الوطن
عام اللايقين من مستقبل البلاد طمس المشهد السياسي خلال 2013
سقوط الكبار، مرض بوتفليقة، تكتل المعارضة، حمى الرئاسيات والعهدة الرابعة...
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 30 ديسمبر 2013
كانت سنة 2013 عام السقوط لبعض الرموز السياسية التي رسمت لسنوات مشهدا كان مستحيلا على الأذهان تخيل رحيلها عن رسم المشهد اليومي لفطور صباح السياسيين، فقد رحل بلخادم بعد صراع مرير مع خصومه المطالبين بانسحابه من قيادة الحزب العتيد، وكان نفس المصير لغريمه السياسي وحلفيه في نفس الوقت بالتحالف الرئاسي أحمد أويحي الذي استقال من على رأس الأرندي ورمى المنشفة وحفظ بذلك ماء الوجه، ليكون حليفهم السابق أبو جرة سلطاني ثالثهم بعد ترك مكانه لعبد الرزاق مقري، وبالأرسيدي والأفافاس، كان انسحاب سعيد سعدي وحسين آيت أحمد كأعتى حزبين في خندق المعارضة الراديكالية، طمست الساحة السياسية أيضا بحدث بارز ألقى بضلاله على المشهد السياسي وكان خبزا يوميا للطبقة السياسية التي تراشقت التصريحات المضادة والموالية والمدافعة عنه، إنه مرض الرئيس بوتفليقة الذي بقي اللغز المحير وتزامن ذلك مع قرب نهاية عهدته الثالثة على رأس رئاسة الجمهورية، وقد جعل مكوثه في فال دوغراس، خصومه والطامحين في خلافته، يلفظون ما كانوا يضمرونه لسنوات، واشتد القتال والنطاح السياسي بين فلان وعلان، كل كان يسبح في بحره دون وجهة نحو اليابسة، الموالاة كانت تدافع بإستمامة لصالح بقاء الرئيس لعهدة أخرى، والمعارضة كشفت عن أنيابها وطالبت بتطبيق المادة 88، عرفت السنة أيضا، عقد أكثر من حزب لمؤتمره وخروج عدة قيادات بديلة عن السابقة(النهضة، حمس، الإصلاح)، وأخرى كرست دكتاتورية في قالب ديمقراطي(حزب العمال)، كما خيم على الساحة خطاب مترنح بين الوقوف مع السلطة تارة(الموقف من الاستفزازات المغربية، والفرنسية)، ونقد مواقف الدبلوماسية في قضايا أخرى كملف شمال مالي..)، لكن جاءت قضية الخليفة في أواخر أيام السنة لتعيد فتح باب التساؤل عن مصداقية العدالة، وسبقتها قضية سونطراك2 وشكيب خليل بأشهر، خاصة وتزامن توقيتها مع الرئاسيات، ثم حراك الشارع وأحداث غرداية، واحتجاجات هنا وهناك، زادت من نفخ تصورات عدة لسيناريو غير مضمون النتائج بعد الثلاثي المقبل من 2014.
عام 2013 ... جانفي المشؤوم لأويحي وبلخادم ورحلة التلاشي لسلطاني
قبل مرض الرئيس بوتفليقة في أفريل 2013، سبق ذلك عدة أحداث تكون قد عجلت بوقوع سيناريوهات لم تكن في الحسبان، فنتائج الانتخابات البرلمانية 2012، ثم طول المدة لتشكيل الحكومة، وتخلي الرئيس عن التجديد لأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحي وزيرا أولا كالمعتاد، زعزع ثقة أركان حزبه، مما عجل بمطلب رحيله، وهو ما كان، فقد استجاب الرجل لخصومه ورمى المنشفة، كان ذلك مطلع جانفي 2013، حيث احتدم الصراع بين الجناح المعارض التصحيحي بقيادة(الوزير الأسبق للصحة يحي قيدوم..)، وبين رجال أويحي خاصة الأمناء الولائيين، لكن رئيس الحكومة الأسبق عرف كيف يخمد نار الفتنة وآثر الرحيل وإعلان خلوده للظل وترك مستقبله السياسي غامضا، خاصة لما حامت حوله بعض من شائعات تحضير نفسه للرئاسيات، خلفه عبد القادر بن صالح بالنيابة، وقطع شوطا من الأخذ والرد ومحاولات إرضاء الجانبين إلى أن أفضت الأمور إلى النجاح في عقد مؤتمر(الأرندي) الرابع، المؤتمر رسًم بن صالح(رئيس مجلس الأمة الحالي) على رأس التجمع الوطني الديمقراطي أمينا عاما، غير أنه أبقى على الضبابية لما يتعلق بمستقبل الحزب والموقف من الاستحقاقات.
