الحدث

زيارة ودلالات

الرئيس تبون يبعث برسائل قوية من روسيا

أنهى أمس، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، زيارة الدولة التي قادته الثلاثاء الفارط إلى فيديرالية روسيا، ولقد اكتست هذه الزيارة طابعا خاصا بالنظر إلى تقل الملفات المعالجة، ومستوى التوافق والانسجام بين زعيمي البلدين، ولقد تكللت الزيارة بالتوقيع على إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة بين الجزائر وروسيا، إلى جانب إبرام عديد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وبرامج العمل بين حكومتي البلدين، ما جعل من زيارة روسيا منعرجا حاسما في مسار التنمية المستدامة الذي باشرته الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية.

غادر، أمس، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، امس، موسكو عائدا الى أرض الوطن، وقد عرفت هذه الزيارة التاريخية الهامة التي أكدت على متانة العلاقات بين البلدين، نشاط مكثف للرئيس تبون، وخص رئيس الجمهورية خلال هذه الزيارة باستقبال رسمي من طرف نظيره الروسي بقصر الكرملين، قبل أن يعقد الرئيسان محادثات، توسعت فيما بعد لتشمل وفدي البلدين، وعقب هذه المحادثات وفي تصريح مشترك مع نظيره الروسي، شكر رئيس الجمهورية هذا الاخير على الثقة التي وضعها في شخصه وفي الجزائر للقيام بوساطة بين فدرالية روسيا واكرانيا.

وفي إطار هذه الزيارة التي رافقه فيها وفد وزاري هام، أشرف الرئيس تبون على افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري-الروسي الذي شارك فيه 70 متعاملا اقتصاديا جزائريا و200 رجل أعمال روسي، حيث اكد فيه أن الجزائر انطلقت في برنامج إنعاش اقتصادي متعدد الأبعاد وجعلت من سنة 2023، سنة الانعاش الاقتصادي، كما أشرف أيضا على تدشين النصب التذكاري لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، بوسط العاصمة موسكو.

 الجزائر صديق للجميع إلا لمن يعاديها

 أشاد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمواقف نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي قال في حلقة نقاش خلال مشاركته كضيف شرف في أشغال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، إنه معتدل جدا في مداخلاتهط، مضيفا "وأستخلص من كلامه اليوم بأنه صديق لكل العالم، تماما كما الجزائر، إلا من يعادينا". إلى ذلك، أعرب رئيس الجمهورية، عن أمله في أن يسود السلام والتكامل الثقافي والاقتصادي جميع دول العالم، قائلا "لا توجد حروب رابحة، كل الحروب خاسرة"، وتابع قائلا: "أتمنى للبشرية الرقي والرفاه خاصة للشعوب الفقيرة.

 بوتين: "الرئيس تبون زعيم يحترم مصالحه الوطنية"

 بدوره، أثنى رئيس فيدرالية روسيا، فلاديمير بوتين، بسان بطرسبورغ، على شخص رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بوصفه "زعيما يحترم مصالحه الوطنية"، ليضيف ان "جميع الحضور يفهمون ما معنى الوصول الى موسكو والانضمام الينا في هذا المنتدى، فخامة الرئيس الجزائري كزعيم  يحترم مصالحه الوطنية. لدينا علاقات ودية قديمة، نحن نحب الشعب الجزائري منذ 1954، والى 1962 حاربتم من أجل الاستقلال وسقط 1.5 مليون شهيد وبعد حصولكم على الاستقلال، أجرى الجيش الفرنسي التجارب النووية في الصحراء مع ما خلفته من آثار وخيمة".

