الثقافي
محمد حسين طلبي: دبي أمل حقيقي لكل العرب
يخدم الثقافة الجزائرية ويهندس أبراجها
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 سبتمبر 2014
عمله في مجال الهندسة الميكانيكية وولادة كثير من الأبراج الموجودة في شارع الشيخ زايد على يديه، لم يمنعه من التفرغ لخدمة الثقافة الجزائرية خارج الجزائر ولم تؤثر يوماً على عطائه الأدبي المتميز، ولعل كتابه الأخير الصادر ضمن سلسلة كتب دبي الثقافية "الجاحظية بيتنا"..
. الطاهر وطار نضال في كل الاتجاهات عكس إحساسه العميق بالمسؤولية تجاه وطنه، «بيان الكتب» التقت محمد حسين طلبي الذي يرى أن حل مشكلة عزوف الجيل الجديد عن قراءة الكتب الأدبية تتطلب وعياً من أفراد المجتمع المدني وشيئاً من الديمقراطية، كما يستعد لطرح ثلاثية كتب، خصص أحدها للحديث بشكل إبداعي عن صديقته دبي التي تمثل أملاً حقيقياً لكل العرب بالتقدم في جميع مجالات الحياة.
الذكرى الرابعة
دأب المؤلف الجزائري محمد حسين طلبي، على الاهتمام بالمُ2بدعين الجزائريين خصوصاً خارج الجزائر، كما كان ولا يزال همزة وصل بين الكتاب والشعراء والمثقفين الجزائريين، وقد بادر أخيراً إلى التعريف بالروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار، معتمداً على معايشته لوطار من خلال مواقفه ونضالاته ودوره في "الجاحظية".
وقال: لا أدعي معرفة أو اقتراباً كافيين بالمرحوم الطاهر وطار يتيحان لي الحديث عنه بشكل أكثر دقة وعمقاً، إنما هي جوانب محددة سنحت بها فُرص التواصل معه المتقاربة أحياناً والمتباعدة أحياناً أخرى، نظراً لظروف إقامتي شبه الدائمة خارج الوطن، وقد استغرقت في تحضير الكتاب نحو أسبوعين ليصدر في الذكرى الأولى لوفاة الطاهر وطار، ولكن حالت بعض الظروف دون ذلك، وتأخر ليصدر في الذكرى الرابعة لوفاته.
ثمرة
وتابع: الكتاب ثمرة تواصل كان واستمر بشكل مُكثف أكثر خلال العشرين سنة الماضية حتى يوم وفاته في 12 أغسطس 2010، وهي سنوات برأيي كانت حافلة بنضال الرجل وبعطائه الأدبي، إضافة إلى أنها أكثر سنوات عمره غِنى وإثارة سواء في بلده الجزائر أو في الوطن العربي نظراً لفعل منتدى الجاحظية الذي أطلقه في تلك الفترة ليكون وسيلته للاقتراب من جمهوره، ما دفع نخبة أساسية من الجزائريين للوقوف إلى جانبه والدفاع عن معظم طروحاته وأنا منهم.
وحول اهتمامه اللافت بمبدعي الجزائر، أوضح محمد حسين طلبي أن إحساساً بالتقصير ما زال يلاحقه منذ عقود، وقال: عندما غادرت للعمل في منطقة الخليج العربي شعرت بمسؤولية كبيرة وبأن واجباً كبيراً ينتظرني وعلي القيام به من مقر إقامتي الجديد، وهو محاولة جعل الجزائر حاضرة في هذه المنطقة وبالأخص في الوسطين الفكري والثقافي المتواجدين بكثافة فيها، نظراً للجهل التام بذلك الوطن..
حيث كانت ولا تزال التساؤلات تلاحقنا من بعض الإخوة العرب كل يوم وكان أكثرها إلحاحاً أيام محنة العشرية السوداء، وأنا إذ أحاول منذ أكثر من 30 عاماً الاقتراب من تلك الأوساط ومن الناس والإعلام بشكل عام، فذلك لإعطاء الصورة الحقيقية التي أدعي معرفتها بشكل جيد، لذلك رحت أقولها وأوضحها في الوقت والمكان المناسبين.