تخلي الرئيس عن توليته حقيبة ممثله الشخصي عجلت بسقوطه
كانت سنة 2013 وبالا على عبد العزيز بلخادم أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني لعهدتين(المؤتمر الثامن والتاسع)، حيث كان لتخلي الرئيس بوتفليقة عن التجديد له كممثل شخصي له، وهو منصب كان بلخادم يستقوي به على خصومه(حركة التقويم وتأصيل الأفالان)، كبير الأثر في تحول مسار الصراع بين الطرفين، وقد آل الأمر بعد دورة للجنة المركزية في جانفي 2013، إلى منسق المكتب السياسي عبد الرحمان بلعياط الذي مسك زمام الأمور لتسيير المرحلة الانتقالية إلى غاية نضج ظروف عقدة دورة استثنائية للجنة لانتخاب أمين عام جديد، بعدما رجحت الكفة لصالح صحب الثقة من بلخادم في احتكام للصندوق، سارت الأمور بنفس التشكيلة، كان خلالها الصراع باقيا بين خصوم بلخادم والمناوئين له، ظهر جناح أحمد بومهدي في الواجهة، ثم ارتسم مشهد التصريحات والتصريحات المضادة، ومطابلب بالتعجيل بعقد دورة طارئة لانتخاب أمين عام، ومطالب أخرى بالتريث لغاية ايجاد رجل تتوفر فيه صفة الإجماع والنزاهة وصفات أخرى، لكن جناح بومهدي أدخل عمار سعداني(قيادي ورئيس المجلس الشعبي الوطني سابقا..) في الصراع، وبدأ حشد الدعم وتعبئة القواعد لعقد دورة استثنائية لانتخاب أمين عام، وفي نفس الوقت، بدأت التحركات لعقد اجتماع لبلعياط والتقويمية (عبد الكريم عباد)، لكن جناح بومهدي أخرج بالأوراسي(29 أوت 2013) سعداني أمينا عاما رغم رفض خصومه(بلعياط وعبادة وجناحيهما) للنتائج والطعن في شرعية اللقاء، وبقي السجال على حاله حتى الساعة، حيث لا يزال بلعياط يعتبر نفسه القيادة الشرعية المنبثقة عن آخر دورة للجنة المركزية بينما يسعى سعداني في الميدان لضبط هياكل الحزب ومحاولة كسب شرعية ناقضة بحسب نظر بعض المتتبعين للشأن السياسي.
فك الارتباط بالتحالف والرئاسيات ... سلطاني ورحلة السقوط
في الحزب الإسلامي الذي كان لوقت قريب طرفا في التحالف الرئاسي (حمس، الأرندي، الأفالان)، كانت استجابة سلطاني لمطلب الجناح المعارض في حمس( جناح عبد الرزاق مقري)، بفك ارتباط حركته بالتحالف، بداية لعد عكسي لرحيله من على رأس الحزب، حيث ساهمت نتائج التشريعيات في تعجيل بداية الطعن في خيارات وسياسة سلطاني في قيادة قاطرة حمس، وتصدعه لأكثر من حزب، فظهر حزب تجمع أمل الجزائر بعد انشقاق عمار غول وتفضليه الإستوزار والبقاء في بلاط السلطة، ثم فشل محاولات الصلح بين جبهة التغيير وحمس، وميلاد حزب جديد على أنقاض ذلك( حركة البناء الوطني بقيادة مصطفى بلمهدي)، ثم سارت حمس خلال 2013 نحو عقد مؤتمرها الخامس في الثلاثي الأخير من العام، كان المؤتمر بمثابة إعلان إنهاء مهام سلطاني بشكل رسمي من على رأس حمس، وفرخ المؤتمر قيادة جديد بزعامة الراديكالي عبد الرزاق مقري، الذي كان دوما يفضل المعارضة ورفض الانسياق وراء فكرة المشاركة في السلطة، وجاء معه مكتب جديد بوجوه جديدة تعمل على رسم معالم حمس ومواجهة خيارات صعبة استعدادا للاستحقاقات المقبلة.
