الثقافي

إسماعيل مهنانة: أسئلة الجزائر المؤجلة

 

"الفلسفة راعية للأسئلة، وكل سؤال هو مقاومة ضد أشكال الاحتلال، لأي منطقة من مناطق الوجود الإنساني". هكذا بدأ الباحث إسماعيل مهنانة، أستاذ الفلسفة الغربية في جامعة قسنطينة، ومؤسس الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة، اللقاء الذي جمعه أول أمس السبت بجمهور فضاء "صدى الأقلام" التابع للمسرح الوطني الجزائري. 

وقال مهنانة إنه مشغول بأسئلة الهوية الإنسانية والعربية معاً، لذلك كان كتابه الأول "الوجود والحداثة" حافراً في اللغة، "بيت الكينونة"، كما رآها هايدغر؛ فيما حفر كتابه الثاني "إدوارد سعيد: الهجنة ـ السرد ـ الفضاء الإمبراطوري" في الهوية العربية، بعيداً عن النظرة القومية المنغلقة، أو النظرة الاستشراقية التي أملتها سياقات لم تحتكم إلى العلم بالضرورة. وبادر صاحب "موسوعة الفلسفة العربية المعاصرة" إلى إبداء إيمانه بأن المثقف ضمير عصره، وهو مطالب بأن يخترع مكانته، من خلال الفهم العميق للحظة التي يعيش، فالتاريخ ـ بتعبيره ـ يختبر المثقف في كل حين. واحتدم النقاش بين ضيف "المسرح الوطني الجزائري" وبعض الحاضرين، بخصوص وصفه العرب بأنهم ظاهرة جنسية، داعياً إلى تحرير الجسد من قيود الأحكام الأخلاقية، والارتقاء به ليكون موضوعة جمالية وثقافية. وخصّ الباحثُ "العربي الجديد" بحوار تحدّث فيه ـ بداية ـ عن واقع الفلسفة والكتابة الفلسفية في الجزائر، حيث أشار إلى مفارقة تحتاج إلى تفكيك، وهي أن الجزائر كانت فضاء لولادة فلاسفة كبار، مثل القديس أغسطين وألبير كامو وجاك دريدا ولوي ألتوسير وفرانسوا ليوتار، لكنها لم تستفد من هذه التراكمات في تكريس تفكير فلسفي يواكب ما هو موجود في مشاهد عربية وغربية. ودعا مهنانة إلى الانتقال إلى إبداع نصوص فلسفية أصيلة، كما حثّ على الانخراط في حركة ترجمة عميقة لكل النصوص الفلسفية الكبرى، مبدياً اندهاشه من الهشاشة التي تعرفها الترجمة الأدبية والفكرية في الجزائر. وسأله "العربي الجديد" عن الأسباب التي جعلت المشتغلين بالفلسفة والعلوم ذات الصلة مثل علم الاجتماع، لا يواكبون التحولات الرمزية في الشارع الجزائري الخارج من تجربة عنف كبيرة، فقال الباحث إنهم انسحبوا إلى أسوار الجامعة التي باتت لا تفكّر، ولا تنخرط في مشاكل المجتمع ومتغيراته. ورغم عراقة المدرسة السوسيولوجية الجزائرية، إلا أنها ـ حسب صاحب كتاب "الوجود والحداثة" ـ بقيت معزولة عمّا يحدث في المجتمع الجزائري، والمجتمعات العربية عموماً، على دقته وجدارته بالاهتمام الفلسفي. إن المجتمع الجزائري ـ في نظر مهنانة ـ يتشكّل بحركة سريعة، كأنه يتجه نحو اكتمالٍ ما، ثم سرعان ما يضيع اكتماله في غمرة أحداثٍ تاريخية كبرى. ووحدها عينٌ فلسفية حادة يمكن أن تقبض على هذا التشكّل في طزاجته، وأن تباغت "السياسي" متلبّساً بتشكيل الجماعة. وهنا سألناه عن رؤيته للأفق الجزائري، فقال إن المنطقة ككل تشهد إعصاراً سياسياً وتاريخياً لم تشهده في تاريخها، ومراجعة جيوسياسية فرضتها تغيّرات في النظام العالمي ككل. وأضاف أن الجزائر وجدت نفسها فجأة في مواجهة الأسئلة المؤجلة، منذ نصف قرن من استقلالها، والمتعلقة بالهوية، والأقليات والحقوق الفردية والجماعية، والمواطنة والتحديث العميق للبنى الاجتماعية التقليدية، وليس أمامها ـ إذا أرادت أن تذهب إلى المستقبل بفخاخ أقل ـ إلا أن تواجه هذه الأسئلة بعيداً عن الروح القبلية. وعدنا به في ختام اللقاء إلى علاقة الفلسفة بمحيطها، فسألناه عن مدى مواكبة التفكير الفلسفي في الجزائر لباقي الفنون، مثل الرواية والسينما والفن التشكيلي، فقال مهنانة إن الفلسفة بطبيعتها فكرٌ منفتح على كل الحقول المعرفية والجمالية المجاورة لها. وأبدى ميله الشخصي إلى الفلسفات المنفتحة على ما هو لا فلسفي، وتفضيله للفيلسوف الذي يعبّر عن أفكاره من خلال فنون أخرى أكثر شعبية، مثل الرواية والسينما والمسرح، ونموذجه في ذلك ألبير كامو وسارتر. 

 

من نفس القسم الثقافي