رسالة
وأضاف: تسليطي الضوء على المبدع والمناضل الجزائري الطاهر وطار، لم يأتِ من فراغ، وإنما استكمالاً لتلك الرسالة، وهي مجموعة من المحطات التي نشرتها متفرقة وفي مناسبات شتى عن الطاهر الذي أحبه الإخوة العرب وأحبوا إبداعه بالضبط كما أحبه الجزائريون، لأنه روائي رائد كانت أعماله مصدر إلهام لجيل أو لأجيال من الروائيين الجزائريين والعرب الذين امتلأت بهم الساحة اليوم.
وما تسميتي للكتاب بـ«الطاهر وطار نضال في كل الاتجاهات»، إلا لأنه عُرف عن وطار أنه رجل سريع ردات الفعل تجاه القضايا الحساسة التي تجرح الشخصية الوطنية بشكل أو بآخر، وكثيراً ما كان يتخذ تجاهها المواقف الصريحة ولا مجال لديه لأي مساومة أو تسامح فيها، وفي ذلك خاض الرجل معارك طاحنة حتى مع أقرب مقربيه.
مُتمرد
وبسؤاله عن بداية تعلقه والتفافه حول الطاهر وطار، قال: كان والدي المجاهد، رحمه الله، محمد العربي طلبي عندما يحدثني عن دراسته في جامع الزيتونة بتونس، ويحدث ذلك مراراً، كثيراً ما كان يأتي على ذكر الطاهر وطار، إضافة طبعاً إلى أسماء كثيرة كانت تشاركهم الدراسة هناك..
ولكن لوطار نصيباً وافراً في ذلك الحديث نظراً لاختلاف الرجل عن بقية الطلبة الجزائريين، فهو دائماً المشاغب والكثير الغياب عن الدروس كذلك لأنه كما كان يبدو المتمرد والمناضل أكثر منه الطالب الجاد، أما بالنسبة إلي فقد اقتربت وللمرة الأولى منه خلال بعض مراحل تصوير الفيلم الشهير «نوة» لعمي عبدالعزيز طلبي وكان كاتب قصته كما نعلم الطاهر وطار الذي كان يتواجد في بعض الأحيان في أماكن التصوير.
الجاحية
وحول أسباب انضمامه لـ«الجاحظية»، قال طلبي: الطاهر مُجاهد حارب الاستعمار الفرنسي للجزائر، وقد انتمى إلى المناخ الثقافي من خلال النضال وتفرد بكونه أول وأكثر من كتب عن الثورة بشكل إبداعي وباللغة العربية..
وقد بقيت أتابع ككل المهتمين بشؤون الأدب والأدباء أعمال الطاهر وطار ونشاطاته التي كانت جميعها تثير الانتباه نظراً لحدة الرجل وصرامته وصراحته، إلى أن كانت لي فرصة الانضمام إلى «الجاحظية»، حيث أصبحت أحد روادها وأعضائها الفاعلين عام 1990 لدى عودتي إلى الوطن من الكويت بعد الاجتياح العراقي..
وقد ساعدني نشاطي في «الجاحظية» على الالتقاء بالطاهر في جلسات شبه يومية نناقش فيها هموم الأدب والسياسة، وأكثر ما كان يلفتني فيه، إضافة إلى عطائه الأدبي المتميز، أن أصابعه لا تتوقف عن العزف على لوحة المفاتيح باحثاً ومتواصلاً أو مصمماً لأغلفة مجلات الجمعية وكتبها أو لبعض المنشورات الخاصة، فهو مُصمم بارع وعلى استعداد للمناقشة في مستجدات عوالم الحاسوب.
خلافات
مواقف2 الطاهر وطار الحازمة جعلت له أعداء كثر، لدرجة أن وفاته لم تعنِ شيئاً لرواد الحركة الوطنية ممن كتبوا بالفرنسية، وقد وثق طلبي الكثير من المواقف التي تؤكد أن صدامات وطار لم تكن مع الأفراد الذين اختلف معهم وهم كثر، ولكن مع المؤسسات والجمعيات الرسمية وغير الرسمية، حيث كان دائماً المُثقف المتحرر من السلطة..
ومن توابعها عكس الكثير ممن غابت أصواتهم في مجتمع ينخر فيه الفساد كل يوم. قضى طلبي أكثر من 40 عاماً من حياته خارج الجزائر، حيث عاش في سوريا ثم انتقل إلى الكويت وبعدها استقر في الإمارات، وعما إذا كان يفكر في الكتابة عن زملائه العرب، أوضح انه بصدد التحضير لكتاب «اللاعبون بالريح»، بهدف إرضاء ذاته والتعبير عن محبته لهم وقال: سأتحدث في الكتاب عن العلماء والمثقفين والأدباء العرب الذين تعرفت عليهم خلال مشواري خارج الوطن ومنهم ناجي العلي الذي كان جاري أثناء فترة إقامتي في الكويت.