النهضة، الإصلاح مؤتمرات تسليم المهام
حركة النهضة وحركة الإصلاح، تشكيلتان سياسيتان تتخندقان بشكل طبيعي ضمن التيار الإسلامي المعتدل، عقد كل حزب مؤتمره، وأعيد ترتيب كل بيت من الداخل، فحركة الإصلاح التي كان أمينها العام حملاوي عكوشي، جاء مؤتمرها المنعقد في الثلاثي الأخير من 2013، بالأمين العام الأسبق جهيد يونسي إلى الواجهة مجددا، حيث أنتخب على رأس قيادتها، برغم ما يقال عن سوء تسييره للحركة وتسببه في الخسارات بسبب أنانيته وطموحاته الشخصية، حيث رجحت بعض الأطراف بأن يكون يونسي قد عاد لقيادة الحركة للترشح بإسمها مثلما فعل من قبل وجعل جماعة جمال بن عبد السلام ومحمد بولحية يخرجان عن طوعه، وظهر بعدها حزب جبهة الجزائر الجديدة.
أما حركة النهضة، التي عقدت مؤخرا مؤتمرها الرابع، فكانت سنة 2013 بالنسبة لها، سنة تجسيد مفهوم التداول على السلطة وفقا لما أظهره أمينها العام المنحسب فاتح ربيعي، حيث آثر عدم الترشح لعهدة أخرى، واعتذر عن توسلات ببقاءه، وأسفرت أشغال المؤتمر عن ظهور إسم جديد في الحركة هو محمد ذويبي، حيث انتخب أمينا عاما خلفا لربيعي، وأكد على اختيار نهج المعارضة على اعتبار أن موقع النهضة الطبيعي هو المعارضة.
الأفافاس... انسحاب آيت أحمد والقيادة الجماعية
كان لإعلان الزعيم التاريخي لجبهة القوى الإشتراكية- الأفافاس (حسين أيت أحمد) الانسحاب من القيادة في رسالة بعث بها لمناضلي حزبه، ثم بدأت التحضيرات لعقد المؤتمر، وظهرت عدة تأويلات وقراءات لرسالة الإستقالة لآيت أحمد، لكن المؤتمر بددت كل الشكوك في خلفيات هذا الانسحاب لزعيم تاريخي قاد الأفافاس لإتقان دور المعارضة الراديكالية بنجاح، وقد فرخ المؤتمر ما يعرف بالقيادة الجماعية، وهو تقليد جديد في العمل الحزبي، حيث تصدر القرار والمواقف السياسية بعد اجتماع القيادة واتخاذ القرار، وقد اختير أحمد بطاطاش كسكريتير أول كواجهة لهذه القيادة، وقد سبق هذا الانسحاب والتخلي عن القيادة إلى الأبد، سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية(الأرسيدي) الذي فاجئ مناضلي حزبه بتخليه عن القيادة وعدم الترشح، وجاء مكانه محسن بلعباس ليقود الأرسيدي للعب نفس الدور الأسبق للحزب، لكن ما لوحظ عليه خلال 2013 أنه تراجع عن ذلك الدور وطمس نشاطه بمزيد من البعد عن المشهد السياسي العام واكتفى بإصدار بيانات التنديد والاستنكار.
حزب العمال... تكريس الأحادية بشعار الديمقراطية
أهم ما رسم حضور حزب العمال في الساحة السياسية عام 2013، هو مؤتمر الحزب( السابع)، حيث ساد خطاب هو نفسه بطعم الرغبة في الترشح للرئاسيات كما جرت العادة في كل موعد استحقاقي، يقدم حزب العمال أمينه العام( لويزة حنون) مرشحا عن الحزب للتنافس ضمن سباق الرئاسة، وهذه المرة فرخ المؤتمر نفس القيادة سواء ما تعلق بالأمانة العامة التي تمثلت في شخص حنون، أو في القيادة العاملة معها، حيث أعيد استنساخ نفس الوجوه، لتحضير أجندة الحزب للاستحقاق الرئاسي.
مرض الرئيس وميلاد تكتل العشرين ومطالب تطبيق المادة 88
في أفريل 2013 أصيب الرئيس بوتفليقة بوعكة صحية استدعت نقله إلى فرنسا، ثم أدخل مستشفى فال دوغراس العسكري لتلقي العلاج، وبعدها لمستشفى معطوبي الحرب( ليزانفاليد) بباريس، وخلال فترة قاربت التسعين يوما( 81 يوم) من الغياب عن أرض الوطن، وتفويض المهام للوزير الأول عبد المالك سلال، وقائد أركان الجيش قايد صالحن لإدارة شؤون البلاد واستقباله لهما بالمستشفى لما أعلن امتثاله للشفاء ودخوله في فترة نقاهة غير محددة المدة، كان في الجزائر قد اشتغل الرأي العام الجزائري وخاصة الطبقة السياسية بطرح التساؤلات عن حقيقة الملف الصحي للرئيس وقدرته على إكمال مهامه إلى غاية نهاية عهدته، وكانت المعارضة على اختلاف مشاربها، قد انتقدت سوء إدارة العملية الاتصالية من طرف الحكومة وتكتمها عن حقيقة مرض بوتفيلقة، مما دعا البعض للمطالبة بتطبيق المادة 88 من الدستور ومنه إعلان حالة الشغور وعجز الرئيس عن مواصلة مهامه لسبب طبي، لكن لم تفلح هذه الدعوات حيث عاد الرئيس إلى البلاد، وواصل نشاطاته بالحد الأدنى، وكانت اجتماعاته تقتصر في الأول على استقبال الوزير الأول عبد المالك سلال، وقائد صالح رئيس أركان الجيش، ثم توسعت لتشمل وزراء آخرين في الحكومة، وكان بعدها أن أجرى تعديلا وزاريا شمل الداخلية والعدل واستحداث منصب نائب وزير العدل، حيث عين الطيب بلعيز وزيرا للداخلية، طيب لوح وزيرا للعدل، وقايد صالح نائبا لوزير الدفاع.
