الوطن
تصاعد المد الجهادي "المتطرف" جاء نتيجة فشل "المثلث السني المضطهد"
الباحث الفرنسي المتخصص في دراسات الحركات الإسلامية، فرانسوا بورجا:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 سبتمبر 2014
أرجع الباحث والمستشرق الفرنسي "فرانسوا بورجا" المتخصص في دراسة الحركات الإسلامية، تصاعد المد "الجهادي" وانبعاثه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، إلى "المثلث السني المضطهد" من العراق وسوريا والعالم، فكان أن تحوّل إلى ضحية كنتاج لفشل ثلاثي، وحسب هذا الباحث، فإن كل التنظيمات الجهادية التي ظهرت حتى الآن بدءا من تنظيم القاعدة إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام، مرورا بـ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة "أنصار الدين"، إضافة إلى "الجماعة الإسلامية المقاتلة"، كلها خلاصة للإقصاء التاريخي للمثلث السني في المنطقة.
وأوضح المستشرق الفرنسي فرانسوا بورجا بأن "ثلاثية الفشل" حالما وقعت، افرزت بداية التسعينات من القرن الماضي، مدا جهاديا يستمر حتى الساعة، يتبنى في جزء كبير من العالم العربي، خطابا يتضمّن نوعا من “القطيعة”. وعن هذا التصاعد في المد الجهادي المتطرف، قال فرانسوا إنه يكمن أولا في الفشل الذي أظهرته الكيانات الحكومية لحقبات ما بعد الاستعمار، فيما يتعلّق بتوفير إجابات شافية ومناسبة لتطلّعات عدد من سكّانها، وخاصة الشباب منهم والطبقات الفقيرة، "فتلك الكيانات المحرومة من تمثيلية صادقة لمواطنيها، أي من المؤسّسة الوحيدة القادرة على تعديل التوتّر الداخلي، كان لابدّ وأن تلجأ، في كثير من الأحيان، إلى قمع التطلّعات المصاغة بطرق مشروعة، وهو ما قاد، باعتبار عامل المراكمة وعنف ردود أفعال الكيانات الحكومية، إلى انسلاخ تلك التطلّعات عن صبغتها المعتدلة لتجنح نحو الراديكالية أو التطرّف" على حد قوله. في حين يرى أن الفشل الثاني فيتصل بالمؤسّسات الفوق وطنية في البلدان التي كانت تحت الاحتلال، وحسبه، فإن "عجز تلك المنظّمات الإقليمية والدولية عن تسوية، أو حتى احتواء النزاعات والصراعات التاريخية ذات الحساسية الدينية الفائقة، على غرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، انتهى بتدمير الثقة في المبادئ السلمية الرامية، باسم القانون، إلى تحقيق التعايش السلمي، ليوجّهها، بدلا من ذلك، إلى مشارب بديلة"، وأما الفشل الثالث، قال “بورجا” بأنّه يتعلّق بـ”عسكرة الدبلوماسية النفطية” الأمريكية، والتي شهدت نموا ملحوظا عقب انهيار ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفياتي، لتتحرّر بذلك من حمل ثقل مضاد معتبر. فهذه السياسة قادت نحو العنف، وساهمت بالتالي في انفجار الإحباط المخيّم على فئة مهمّشة تخطو نحو التطرّف على نحو متزايد، وقد نشأ تنظيم القاعدة على هذا الهامش المتطرّف (الفئة المهمّشة)، والذي سيبشّر، دخول حيّز التفاعل مع المتروكين على جنب من عملية إعادة توزيع السلطة والثروات، والمضطهدين بالمناطق المهمّشة، وخصوصا “هذا المثلث السنّي المضطهد”، والذي أنتج بضلعيه السوري والعراقي الدولة الإسلامية (التي تعرف اختصارا بـ “داعش”). وأما الضلع السوري من المثلّث السني فيمثّل مفترقا برز أمام الأغلبية السنّية في سوريا، والمقصاة، منذ عقود، من السلطة لصالح الأقلية العلوية التي تمثّلها عائلة الأسد من الأب إلى ابنه، إضافة إلى طائفة منبثقة، على نطاق واسع، من نفس الأقلية الشيعية، والتي لم تبخل جهدا في سبيل قمع السنّة، المستهدفين، العام 1982، ضمن أحداث حماة (أو مجزرة حماة، وهي أوسع حملة عسكرية شنها النظام السوري ضد الإخوان المسلمين في حينه، وأودت بحياة عشرات الآلاف من أهالي مدينة حماة، بحسب مصادر مختلفة). بينما العراق كضلع ثان، فقد شهد التجربة ذاتها، مع تقاطع بين أنصار الجهادية بلا حدود، وضلع هام من السكان السنّة، والذين وهنت تطلّعاتهم بفعل “سياسة مناهضة السنة” التي انتهجها رئيس الوزراء العراقي، الشيعي “نوري المالكي”، وهذه السياسة تجد –على الأرجح- جذورها في قمع الشيعة في عهد الرئيس العراقي السابق “صدّام حسين”. فهذا التوجّه يفسّر، في مرحلة موالية، انهيار الجيش العراقي، والذي لم يكن ينظر إليه على أنّه جيش عراقي، وإنّما جيش شيعي.أمّا الضلع الثالث فيشكّله السنة “الغاضبون” في جميع أنحاء المعمورة: فالشيشان “يجاهدون” في سوريا انتقاما من حليف روسيا (بشار الأسد)، و”الإيغور” (شعوب مسلمة يشكلون واحدة من 56 عرقية في جمهورية الصين الشعبية) المضطهدين في الصين، مرورا بالمسلمين الغربيين، المعزولين في الغالب، بفعل تصنيفهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وعجزهم عن رفع المنحدر الاجتماعي الموروث عن الجيل الأول من العمّال. فأولئك يعتبرون أنفسهم مستبعدين من عملية إعادة توزيع الموارد، وهذا ما وفيما يتعلّق بردود الأفعال حيال الدولة الإسلامية، تحدّث “بورجا” عن محدودية أو قصور التدخّل العسكري الغربي، وذلك فيما يتعلّق ببثّ الشكوك حول قدرته على اجتثاث جذور هذا العنف، والذي يشبّهه، في كثير من الأحيان، بالأعراض البسيطة، أو حتى الآثار البسيطة لأسباب ضاربة في العمق. وأضاف “الغرب لم يعد يمتلك اليوم الموارد البشرية اللازمة لخوض حرب ضد الدولة الإسلامية، وبالتالي، يتحتّم عليه البحث، على الأرض، عن حلفاء، من أجل الإكتفاء بعدد قليل من الغارات الجوية التي يمكن أن تحقّق التقارب بين إيران والغرب”.
م. ح