 وتابع الرئيس الروسي أن لبلاده "علاقات ودية مع الجزائر والدول الافريقية والعربية وهي تضرب بجذورها الى عشرات السنين"، لافتا إلى أن الرئيس تبون "أبدى اهتمامه بما يحدث في اوكرانيا وقال بشكل علني، خلال اللقاء، أنه يدعو للسلام"، شاكرا جهود الجزائر في الوساطة وعلى "رغبتكم في دعم جهود التسوية السلمية للأزمة في أوكرانيا"، من جانب آخر، أكد الرئيس بوتين أن بلاده تتعهد بضمان الأمن الغذائي الدولي وبتقديم الدعم للدول التي تواجه صعوبات في ضمان أمنها الغذائي حيث قال إن بلاده "ستضمن الامن الغذائي الدولي وستقدم الدعم للبلدان التي تعاني من مشاكل" في تحقيق أمنها الغذائي، وأكد الرئيس الروسي ان فيدرالية روسيا حافظت على ترتيبها كأول مصدر للحبوب في العالم حيث قدرت صادرات البلاد العام الفارط من المنتجات الزراعية ب41 مليار دولار من اجمالي صادرات قدرت قيمتها 592 مليار دولار.

وبخصوص الوضع الاقتصادي بروسيا أكد الرئيس الروسي أن المنظومة المالية في البلاد "بشكل عام مستقرة"، لافتا إلى أن "القطاع الخاص وشركاتنا تمكنت من شغل الفراغ الذي تركته الشركات الغربية المنسحبة من روسيا"، وأضاف أن بلاده "كانت وستبقى فاعلا على الساحة الدولية" وأن الاقتصاد الروسي تمكن من الحفاظ على مكانته كسادس اكبر اقتصاد في العالم، لافتا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الروسية في الفترة الأخيرة مكنت من الحفاظ على نشاط المؤسسات وتفادي تذبذب الأسعار مع التحكم في التضخم، كما عرفت عائدات البلاد من القطاعات غير النفطية ارتفاعا أكبر من المتوقع في الاشهر الأولى من العالم الجاري، وفق ما أكده الرئيس الروسي الذي أشار إلى أن الربع الثاني من العام الماضي كان الأصعب بالنسبة لروسيا قبل ان تتحسن الأمور بزيادة الناتج المحلي بنسبة 3.3 بالمائة في أفريل الماضي.

 الجزائريون ولدوا أحرارا وسيبقون كذلك

 وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت الجزائر تتعرض لضغوطات بسبب علاقاتها مع روسيا، أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن الجزائريين "ولدوا أحرارا وسيبقون أحرارا في قراراتهم ومواقفهم"، وخلال إشرافه على افتتاح أشغال هذه الجلسة العلنية، تقدم الرئيس الروسي، بوتين، بشكره لرئيس الجمهورية لمشاركته كضيف شرف في أشغال المنتدى.

 الجزائر أصبحت وجهة استثمار واعدة

  وفي الشق المتعلق بالتعاون الاقتصادي، دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، المستثمرين من روسيا ومن كل دول العالم الى الاستفادة من الفرص والتحفيزات التي تمنحها الجزائر للاستثمار، وقال الرئيس تبون، "أؤكد ان المجال مفتوح أمام المتعاملين الاقتصاديين الذين يمكنهم الاعتماد على دعم الحكومة الجزائرية للمستثمر. وعليه فإنني أدعو الشركات العمومية والقطاع الخاص في روسيا والعالم الى استكشاف بيئة الاعمال في الجزائر والاستفادة من المحفزات التي تتيح لهم انجاز مشاريع استثمارية مجدية في مختلف القطاعات، وفق مقاربة رابح-رابح".

