الثقافي

رواية غليانو تخرج من التاريخ جواهره

'أبناء الأيام' رواية السخرية المريرة من تاريخ الدكتاتوريات

 

رواية “أبناء الأيام” للكاتب الأورغواني إدواردو غليانو، الصادرة عن دار “دال” بدمشق ونقلها إلى العربية الباحث صالح علماني، تعلن احتجاجها على الظلم والقهر اللذين تفشّيا في مجتمعات أميركا اللاتينية، عبر توسّل السخرية اللاذعة أسلوبا لنقد تلك المظاهر التي يرزح الناس تحت إكراهاتها. إدواردو غليانو كاتب وباحث وصحفي، ترجمت كتبه إلى أكثر من عشرين لغة. قضى سنوات عديدة في المنفى لأسباب سياسية في إسبانيا والأرجنتين. صدرت له “شرايين أميركا اللاتينية المفتوحة” و”ذاكرة النار” و”كتاب العناق” و”أفواه الزمن”. 

خارج السرب

في توصيف بعض النقاد له من خلال رواياته، يتجلّى إدواردو غليانو كاتبا لا نمطيا، وجلّ أعماله متمردة على كل إطار. وفي روايته الجديدة “أبناء الأيام” موزاييك غير متعارف عليه في هذا الفن. ذلك أنها تنوّع من الشخصيات ومن الفضاء الروائي بمعناه التقليدي وكذلك من زمن الأحداث. ناهيك عن تنوّع البناء السردي الذي تتناوب فيه فنون اللغة المتنوعة كالنثر والشعر والقص والمقاطع المسرحية. الأبناء في الرواية هم فنانون وجنرالات وأنبياء وقديسون وهنود حمر وموسيقيون ولاعبو كرة قدم وشعراء وعلماء ومخترعون وفلاسفة وأطفال وشاذون جنسيا وعبيد وتجار عبيد وغزاة ومناضلون. وسواهم، يرافقهم الكاتب على امتداد تاريخ يبدأ قبل ميلاد المسيح، ويصل إلى أيامنا، التي كتب فيها إدواردو غليانو روايته، وكأنه أراد تفكيك عمارة التاريخ الإنساني، وتشييد أخرى جديدة من شخصياته الروائية. شخصيات تظهر لمرة واحدة على الأغلب، لكنها تترك بصماتها على مرحلة تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أو فنية أو دينية، قبل أن تستقيل، أو تقال من الكاتب. بانتمائه إلى شعوب أميركا اللاتينية وتاريخها المثقل بالظلم والقهر، لا يتخلى الكاتب عن مقارعة الاضطهاد بتقنية “روزنامة” سنة كاملة، يكون شهر فبراير فيها ناضجا في اكتمال أيامه التسعة والعشرين يوما، بنى غليانو “أحداث - لا أحداث” روايته. غير أن أيام السنة، حسب السرد لما يقوم به الأبناء، أشبه بعملية حفر ونبش للتاريخ، تنزل معولها على قرون كاملة بضربة واحدة، لتخرج من أحشائها، النفائس والجواهر، يعيد بها المؤلف كتابة تاريخ آخر، لا يخلو من النقد والسخرية، ورفع راية الاحتجاج. في أيام غليانو، لا تخلو “مقطوعة” في روايته من الاحتجاج على الظلم والقهر. ودائما نلحظ نقده الساخر والمرير في آن، لمظاهر “الاستلاب الإنساني”. وبانتمائه لشعوب أميركا اللاتينية، وتاريخها المثقل بالظلم والقهر، لا يتخلى عن مقارعة الاضطهاد، خاصة وأن أميركا “الولايات المتحدة” تأسست على أنقاض السكان الأصليين، من “الهنود الحمر”، وشعوب المايا. وفي جولة لنا مع قليل من الأيام في الرواية، نجد اليوم العالمي لمكافحة الفقر، لنعرف عن الفقراء كل شيء، وما ينقصنا معرفته أن عريهم يكسونا وجوعهم يطعمنا؟. في ليلة الخامس عشر من مارس من عام أربعة وأربعين قبل الميلاد، يزيح يوليوس قيصر كليوباترا بيده جانبا، ويمضي باتجاه مجلس شيوخ روما ليلاقي موته. فالمتغطرس الأعلى، الدكتاتور مدى الحياة، المحارب الإلهي، الإله الذي لا يقهر، لا يمكن له الاهتمام بحلم كيلوباترا، التي حذرته، بناء على حلمها الذي رأته فيه مطعونا بخنجر، وتوسلت إليه باكية أن يظل في البيت، استهتر بالمرأة فلقي حتفه ذلك اليوم. وبعد عشرين قرنا من ذلك التاريخ، تمنع دكتاتورية أورغواي العسكرية عملا مسرحيا، لأنه عمل هجائي ضد النظام، والانضباط، والجندي، والقانون، العمل المسرحي المذكور، الطرواديات. كان قد كتبه يوربيديس قبل أربعة وعشرين قرنا. بسخرية مأساوية، ولدت دكتاتورية الأورغواي، بعد يوم فقط من يوم مناهضة التعذ يب، وحولت البلاد كلها إلى حجرة تعذيب هائلة في أبناء الأيام، سخرية مريرة من تاريخ الدكتاتوريات، ليس في أميركا فقط، بل في العالم. 

الدكتاتورية “الكيم إيل سونغية”، لها نصيبها من الشجب والسخرية، فالتمثال الذي أقيم لـ”الجد” الأعلى يتابع من خلاله “كيم” دكتاتوريته. 

شطرنج وفوتبول

تحرر النساء في العالم، حسب سوزان أنتوني، مرتبط بالدراجة الهوائية. وتقول زميلتها في النضال أليزابيث ستانتوس: نحن النساء ننطلق، ونحن ندير الدواسة، نحو حق التصويت، بينما بعض الأطباء حذروا من عقم وإجهاض النساء جراء استخدامه. ومنهم من رأى فيها أداة غير محتشمة تؤدّي إلى الفسق، لأنها تمنح متعة للنساء باحتكاك أجزائهن الحميمة بالمقعد. في يوم خصصه غليانو لكرة القدم، لاحظ العنصرية لدى الجمهور، نحو اللاعب الإفريقي البارع، عندما يقابله الجمهور الإيطالي بالزعيق والتصفير والأغنيات العنصرية. وصمت الجمهور، فقط، عندما طلى اللاعبون العشرة الآخرون وجوههم باللون الأسود، ولعبوا مباراتهم دون إزعاج من جمهور عنصري. 


من نفس القسم الثقافي