ثُلاثية
يعمل محمد حسين طلبي حالياً على كتابة ثلاثية مذكرات تتناول مرحلة الطفولة في الجزائر والصبا والشباب في سوريا، وحالة الحب التي تجمعه بدبي، وقال: عشت في دبي نحو 25 عاماً وسأروي في كتاب «دبي صديقتي» نقاطاً لم يأتِ أحد على ذكرها من قبل، كما سأعبر عن تفاؤلي بها نظراً لكونها تمثل نوعاً من الأمل والتحدي التقني والمعيشي.
ويهتم طلبي ومنذ سبعينيات القرن الماضي بالهم الثقافي الجزائري، كما يحاول ومنذ تواجده في منطقة الخليج الاعتماد عليه للتعريف أكثر بوطنه، وبالإضافة إلى مهنته كمهندس ميكانيكي هو كاتب وباحث ومن مؤلفاته: رسائل إلى جيزيل، وشجن وتواصل، وغربة الكلام، ويدور حول نفسه، وقريباً من طقوسهم، ويسألني بوعلام وغيرها.
الطاهر وطار.. تجربة السرد والحفر بالأظـافر في صخور صلبة وعنيدة
يعد الطاهر وطار واحداً من الكتاب الروائيين العرب الذين أصلوا فن السرديات الروائية وحرصوا على تطويره، وإذا كان أقرانه من الكتاب العرب قد وجدوا الطريق معبداً، في مناخ ثقافي وأدبي عربي، فإنه شق طريقه بصعوبة بالغة، إلى حد الحفر بالأظافر في صخور صلبة وعنيدة، ذلك أن الرواية العربية في الجزائر كانت تواجه تحديات كبيرة، ليس من بعض الكتاب الفرانكوفونيين وحسب..
ولكن من الكتاب السلفيين الذين كانوا ينظرون إلى كتاباته بعين الريبة والتوجس والخفية بدافع حماية أمشاج «الهوية»، التي استعصت على الاستعمار الفرنسي الذي كان يستهدف، فيما يستهدف محو معالمها في وجدان الجزائريين.
من الإنصاف أن نشير إلى جهود كتاب رواد من أمثال رضا حوحو، وعبد المجيد الشافعي، وإلى جمهور المعاصرين لوطار من أمثال عبد الحميد بن هدوقة، وعرعار محمد العالي، ولكن أصوات هؤلاء الكتاب الذين كانوا يكتبون بالعربية ويغردون خارج السرب آنذاك، ظلت خافتة بالقياس إلى صوت وطار الذي كان صوتاً جهورياً متحدياً، رافعاً بيسراه شعاراً أيديولوجياً، وبيمناه شعار "لا إكراه في الرأي".
فن وإيديولوجيا
الطاهر وطار لم ينسج راية شهرته وذيوعه من مواقفه الإيديولوجية والسياسية وأنشطته الثقافية «الجاحظية» فحسب، ولكنه نسجها بالأساس من قدرته على تحقيق المعادلة الصعبة، معادلة الفن والأيديولوجيا، فقد عبر عن طروحاته الأيديولوجية بأساليب فنية وإبداعية متميزة، وهو ما لم يستطع أن يحققه إلا نخبة من الكتاب والشعراء من أمثال نيرودا وبريخت ومايا كوفسكي وعزيز نيسن وحنا مينة وغيرهم.
طاقة وطار أثرت بلده الجزائر والوطن العربي نظراً لفعل منتدى الجاحظية الذي أطلقه ليقترب من جمهوره من البسطاء، كما كانت بمثابة مأوى للأدباء والمتأدبين والصحافيين والمهمشين وكل حامل فكر بالمعنى الواسع للكلمة، دون النظر إلى اتجاهه السياسي لأن بين مهام هذا المنتدى الذي تأسس عام 1989 تثقيف السياسة.
وليس هذا وحسب، بل كان هم وطار أن يجعل الناس تحب الكتاب وتقرأه وتجادل فيه، ولعل أكثر ما كان يشغل باله عند اشتداد المرض عليه سواء داخل الجزائر أو خارجها للعلاج ليس حالته الصحية التي كانت تتدهور يومياً، بل حال الجاحظية ومصيرها من بعده، ذلك المنتدى الفاعل كصاحبه.