الثقافي

المسرح الجزائري: أن نقتبس أو لا نقتبس

 

تميّزت الدورة الأخيرة من "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" (اختُتمت اليوم) بتضمّنها أحد عشر عرضاً بنصوص أصيلة، من بين سبعة عشر عرضاً مشاركاً. في المقابل، لم يشارك في الدورات الثماني السابقة أكثر من خمسة نصوص أصيلة، فيما نهلت باقي العروض من النصوص المسرحية العربية والعالمية، مثل أعمال شكسبير وتشيخوف ولوركا ويونيسكو وسعد الله ونوس وممدوح عدوان، مما كان يضطر لجان التحكيم إلى إلغاء جائزة النص التي تشترط أن يكون النص الفائز أصيلاً.

وشكّلت هذه المفاجأة محطة للنقاش خلال الملتقى العلمي المرافق للمهرجان، وهو ما رصدته "العربي الجديد"، ووقفت على هواجسه مع عدد من المعنيين. يرى الشاعر والكاتب المسرحي سعيد حمودي أن الاقتباس ظاهرة كانت مبررة في الفترة الأولى من الاستقلال الوطني، بالنظر إلى خلو المشهد من كتّاب محترفين، وإلى رغبة المسرحي الجزائري في الانفتاح على المنجز الإنساني في الكتابة المسرحية. غير أن هذه الظاهرة، بحسب حمودي، لم تعد مبررة بعد نصف قرن من تراكم التجارب، فقد بات المشهد يضم جيلاً جديداً من الكتّاب الذين حقّقوا حضوراً.

ويتساءل حمودي "هل استمرار ظاهرة اقتباس الأعمال المعروفة، في ظل انتفاء مبرراتها، تعتّم على جيل الشباب من المسرحيين الجزائريين وإنتاجاتهم الأصيلة؟". في رده على هذا السؤال، يرى مراد سنوسي، أحد المعروفين باقتباس أعمال لمسرحياتهم، أن هذه النظرة "تنمّ عن قصور معرفي وجمالي عميق"، ذلك أن الاقتباس "فن قائم بذاته، له شروطه وفنياته وأصوله، والعيب ليس فيه، بل في بعض ممارسيه". ولا يرى سنوسي أهمية في ما إذا كان النص أصيلاً أم مقتبساً، ما دام العرض جيداً، "إذ يبقى الرهان على جودة العرض وقدرته على تحقيق الفرجة المطلوبة، لا على شيء آخر".

نسأل سنوسي عن مدى منطقية أن يُقتبس نص مسرحي من نص مسرحي آخر، كما هو الحال في المشهد الجزائري، فيقول إنه فعل ذلك في بداياته، وهو "أمر فرضته عليه ضرورة تطويع مناخات العمل الأصلية، لتنسجم مع الواقع الجزائري"، معتبراً ذلك دليل ثراء النص الأصلي.

من جهته، أبدى الكاتب المسرحي فتحي كافي اندهاشه من هذا الطرح، وتساءل "لماذا نترك نصوصاً هي ثمرة واقعنا أصلاً، ونعمل على أقلمة نصوص هي ثمرة واقع مختلف تماماً، إلا في بعض المفاصل الإنسانية؟ أنا أفضل أن أتلقى نصاً عربياً أو غربياً كما هو من غير أي تحوير".

نبرة الاتهام وصلت هذه المرة إلى المخرجين المسرحيين، إذ يرى الكاتب رمزي عاشور أنهم "لا يبذلون جهداً في معرفة ما يُكتب محلياً، وإن حدث أن عرفوه، فهم يتعاملون معه انطلاقاً من حكم مسبق يقوم على الاحتقار". ويشير عاشور إلى أن قطاعاً واسعاً من المخرجين يفضلون الاشتغال على نص مقتبس من عمل لكاتب معروف، بدلاً من نص أصلي لكاتب شاب، حتى وإن كان مستواه جيداً.

الذكاء والجمال، هما المقياسان اللذان قال المخرج حيدر بن حسين إنه يحتكم إليهما في انتقاء النصوص التي يقرّر نقلها إلى الخشبة، بغض النظر عما إذا كان أصحابها معروفين أو مغمورين. ولم يجد مخرج مسرحية "انسوا هيروسترات" حرجاً في التصريح بأنه لا يجد ذلك متوفراً في النص الجزائري.

وحين سألناه عن علاقته بالمتون السردية الجزائرية التي يمكن أن يلجأ إليها في تغذية أعماله المسرحية بنصوص تحقّق رؤيته للنص المسرحي، قال إنه يجد في القصة القصيرة، تحديداً، تجارب جديرة بالانتباه، خصوصاً في الآونة الأخيرة التي عرفت بروز أقلام استفادت من التراكمات التي حصلت في الكتابة والحياة. ويشير بن حسين، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنه افتتح، أخيراً، ورشة للاستفادة من هذا الثراء القصصي.

من جهته، قال المخرج جمال قرمي إنه فضّل النص الجزائري في جميع تجاربه الإخراجية ما عدا تجربته الأخيرة مع نص "مكبث" لشكسبير، لأنه يؤمن بقدرته على أن يقبض على نبض الواقع المحلي، أكثر من أي نص آخر، رغم أنه يضطر إلى إعادة صياغته درامياً، حتى يصبح صالحاً للخشبة. في المقابل، يشير قرمي إلى أن معظم الكتاب يقدمون نصوصاً ذات نزعة أدبية، وعادة ما تكون بعيدة عن الإطارات الدرامية التي يتطلبها الفعل المسرحي.

وهوّن الباحث إبراهيم نوّال، أستاذ النقد المسرحي في "المعهد العالي للفنون الدرامية"، مما يشاع أنها أزمة في النص المسرحي الجزائري، قائلاً "إن النقاش يجب أن ينصبّ اليوم ليس على طبيعة النص، مقتبساً كان أم أصلياً، بل على عمقه في قراءة اللحظة الجزائرية الجديدة، وهي تتطلع إلى المستقبل، بعد أن طحنت بقرن من الاستعمار ثم بعقد من العنف".

وأضاف نوّال أن دخول مسارح جديدة إلى الخدمة "ستجعلنا نستفيد من كل التراكمات الحاصلة، إذ سننتقل إلى مرحلة تستوعب جميع وجوهه واتجاهاته، ذلك أن المسرح حساسيات متعددة، ولا ينبغي أن يُقصى بناءً على الاختلاف في الحساسية الجمالية. ذلك أن المسرح الجزائري مدعو إلى مواكبة الحساسيات الجديدة".

عن العربي الجديد


عبد الرزاق بوكبة


من نفس القسم الثقافي