الوطن

عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام الرئيس

سلطة مستمرة ومعارضة تتحول وشعب يترقب الفرج

 

عام 2014 لم يكن عاديا بالنسبة للجزائريين بل مرت به أحداث سيتحدث عنها المؤرخون ويقفون عندها كثيرا وسوف لن تفهم الأجيال القادمة ولن تتسامح مع النخب، بل كل شهود هذا العام الذي استحوذ عليه الرئيس بشكل كبير سياسيا واجتماعيا، فبداية العام كانت يترشح أم لا يترشح، قادر أم غير قادر، ووصلنا للانتخابات وضيعت فيها الجزائر فرصة أخرى للتغيير وكان يوم قسم الرئيس ملخصا لحالته الصحية ولواقع النخب في الجزائر، عسكرية وسياسية وإدارية وقضائية. وهكذا كان الأمر بالنسبة للمؤسسات غياب شبه كلي وظهور للرئيس في بعض الاستقبالات لتكذيب الاشاعات أكثر من أي شيء آخر، ثم القضية المزمنة في هذا العام كانت التعود على نقل خبر دخل المستشفى أم لم يدخل ومن وسائل الإعلام الفرنسية وانشغل الجزائريون بهذا الموضوع، فتعطل التغيير الموعود وسارت المؤسسات بترهل وتحركت المعارضة بل تجمعت لأول مرة في تاريخها ومحركها الأساس حالة الرئيس وزارنا مسؤولون دوليين غربيون وعرب وأفارقه منهم من يطمئننا على كفاءته ومنهم من يتحدث في الكواليس بغير ذلك.

لم تمنع هذه الحالة من استمرار التوتر داخليا من خلال الاحتجاجات الاجتماعية التي أصبحت بشكل يومي وتوسعت رقعتها الجغرافية جنوبا وشمالا وشرقا وغربا والمطلب دوما الكرامة والعدالة الاجتماعية.

وزاد الوضع تعقيدا استمرار التوتر في حدودنا الشرقية والجنوبية والغربية نتيجة الحرب في مالي وما قيل عنها وربما لأول مرة تستعمل فيها أجواؤنا للقوات الفرنسية لضرب جماعات في دولة شقيقة  ثم انهيار الدولة في ليبيا ووصولا الى انتشار الارهاب في تونس واستمرار تهديدات الجار المغربي التي لم تنتهي منذ عقود من الزمن.

ولم ينتظر الإرهاب بدوره ليزيد من قلق الجزائريين بإعلان جنود الخلافة  البيعة  لداعش مع بقاء الإرهاب رغم اندحاره بشكل كبير في مدن الشمال.

ويبقى الجيش ورغم كل ما يقال وقيل المؤسسة الأكثر انضباطا وتنظيما في المجتمع وربما التي تحملت الجزء الأكبر لاستمرار الدولة والحفاظ على أمنها ورغم المحاولات المتعددة للنيل من بعض مؤسساتها لأسباب منها  الرغبة في الاستمرار في السلطة ومع ذلك لازالت المؤسسة العسكرية تحضي برصيد معنوي وأخلاقي و تاريخي من الاحترام والتقدير والمرجعية لدى معظم الجزائريين.

ومع هذا كله فإن هذا العام شهد تحريك أمل عند الشعب في موضوع حساس الذي دفع جزء من شبابنا يحرص على البقاء في بلاده بدل الحرقة أو الانتحار إنها وصفة لاديال التي صنعت الطوابير التي تتوق لأن تتمكن من الحصول على الحد الأدنى من الحقوق ممثلا في سكن  تأوي اليه كما كانت انتصارات الكرة ووصول المنتخب الى الدور الثاني في مونديال البرازيل شحنة أخرى قللت من غضب الشعب وخففت من حدة الوضع العام.

2014 كان أيضا بداية تحرك دبلوماسيتنا التي ورغم الواقع إلى أنها سجلت حضورها في ملفات إقليمية منها رعاية المصالحة بين الماليين وبداية التحضير لمبادرة جمع الليبيين ورعاية التحول الديمقراطي في تونس الشقيقة.

الحديث الأكثر أرقا للجزائريين هو تغول الفساد وأرقامه الفلكية التي تجاوزت حدودنا الجغرافية  وما ترتيبنا في منظمة الشفافية الدولية إلا دليل آخر على عمق هذا السرطان في الدولة والمجتمع ولازالت الإرادة السياسية بعيدة عن مكافحة الفساد بل إن عام 2014 هو عام المفسدين الذين أصبحوا يزاوجون بين السلطة والمال، والمؤسف أن المال الفاسد وليس المال المشروع أصبح له هامش واسع من القرار الوطني في تعيين المسؤولين وتنحيتهم وخاصة الإداريين بل حتى الوزراء يعود لهؤلاء وهو الخطر الداهم الذي كانت آثاره على بلادنا أكتر مما أثر إيبولا على العالم.

ولعل ما ميز العام أيضا في مشهده الثقافي هو إبعاد خليدة تومي واستبدالها بامرأة أخرى بعد 12 عاما ومع الوزيرة الجديدة أثيرت مواضيع في مقدمتها فيلم "الوهراني" للمخرج الشاب إلياس سالم لتليها مباشرة الضجة التي أحدثها الروائي كمال داود وتصريحاته فيما يخص الهوية واللغة العربية.

كما لم يخلو هذا العام من استمرار الأزمات الاجتماعية المرتبطة بالجانب الأمني وخاصة أحداث غرداية وورقلة رغم أن ما ميز هذا العام هو إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل أهم مكسب رغم أنه لم يطبق بعد. 

إن عام 2014 لم يحمل بكل المقاييس أمور جيدة كثيرة للعالم العربي، الذي مزقته النزاعات والحروب الأهلية في سوريا و العراق،  دول انهارت مؤسساتها فاسحة المجال للفوضى وسيطرة الميليشيات كما هو الحال في اليمن، فيما عرفت بقية دول الربيع العربي انتصارا للثورة المضادة التي حولت ربيع العرب إلى شتاء عاصف ضرب الأمن و الاستقرار، كما شهد العام ووصول ووجوه جديدة للحكم في مصر و تونس،  ومخاوف وارتياب في الدول الخليجية جراء تفاقم خطورة تنظيم داعش الذي أنتج وضعا جيو سياسيا جديدا زالت معه الحدود الموروثة عن اتفاقيات سايكس بيكو، إلا أن الثمن الإنساني الذي دفعه العرب في مناطق التوتر كان هو الأكبر والأفظع. كما تجمع تقارير حقوقية أن عام 2014 هو عام ثقيل على حقوق الإنسان.

و عاش الفلسطينيون في هذا العام الدمار و الحصار و القتل و الاعتقال كما عاشوا الانتصار وشيء من الوحدة المرجوة و بعض من أمل قيام دولة فلسطين المنشودة واستمرار المقاومة رغم كل التضييق الممارس من الأشقاء قبل الاعداء.

وتقدمت قضية الصحراء الغربية دبلوماسيا خطوات مع تواصل المغرب في إنكار حقوق الشعب الصحراوي وتجاوز حقوق الإنسان والهيمنة على ثروات الشعب الصحراوي رغم الحماية القانونية الدولية.

 

 

سليمان شنين

 

من نفس القسم الوطن