الوطن
التيار السلفي يغير إستراتجيته ويسعى لإعادة التموقع
بعد التخلص من "شبهة" الإرهاب والعمل المسلح
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 21 ديسمبر 2013
يشهد المجتمع الجزائري منذ سنوات تطورات سياسية غير مسبوقة وتحركات إجتماعية سريعة خاصة في ظل التغيرات الجذرية التي حصلت على المستوي الإقليمي والعربي، حيث تتسابق جميع القوى السياسية والمجتمعية الأن لأخذ نصيبها من هذا الحراك، منها التيار السلفي الذي بدأ يشغل رقعة واسعة من المشهد الإسلامي العام في الجزائر، ويتجلي ذلك في تمدد هذا التيار في قطاعات واسعة من المجتمع الجزائري، وتعاظم شعبيته،حيث بدأ السلفييون في الآونة الأخيرة في استرجاع مكانتهم وممارسة تأثير متزايد على المجتمع، من حيث فتاويهم التي تتناول كل مظاهر الحياة بما فيها شكل اللباس، ومختلف المعاملات التجارية والمالية، وكيفية التعامل مع الدولة، وهذا بعد سنوات من الابتعاد عن الأنظار بسبب شبهة "الإرهاب" وحملات التخويف من السلفية وإلصاقها بالعمل المسلح، والسؤال الذي يطرح هنا هل سيكون للسلفية بشكلها الحالي دور أكبر في المشهد السياسي ومنه الحياة العامة في الجزائر أم أن السلطة قادرة على تقويض هذا التيار وفقا لما تقتضيه "اللعبة السياسية" في الجزائر.
تعرف أعداد أنصار التيار السلفي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة تزايدا كبيرا، ويظهر ذلك من خلال سيطرة هذا التيار على أغلب المساجد والمنابر الدينية، وكذا وجودها بالجامعات وتغلغلها عناصرها داخل التنظيمات الطلابية،وكذا تحكمها بدوائر المال الأمر الذي أصبح لافت للأنتباه.
المساجد والفتاوى رهينة السلفيون
"التيار السلفي هو الذي يسيطر على أغلب المساجد في الجزائر" إعتراف لوزير الشؤون الدينية بو عبد الله غلام الله الذي أكد في كثير من المرات أن التيار السلفي بات يتحكم في عدد معتبر من مساجد الجزائر الخاضعة للدولة، وبالرغم من أن وزارة الشؤون الدينية ومنه السلطة تسعى لمحاصرة التيار السياسي من خلال تمكين التيار السلفي العلمي أو المعتدل من السيطرة على المساجد، فإن وزارة الأوقاف عبّرت عن قلقها مما وصفته بـ"استيراد" بعض الأئمة الجزائريين السلفيين الفتاوى من الخارج، وشرودهم عن المذهب المالكي الذي تعتمده الدولة، حيث قال غلام الله "إنه لا بد من إعتماد أئمة موثوق بهم، وتأهيلهم لإعادة الاعتبار للمسجد الذي دخل في متاهات التيار السلفي"، ملوّحا باتخاذ إجراءات عقابية في حق الأئمة السلفيين الذين تصدر عنهم ما سمّاها بـ"الفتاوى الخاطئة"، أي المخالفة للمذهب المالكي، وقد برز جيل جديد من الدعاة والمشايخ السلفيين في الجزائر الذين تولوا شئون مساجد في قلب العاصمة، وأصبح لديهم الكثير من الأتباع الذين يحضرون دروسهم وخطبهم بشكل منتظم، بسبب قدرتهم على الخطابة وشخصيتهم الكاريزمية القادرة على الإقناع ومن أبرز الأسماء التي نالت شهرة كبيرة في الأعوام الأخيرة نذكر عبد الحليم توميات إمام مسجد "عمر بن الخطاب" بحي الريس حميدو، ومراد دبياش إمام مسجد "التوبة" بحي حيدرة، ورضا كريماط إمام مسجد "الموحدين" بحي الأبيار، وعز الدين رمضاني، ومحمد حاج عيسى الجزائري، ويوسف بن عاطي، ويحيى بدر الدين صاري، وغيرهم من الدعاة السلفيين الشباب، الذين تعلموا على يد أسماء تعتبر من أقطاب السلفية العلمية أمثال الشيخ محمد علي فركوس (إمام مسجد الهداية الإسلامية)، والعيد شريفي (أستاذ بكلية العلوم الإسلامية بالخروبة)، الشيخ عبد الغني عويسات، الشيخ لزهر سنيقرة، والشيخ عبد المالك رمضاني.
