الوطن

الابتزاز والضغط اساليب فرنسا للهيمنة على الجزائر

اتفاقيات تعاون رغم استمرار احتقار القضاء والتشريع الجزائري

 

شركات فرنسية تتحايل على القانون وتستعمل الجزائريين  "كخماسة"

توّجت زيارة الوزير الأول الفرنسي جان مارك أيرو والوفد المرافق له للجزائر بالتوقيع على 13 اتفاقية للتعاون بين الجزائر وفرنسا في مختلف المجالات، تضاف إلى الـ7 اتفاقيات التي وقعت خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للجزائر قبل عام من اليوم، ليصل العدد إلى 20 عقد تعاون بين البلدين وقع في عام واحد فقط، وهو رقم كبير ومثير للاهتمام، خاصة وأن مبدأ العمل على "تطوير العلاقات وفتح صفحة جديدة" مع الجزائر الذي تبنته فرنسا جاء في فترة حساسة بالنسبة لها، فالأزمة الاقتصادية المستعصية التي حلت بباريس والتي أنزلت من شعبية الرئيس الاشتراكي هولاند قد تكون أقرب "تفسير" للمساعي الفرنسية للعمل على تعزيز التعاون الثنائي مع الجزائر في هذا التوقيت بالذات، ما يرجح كفة الفرضية القائلة إن فرنسا تسعى من خلال خلق هذا التعاون إلى تحقيق مصالح "آنية" تخرجها من مرحلة الأزمة التي يمر بها اقتصادها، بينما تحاول الجزائر وضع ثوابت لعلاقات قوية اقتصاديا والاستفادة من الخبرة الفرنسية في هذا القطاع وخلق مناصب عمل واستيراد التكنولوجيا وتقنيات التحكم فيها حتى وإن كانت النتائج بعيدة المدى.

