الوطن

محدّدات النفوذ الفرنسي في الجزائر

الثقافة والسياسة والاقتصاد

 

للحديث عن العلاقات الفرنسية-الجزائرية ومدى تغلغل النفوذ الفرنسي في مؤسسات الدولة الجزائرية، فلابد من الحديث عن أطوارها المختلفة من المواجهة إلى التعايش إلى التنسيق والتعاون الكامل، مع الإشارة إلى الروابط الاقتصادية والسياسية والثقافية والمصالح الجيوسياسية التي تدفع إلى الاهتمام بمسار العلاقات الجزائرية-الفرنسية، وهل هي علاقات صحية مبنية على الاعتماد المتبادل أم أنها علاقات تبعية بين المركز والأطراف.

 

حيث نجد أن كثيرا من الخصوصية تحيط بالعلاقات الفرنسية الجزائرية، وربما لا نجد هذه الخصوصية في العلاقات الفرنسية بباقي دول المنطقة، ومرد ذلك الأمر لتاريخ طويل من العلاقات الثنائية التي انتقلت أطوارها المختلفة عبر مسار كرونولوجي من صراع وتنافس وصل إلى الصدام والمواجهة في مرحلة السبعينيات خاصة بعد التورط الفرنسي في دعم المغرب وانحيازها له مما شكل تهديدا مباشرا للأمن الوطني الجزائري، لتصل تلك العلاقات إلى مرحلة التعايش في ثمانينيات القرن الماضي، ثم تأخذ طابع التنسيق والتعاون في التسعينيات خاصة في الملفات الأمنية وهي الفترة التي عرفت تنامي النفوذ الفرنسي بالجزائر بشكل لافت.

وعرف عهد الرئيس بوتفليقة من آواخر التسعينيات وحتى الآن حالات من الشد والجذب في العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة بعد سن البرلمان الفرنسي لقانون تمجيد الاستعمار في عام 2005، الذي خلق نوعا من التوتر بين البلدين تمثل في تخفيض الزيارات الرسمية بين البلدين، لتعود العلاقات لتعرف نوعا من التحسن في العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة حيث بلغ التنسيق والتعاون الأمني مستويات متقدمة خاصة في أزمة مالي وملف الأمن في منطقة الساحل الإفريقي التي تمثل العمق الاستراتيجي للجزائر وفضاءها الحيوي.

والحديث عن النفوذ الفرنسي بالجزائر يستلزم حتما الإشارة للمسألة الثقافية ومدى تغلغل وانتشار اللغة الفرنسية في مؤسسات الدولة الجزائرية، ففي أحدث تقرير لها كشفت المنظمة الدولية للفرنكوفونية حول وضع اللغة الفرنسية في الجزائر أن عدد الفرنكوفونيين في بلادنا يقدر بنحو 11.2 مليون جزائري. وجاء في التقرير أن الجزائر هي الثانية بعد تونس من حيث عدد الفرنكوفونيين بنسبة % 57 من عدد السكان. هذه الأرقام ومعطيات تكشف وبجلاء حجم التأثير الفرنسي على المشهدين الثقافي والاجتماعي، وبالتالي التأثير على المشهد السياسي، ولا نذيع سرا إذا كشفنا مثلا أنه جاء في قانون المالية الفرنسي لعام 2010 أنه تم تخصيص مبلغ مليار أورو لدعم الفرنكوفونية في العالم ومنها الجزائر هذا الاهتمام الكبير بنشر الثقافة الفرنسية يؤكد أحد أهم معالم السياسة الفرنسية بتحولها من إمبراطورية تحكم نصف الكرة الأرضية إلى ثقافة. 

في الشأن الاقتصادي تؤكد كل التحاليل والدراسات أن السياسة الخارجية الفرنسية لم تتغير وكانت دائما وفي كل الحقب التاريخية ترى في الجزائر منطقة نفوذ. فهي تمثل مجالا استراتيجيا حيويا لفرنسا على الصعيد الاقتصادي. كما يمثل النفط والغاز الجـزائريان مصدرا أساسيا للطاقة الفرنسية، وتحظى الشركات الفرنسية بأفضلية في منح عقود الاستثمار وهو الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يفاتح الرئيس بوتفليقة في الموضوع وقال له إن الشركات الروسية تعاني من التمييز لأن الفرنسيين يستحوذون على كل شيء.

كما أن التطرق لموضوع عن النفوذ الفرنسي في الجزائر يقود بالضرورة إلى الحديث عن بؤرة النفوذ الفرنسي في الجزائر وهو ما اصطلح على تسميته بحزب فرنسا في الجزائر وهو كيان افتراضي لمجموعة من الإطارات الجزائرية مزدوجة الجنسية والمتشبعة بالثقافة الفرنسية ومتواجدة في الإدارة والاقتصاد والإعلام وقطاعات أخرى بالغة الحيوية. هؤلاء بحكم مواقعهم الحساسة في مؤسسات الدولة الجزائرية وبحكم ميلهم الثقافي لفرنسا فهم يعملون على مسايرة السياسات الفرنسية المختلفة في الجزائر وفي المنطقة حتى أنه يقال فيهم إنه إذا سقطت الأمطار في باريس فهم يستعملون المطريات هنا بالجزائر.

 وهذا ما أعطى وسيعطي لفرنسا قوة تأثير كبرى على عملية صنع القرار في الجزائر، ولا أدل من ذلك أنها صارت محجا ضروريا للمسؤولين الجزائريين خاصة مع اقتراب الاستحقاقات السياسية الكبرى لبلادنا. وهو ما يعني عند المتتبعين أنه ستكون لباريس كلمة فاصلة في تحديد المسار السياسي في الجزائر والمساهمة الفعالة في تحديد هوية من سيقيم في قصر المرادية، وهو ما يشير له الدور الفعال للسفارة الفرنسية في الجزائر عبر متابعة وتحليل المشهد السياسي للقيام بما يلزم لضمان استمرارية النفوذ الفرنسي في بلادنا.

 

محمد دخوش

من نفس القسم الوطن