الوطن

شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله في ذمة الله

الذاكرة الجزائرية تفقد أحد عمالقتها

 

 

برحيله تكون الجزائر قد فقدت أحد كبار ذاكرتها الجماعية، كيف لا وهو من أرّخ للتاريخ الجزائري من الفترة العثمانية إلى عصرنا هذا، يمتلك في جعبته العديد من المؤلفات التي تعنى بالتاريخ والذاكرة الجزائرية ويعد شيخ المؤرخين الجزائريين. 

 

رحل شيخ المؤرخين  "أبو القاسم سعد الله" بمستشفى عين النعجة بالعاصمة عن عمر يناهز 83 سنة، وكان قد دخل المستشفى بعد معاناته مع المرض. وحسب المعلومات التي وردت، فإن الفقيد سيشيع إلى مثواه الأخير اليوم بمسقط رأسه قمار بولاية الوادي. أبو القاسم سعد الله شيخ المؤرخين الجزائريين من مواليد 1930م بضواحي قمار بولاية الوادي، باحث ومؤرخ، حفظ القرآن الكريم، وتلقى مبادئ العلوم من لغة ‏وفقه ودين ، وهو من رجالات الفكر البارزين، ومن أعلام الإصلاح ‏الاجتماعي والديني. ‏ له سجل علمي حافل بالإنجازات: من وظائف، ومؤلفات، وترجمات. درس بجامع الزيتونة من سنة 1947 حتى 1954 واحتل المرتبة الثانية في دفعته. بدأ يكتب في صحيفة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1954، وكان يطلق عليه «الناقد الصغير». كما درس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في القاهرة، وحاز على شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية سنة 1962، ثم انتقل إلى أميركا سنة 1962، حيث درس في جامعة منيسوتا التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر باللغة الإنجليزية سنة 1965 . يملك في سجله العديد من المؤلفات والكتب أبرزها موسوعة تاريخ الجزائر الثقافي من 9 مجلدات، والتي صدرت عن دار الغرب الإسلامي ببيروت عام 1998، كما يملك أيضا أبحاثا وآراء في تاريخ الجزائر من 5 أجزاء عن نفس الدار سنوات 1993، 1996، 2004. وفي سجله أيضا الحركة الوطنية الجزائرية من 4 أجزاء عن نفس الدار كذلك سنوات 1969، 1992 ، 1997. ومن الكتب التي أثرت رصيده المعرفي كذلك محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث والتي تتناول فترة بداية الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وصدرت في مصر عام 1970، فيما صدرت الطبعة الثالثة بالجزائر عام 1982. معروف عن بلقاسم سعد الله حسب ما ورد عنه من كتابات للناس الذين عاشروه طيلة فترات حياته، حبه للاطلاع والمعرفة دائما، حيث بدأ الكتابة في سن الشباب من خلال مؤلف “منطلقات فكرية” وهو عبارة عن مقالات وأبحاث كانت في الفكر والثقافة وفي السجال الثقافي والجهد الفكري في البحث عن طريق خاص تتلاقى فيه أصالة الهوية بروح الانفتاح على حداثة العالم.

عرف عن الفقيد أنه متئد وهادىء تبين ذلك من خلال عمله الضخم والمثير الذي أفنى فيه سنوات من عمره، المتعلق بتاريخ الجزائر الثقافي من الفترة العثمانية إلى عشية استقلال الجزائر والذي استغرق مدة زمنية ضاربة في الزمن القديم، كشفت أعماله عن نتاج ثقافي من أدب وفقه وتاريخ وفلسفة وتصوف وعمران وفنون وعن مسارات لعلماء ومثقفين وعلاقاتهم بالحكم وبالمجتمع وبالحياة وببعضهم البعض وبالإدارة الاستعمارية وبالاتجاهات التي ظل يفرزها ميزان القوة المتجدد والمتحول والمتغير. كابد أبو القاسم سعد الله الآلام، آلام النكران وآلام الغربة والتهميش وآلام المرض والمعاناة من أجل العلم، فالعلم عند الفقيد هو الضامن الحقيقي لنقاء واستقلالية الإنسان والمفكر ولإخلاصه ووفائه تجاه خالقه ووطنه وأبناء وطنه وأفراد عائلته وأبناء الجيل الجديد. تحاشى سعد الله في أكثر من مناسبة تجنب تقلد المسؤوليات التي عرضها عليه مسؤولون جزائريون، كرئيس للجامعة، ثم كوزير، وكاتب دولة في وزارة الثقافة والإعلام. ولم تكن اعتذاراته خوفا من تحمّل المسؤولية، بل كانت تكشف عن معدن أصيل، هو معدن المثقف المستقل، المثقف النقدي والحريص إلى درجة الغيرة على حريته وتلك المسافة التي يجب أن يتمتع بها كل مثقف حقيقي من ذوي الضمائر الإنسانية الحرة.

فيصل شيباني 


 

 

من نفس القسم الوطن