لا أحد باستطاعته إنكار أن العلاقات الجزائرية الفرنسية هي علاقات متميزة ولها خصوصية، منه ما تعلق بالشق الاجتماعي والاقتصادي، حيث تعتبر الجالية الجزائرية في فرنسا من أكبر الجاليات في المهجر، ويصل عدد المقيّدين في سجلات 18 قنصلية جزائرية في فرنسا إلى نحو مليون و300 ألف جزائري يعتقد أن ما يقرب من 800 ألف منهم (حوالي الثلثين) يحملون جنسية جزائرية وفرنسية مزدوجة، من جانب آخر تعتبر الجالية الطلابية الجزائرية بفرنسا الثالثة من حيث العدد مقارنة بالدول الأخرى، كما يستفيد الجزائريون سنويا من ألف تأشيرة للعلاج بهذا البلد، في حين تساهم الاستثمارات الفرنسية في الجزائر سنويا في استغلال حوالي 35 ألف منصب شغل مباشر و100 ألف منصب شغل غير مباشر، لكن كل هذا لا يعتبر كافيا لتحقيق معادلة متوازنة بين فرنسا والجزائر على أساس قاعدة رابح-رابح، باعتبار أن مساعي خلق تعاون مكثف بين البلدين في هذه الفترة يختلف كثيرا، حيث تحاول فرنسا من خلال تبني مبدأ -"فتح صفحة جديدة مع الجزائر" وتطوير العلاقات- على تحقيق مصالح اقتصادية فورية، بغض النظر عن مدى استفادة الطرف الآخر من هذا التعاون، وأبسط مثال على ذلك هو التجاوزات الخطيرة والخروقات الكبيرة التي تقع فيها الشركات الفرنسية في الجزائر والتي تحاول الحكومة الفرنسية إخفاءها بممارسة الضغط عن طريق حكومتها وسفارتها في الجزائر واستعمال كذلك بعض الاطراف الجزائرية بما فيها بعض العناوين الصحفية كما تقوم باريس بحملات منظمة تستعمل وجودها ونفوذها في المحافل الدولية وخاصة المؤسسات المالية من اجل الضغط والمساومة وحصد المشاريع دون مناقصات وبأسعار وهمية ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر مؤسسة "سانوفي "لإنتاج المواد الصيدلانية، والتي كشفت تحقيقات مصالح الجمارك، منذ ما يقارب الثلاث سنوات تورطها في تهريب العملة الصعبة، طيلة الفترة الممتدة بين 2008 و2011، بتضخيم فواتير استيراد أدوية موجهة لمرضى السرطان ومواد أولية لتصنيع أدوية السكري ومضادات الالتهابات، 70 مرة، حيث بلغت قيمة العملة الصعبة المهربة حوالي 6 ملايين أورو، أو ما يعادل 62 مليار تخص سبع منازعات فقط، كما تشير مراسلات رسمية، إلى وجود تجاوزات وخروقات في حوالي 5 آلاف تصريح جمركي قامت به الشركة بين 2008 و2011، سبعون منها تمت خلال 2011 فقط، وذلك في عمليات استيراد أدوية موجة لمرضى السرطان حيث تبيّن بأن القيمة المصرّح بها لا تطابق الأسعار الموجودة في الأسواق الخارجية. علما أن الغرض الحقيقي من العملية هو تحويل العملة الصعبة، ورغم وجود الادلة التي تثبت تورط مجمع "سانوفي" في تهريب العملة الصعبة، إلا أن تحرك الحكومة الفرنسية عن طريق السفارة الفرنسية في الجزائر وكذا شخصيات سياسية واقتصادية بارزة حال دون تطبيق الأحكام القضائية "الرادعة" في حق هذه المؤسسة ومسؤوليها، ليتحول مجمع "سانوفي" إلى أكبر مجمع صيدلي في العالم على ظهر الاقتصاد الوطني، التجاوزات القانونية لا تتوقف عند مجمع "سانوفي" فحسب فمؤسسة لافارج لإنتاج وصناعة الإسمنت هي الأخرى مثال آخر لسياسة "النهب" التي تنتهجها فرنسا مع الجزائر عن طريق الاستثمارات واتفاقيات التعاون حيث باتت هذه المؤسسة تستعمل المؤسسات الجزائرية كـ"خماسة" عندها وتتورط في تجاوزات خطيرة تم تسجيلها في تعاملاتها مع المؤسسات الجزائرية، وفي هذا الصدد كشف عدد من المسؤولين النقابيين في أكثر من مرة أن مؤسسة "لافارج" الفرنسية لإنتاج الإسمنت بالجزائر، باتت تعامل المؤسسات الجزائرية التي تتعامل معها وتزودها بالحصى والرمل لإنتاج الإسمنت معاملة عنصرية، حيث رفضت دفع المستحقات المترتبة عنها للمؤسسات الجزائرية، كما ترفض التعامل مع المتعاملين والمؤسسات الجزائرية بشكل قانوني وفق العقود التي وقعتها معها هذه الأخيرة، زيادة إلى الخروقات التي تمارسها في حق العمال الجزائريين بالضغط عليهم بشتى الوسائل من أجل استخلاف هذه الإطارات الجزائرية بإطارات فرنسية الأمر الذي دفع بالعمال إلى تنظيم احتجاجات في كثير من المرات، هذا ولم تخرج شركة ميشلان لصناعة أطر السيارات التي قررت الدولة ممارسة حق الشفعة عليها من أصبع الاتهام، فقد أفادت مصادر ببنك الجزائر أن البنك فتح تحقيقا حول التحويلات التي قامت بها شركة "ميشلان " إلى فرنسا، كما قام بإيفاد بعثة تضم خبراء ومحققين إلى البنوك التي تتعامل معها الشركة للتدقيق في الأموال التي حولتها الشركة في الفترة الأخيرة بسبب شكوك حول طبيعة بعض هذه التحويلات، والتي قد تخفي وراءها تهريبات للعملة الصعبة، كل هذه الأمثلة تعزز الفرضية القائلة إن فرنسا تعتبر الجزائر "البقرة الحلوب" وأن أي اتفاقيات تعاون بين البلدين لن تكون إلا اذا ضمنت فرنسا مصالحها قبل كل شيء وأن الدفء في العلاقات الذي تريد فرنسا إعادته يخفي وراءه طمعا في إعادة بسط النفوذ في المنطقة والخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعرفها تحت غطاء الشراكة والاستثمار خاصة وأن الجزائر تعرف بحبوحة مالية كبيرة.

س. زموش

من نفس القسم الوطن