الوطن

ربع قرن.. في أقل من ثانية !.

 

 

 يظل رجال الإعلام يواكبون الأحداث التي يصنعها رجال السياسة في الكثير من الأحيان، وإذا كان من الطبيعي أن السياسة هي التي تصنع الإعلام، فعلى العكس من ذلك يعتقد الكثير من السياسيين أن الإعلام هو الذي يصنعهم أو على الأقل يصنع صورتهم في أذهان الرأي العام.

 

أردت من خلال هذه الجدلية، أن أتطرق إلى المشهد الإعلامي في الجزائر والذي لا يختلف كثيرا عن المشهد السياسي، لأقول إننا مازلنا بعيدين جدا عن الممارسة السياسية الحقة والممارسة الإعلامية الحقيقية، وفي الكثير من الأحيان فإن هذا البعد أو الابتعاد قد يقاس للأسف الشديد بالسنوات الضوئية بينما نحن في عصر الفضاء الإعلامي والمعلوماتي المفتوح على مصراعيه. وليس هذا من قبيل التشاؤم ولكن من باب التشخيص الذي يدفعنا إلى التفاؤل الذي يحقننا بالأمل الذي يشحذ فيا العزيمة ويحرك فينا الإرادة من أجل العمل نحو الأفضل.

 لا يمكنا عندما نتحدث عن الواقع الإعلامي الجزائري أن نختزل المشهد الإعلامي أو نحوصله في سنة واحدة تكون قد انقضت، ولكنه نتيجة تراكمات على مدار سنوات قد تمتد إلى عشرات السنين والتي قد تصبح تقاس بالأعمار أو بالأجيال والتي تكون قد عرفت انتصارات هنا وانكسارات هناك، وذلك هو ثمن التجربة الإعلامية التي كثيرا ما كان يمتزج فيها حبر الصحفيين بعرقهم بل وبدمهم في الكثير من الأحيان. 

 لكن يخيّل إليّ أننا في كل مرة نعيد السنة لا ننتقل إلى السنة الأخرى، مادامت كل سنة إعلامية تشبه السنة الأخرى سواء تعلق الأمر بالسنة الماضية أو بالسنة الجارية أو بالسنة الآتية. وذلك لأن الفوضى التي تسود القطاع الإعلامي هي التي تكون قد جعلت السنوات بل الأيام تشبه بعضها البعض، على الرغم من النصوص القانونية التي تضبط الممارسة الإعلامية. 

وإذا كانت قد مرت سنتان على نشر القانون العضوي المتعلق بالإعلام في الجريدة الرسمية، ها نحن سوف ندخل السنة الثالثة من غير أن تطبق هذا القانون أي مادة سوى المادة الأخيرة من القانون التي تنص على أن هذا القانون ينشر في الجريدة الرسمية، حيث لم تصدر البطاقة الوطنية للصحفي المحترف ولم تنصب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة ولا مجلس أخلاقيات المهنة، وفي الوقت الذي كانت سلطة الضبط بالنسبة إلى الصحافة المكتوبة والتي ينتحب الصحفيون نصف أعضائها هي التي تتولى تسيير الشأن الإعلامي مازال الإعلام يسيّر بطريقة إدارية حيث أن الوزارة بطريقة غير قانونية قد استولت صلاحيات سلطة الضبط التي لم تتشكل أو لم تعمل على تشكيلها. ومن السخرية أن يتحرر القطاع الإعلامي من التسيير الأمني ولم يتحرر من التسيير الإداري والذي قد يصبح أخطر من التسيير الأمني للإعلام.

لاشك أن الأسرة الإعلامية تتحمل الكثير من المسؤولية المهنية والأخلاقية في تردي الواقع الإعلامي، ولكننا قبل ذلك تفتقر السلطة ولا أقول الدولة إلى إرادة سياسية حقيقية للإصلاح الإعلامي والقضاء على الفوضى السائدة في القطاع. فلقد سبق أن باشرت الجزائر جملة من الإصلاحات السياسية وكان من المفروض أن يكون الإعلام جوهر الإصلاحات السياسية، ولكن للأسف الشديد أن الإعلام يمثل في كل مرة آخر الاهتمامات أو آخر ما تفكر فيه السلطة السياسية في الذي أصبح الإعلام هو السلطة الحقيقية والذي قد يصنع حتى السلطة السياسية نفسها.

إننا لم نعد نجيد سوى الهروب بأرجلنا إلى الأمام وكأننا ندس رؤوسنا في الرمال، ذلك أن القانون العضوي المتعلق بالإعلام قد سنّ في عهدة سابقة ليسنّ القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري في عهدة لاحقة وقد تصدر النصوص التنظيمية ذات الصلة بالقانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري وحتى بالقانون العضوي المتعلق بالإعلام في عهدة أخرى. 

وأي انفتاح بقي لنا في المجال السمعي البصري بعدما انتقلت الفوضى من الجرائد الورقية إلى القنوات الفضائية التلفزيونية، في الوقت الذي كان يتعين فيه أن تتزامن التعددية الإعلامية السمعية البصرية مع الصحافة المكتوبة مثلما كان ينص على ذلك قانون الإعلام الذي أقرّ التعددية في بداية عشرية التسعينيات من القرن الماضي والذي نص على تحرير القطاع السمعي البصري، لنكتشف في النهاية أننا قد تأخرنا بربع قرن، نعم ربع قرن وما أدراك ما ربع قرن والذي قد يختزل في أقل من ثانية في زمن الصورة.

 

بقلم : إبراهيم قارعلي

من نفس القسم الوطن