السلفية تهيمن على كلية العلوم الشرعية في العاصمة
وغير بعيد عن المساجد ينشط أتباع التيار السلفيّ أيضا وسط الجامعات، بالرغم من أنهم لا ينتمون لتنظيم طلابي بإسم هذا التيار وتعدّ جامعة الخروبة بالجزائر العاصمة، فضاء لعلماء السلفية العلمية وأتباعهم بالجزائر، حيث تشكل صورة مصغرة لانتشار التيار السلفي الجديد وتغلغله في المجتمع الجزائري، إذ تكفيك إطلالة صغيرة بالكلية حتى تتضح لك الصورة، فقلة قليلة جدا من الأساتذة هم من يحترمون المقررات الدراسية، بينما يعمل الأغلبية على الترويج لقناعاتهم الشخصية وللمبادئ السلفية، ليس فقط في التدريس وطريقة تلقين المعلومة، لكن حتى في الترويج للسلوكات وطريقة اللباس وطريقة النقاش، فأغلب الطلبة في الأحياء الجامعية مثلا يقصرون في الصلاة بدعوة أنهم غير مقيمين، وحتى الأساتذة الذين لا يمشون في هذا الخط تتم محاصرتهم إداريا ويتحالف الجميع ضدهم، فمن لا يمشي في خط السلفية، سواء كان في طريقة التدريس أو اللباس أو حتى ممارسة طقوس الحياة اليومية، يتم إدراجه في خانة معينة ويعامل بحذر وربما يُنبذ، كما يعتمد أتباع التيار السلفي الجديد على الانتشار الجماعي واللوبي في كل شيء، بما في ذلك العلاقات الشخصية والخاصة وتعدّ الجامعة كذلك بيئة للصدام المباشر بين أتباع الحركة السلفية والإخوان المسلمين، وصراع التيارين علي السيطرة علي سلطة القرار الإداري، ناهيك عن إشكالية فرض الاختلاط بين الجنسين، ويعد المصلى أحد حلبات هذا الصراع فإذا كنت من الراغبين في الانتساب إلى أحد الجماعات التي أحكمت قبضتها على مصليات الجامعة سواء المتتبعين للمنهج السلفي أو المعتدل، فإن ذلك لن يتحقق إلا بعد أن تخضع إلى استجواب عن العلماء والشيوخ التي تتبنى أفكارهم، والمعايير الموضوعة من قبلهم، من بينها موقفك من الاحتفال بالمولد النبوي وأذكار الصباح والمساء وغيرها، حيث لا تستطيع الإندماج مع أصحاب التيار السلفي إلا بعد مراقبة تصرفاتك وتمحيصها والتأكد أنها على منهجهم، كما يتم توزيع مطويات وكتبيات على الطالبات والطلبة الذين يقصدون المصلي تفاديا لتمرير أي أفكار من شأنها أن تضلل المتتبعين لهذا المذهب ومنع نشر مطويات وكتب ''فاسدة'' من شأنها الإساءة لسمعة المصلى والتيار ككل.
السلفية تحكم سيطرتها على دوائر المال
عودة السلفيين القوية بالأحياء الشعبية والمساجد في الجزائر وابتعاد شبهة الإرهاب عنهم مكنتهم من توجيه اهتمامهم بالأعمال التجارية وشبكة العلاقات والمصالح المادية، فالبعض منهم إستفاد من التسهيلات التي منحتها الدولة لهم بصفتهم تائبين وفقا لبنود وقوانين مواثيق المصالحة الوطنية، كما ساعدت علاقات بعض أقطاب السلفية مع زعماء الخليج، بعض الشباب السلفي في الجزائر ممن يتقنون الفرنسية التواصل مع غيرهم في أروبا وفرنسا خاصة، للتوسع دائرة أعمال السلفيين حيث صارت لهم يد في كثير من أعمال الاستيراد والتصدير في مجال الكتاب والألبسة والافرشة والأثاث، كما أصبح السلفييون معروفون بتجارة "الشنطة" عبر خطوط تركيا الجزائر والجزائر المملكة العربية السعودية، زد إلى ذلك تجارة العطور والمصاحف وكذا الأقراص المضغوطة والمسك والسواك التي تنتعش أمام المساجد.
تقاليد المجتمع الجزائري لا تعني السلفيين!
من المعروف أن أتباع الحركة السلفية ينتمون إلى الطبقات المتوسطة وطبقة الفقراء والأثرياء أيضا، ويفصلون أنفسهم عن أتباع المذهب المالكي، ويرفضون ممارسة الطقوس الدينية المنتشرة وسط المجتمع الجزائري، بما في ذلك الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أو يوم عاشوراء، حيث يعتبرون هذه التقاليد "بدعا" أضيفت إلي الإسلام، كما يفضّل أتباع السلفية العلمية تحديدا العيش في الخفاء بعيدا عن السياسة وأضواء الإعلام، لذلك لا نجد أتباع هذا التيار يمارسون الدعوة من أجل الانتماء إلى مجموعاتهم، لكن في المقابل لا ينتقدون علنا المجتمع الذي يعيشون فيه ولا ينخرطون في الجمعيات الخيرية ولا يشاركون في حلقات إبداء الرأي علنا إلا في الحلقات الضيقة فيما بينهم،وهم يتميّزون باللباس الأفغاني لأنّهم لا يقبلون التشبّه بالكفار، وقد تسبّب تميّز مظهرهم وسط المجتمع الجزائريّ في تضايق شرائح واسعة من الجماهير أو النخبة الحاكمة علي حدّ سواء، كما يرفض أتباع السلفية سعي بعض الرموز في الحكومة منع اللباس الأفغانيّ حفاظا علي وحدة المجتمع الجزائري، حيث لقيت تلك المساعي رفضا قاطعا من حركة السلفية العلمية التي تطالب بحرية ممارسة الشعائر الدينية وإتّباع المنهج السلفي في الجزائر في ظلّ الاحترام التامّ لقوانين الدولة ووزارة الشؤون الدينية، ويعيش الإسلاميون عموما العديد من الإشكالات التي تعيق سير حياتهم الاعتيادية، بسبب رفض دمجهم في المؤسسات العمومية، خصوصا فئة النساء المحجبات اللواتي يعانين من التمييز بسبب مظهرهن وارتدائهن النقاب
س. زموش