

من نفس القسم الوطن