كما أجرى الرئيس تعجيلات على جهاز المخابرات مما خلق الكثير من التساؤلات عن نواياه، خاصة وأن البعض ربطها بطموحات وترتيبات تخص العهدة الرابعة، بينما ذهب البعض إلى اعتبارها مجرد تعديلات لإضفاء دينامية جديدة على الجيش، أما أهم مشروع استهل في إعداده ولم يظهر منه أي شيء، هو مشروع تعديل الدستور الذي وعد به الرئيس، ورواج فكرة استحداث منصب نائب للرئيس، لكن ظهرت مطالب من عديد الأحزاب المعارضة، أبرزها تكتل مجموعة الـ 14 للدفاع عن الذاكرة والسيادة، ثم مجموعة الـ 19 وبعدها تطور لعدد أكبر من أحزاب كلها تتخندق في جناح المعارضة( تكتل الـ 20)، رفعت مطالب تأجيل تعديل الدستور إلى ما بعد الرئاسيات، وكذا إجراء تعديلات على الحكومة تشمل وزارت لها علاقة بتنظيم الانتخابات منها الداخلية والعدل، وتشكيل لجنة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية. ولغاية الساعة لم ينل هذه المطالب ردا صريحا من جانب السلطة، برغم اعتبارها من طرف وزير الداخلية بأنها غير معقولة.
قضية الخليفة، شكيب خليل، أحداث غرداية، تغنتورين وتصريحات هولاند...
طغت على المشهد السياسي في الآونة الأخيرة، أحداث كثيرة أبرزها قضية سونطراك 2 وظهور اسم وزير الطاقة شكيب خليل في القضية، وما حملته من تداعيات سياسية وصلت لحد ورود اسم شقيق الرئيس وامكانية تورطه قضايا فساد، وقضية شكيب خليل كان لها أثر في الساحة السياسية بدليل أنها كانت تذكر في كل منبر سياسي وفي كل خطاب حزب سياسي يناور في خندق المعارضة، أما قضية استلام عبد المومن خليفة من بريطانيا في هذا التوقيت بالذات المرتبط بالانتخابات الرئاسية، ألقت بضلالها على المشهد برغم انشغال الأحزاب ببحث مواقفها النهائية من الاستحقاق الرئاسي بالترشح من عدمه ودعم مرشح اجماع، أو مرشح توافقي، أوما شابه ذلك من مبادرات ومشاريع لم شمل المعارضة( سواء التيار الإسلامي، أو تيار وطني وشخصيات وطنية مستقلة...)، كما شهد الساحة خلال العام، أحداث ما عرف بالحراك الشبابي في الجنوب، وما عرفه من انزلاق كاد يخرج إلى سيناريوهات ربيع جزائري بعدما ضبطت محاولة نفخ جهات خارجية فيه لتحويله عن مساره الاجتماعي، وشهدت الساحة أيضا، تحركات مكثفة للوزير الأول سلال للولايات، في زيارت ميدانية لتفقد مشاريع برنامج رئيس الجمهورية الخماسي، وهي الخرجات التي وصفت بأنها حملة انتخابية للعهدة الرابعة، بينما كان ينفي الوزير أية نية في ذلك.
كما عرفت بعض الجهات من الوطن، احتجاجات ومواجهات، مثلا في غرداية، نشب خلاف تطور إلى صدامات بين جزائريين بسبب خلافات طائفية، بين اباضيين ومالكيين، يضاف إليها بعض الاحتجاجات في العاصمة( براقي) والحراش، والرغاية، وهي حراك اجتماعي تخوف البعض من أن يتم توظيفه سياسيا بغرض تأجيل الانتخابات.
إعداد: مصطفى حفيظ