وتطرق الرئيس تبون في هذا الاطار الى قانون الاستثمار الجديد الذي "يعطي كل الامتيازات للمستثمرين ويمنحهم حماية خاصة"، مشيرا الى أنه، ولأول مرة منذ الاستقلال، تم اصدار جميع النصوص التطبيقية لهذا القانون مباشرة بعد صدوره، وذكر بقرار ابقاء قانون الاستثمار دون تغيير لمدة لا تقل عن 10 سنوات وهو "ما سيعطي الضمانات الكافية لكل المستثمرين بما فيهم الاصدقاء من روسيا، كما ذكر رئيس الجمهورية في نفس السياق بأن الجزائر تشهد حاليا "مرحلة مهمة" في مسيرتها التنموية الشاملة من خلال استراتيجيتها الوطنية، حيث أصبحت "وجهة استثمار واعد" بفضل الاصلاحات المحورية التي جسدتها الحكومة والتحفيزات العديدة التي كرست "مناخا محفزا للمتعاملين الاقتصاديين في بلد عازم على تنفيذ خطة استثمارية طموحة خلال السنوات المقبلة لاسيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية والفلاحة والمنتجات الصيدلانية والصناعات المختلفة بما فيما الغذائية والتحويلية"، وأكد أن الجزائر ستعمل على زيادة الاستثمار في الطاقة الخضراء وفي كل المجالات التي من شأنها الإسهام في الحفاظ على البيئة ومكافحة التغير المناخي .

 الجزائر تقترح "مقاربة تشاركية تضامنية" لمواجهة التحديات الراهنة

 إلى ذلك، دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى "مقاربة تشاركية وتضامنية" لمواجهة التحديات الراهنة التي يعرفها العالم، تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف وعلى رأسها الدول الفقيرة، وقال في هذا الشأن إن التحديات والأزمات الراهنة تتطلب "تنسيقا لجهود ومساعي المجتمع الدولي بحثا عن الحلول الفعالة والمستدامة"، مشيدا، في هذا السياق، بمساهمة روسيا في توفير الحبوب وتصديرها الى دول العالم وكذا في استقرار أسعار الطاقة العالمية، وتابع قائلا: "ادعو من هذا المنبر الى تضافر المساعي والعمل سويا وفق مقاربة تشاركية وتضامنية تأخذ بعين الاعتبار مصالح وانشغالات كل الاطراف لاسيما الدول الفقيرة التي تعاني من الاضطرابات والحروب".

 تحذونا إرادة مشتركة مع روسيا للارتقاء بعلاقاتنا الإستراتيجية

 من جهة أخرى، وبخصوص التعاون الاقتصادي الثنائي بين الجزائر وروسيا، أكد الرئيس تبون أنه "لا يقتصر على المبادلات التجارية وإنما يشمل التعاون في عدة مجالات ويحرص على التشاور المنتظم وتبادل وجهات النظر على مستوى منتدى الدول المصدرة للغاز وأوبك لضمان استقرار سوق الطاقة العالمي"، واعتبر رئيس الجمهورية أن المحادثات التي أجراها بموسكو مع نظيره الروسي، شكلت "فرصة سانحة لتجديد ارادتنا المشتركة للارتقاء بعلاقاتنا الاستراتيجية إلى المستويات التي نطمح اليها"، وحيا الرئيس تبون بالمناسبة الخطة التنموية التي استعرضها الرئيس بوتين خلال الجلسة، طيلة اكثر من ساعة من الزمن، واصفا اياها ب"الخطة الكبيرة كبر فيدرالية روسيا"، شاكرا نظيره الروسي على دعوته للمشاركة في المنتدى، مؤكدا "عدم امكانية ان تواجه اي دولة لوحدها الأزمات المتفاقمة في عالمنا المعاصر".

 الرئيس تبون يجدد عزم الجزائر على الانضمام إلى "البريكس"

 وجدد رئيس الجمهورية عزم الجزائر على الانضمام "في اقرب وقت" الى مجموعة "البريكس" لتتمكن من "تحرير اقتصادها نوعا ما من بعض الضغوطات"، وأشار الى ان كون الجزائر من بين الدول القلائل في القارة الافريقية التي لا تعاني من مديونية خارجية وقد تكون الوحيدة في ذلك، اضافة الى تسجيلها نسبة نمو ب4.3  بالمئة، "بوتيرة ستزداد سرعة انطلاقا من السنة الجارية"، لاسيما بفضل دخول قانون الاستثمار الجديد حيز التنفيذ، كما تطرق للسياسية الطاقوية للجزائر والتي تهدف لتكثيف نشاط تحويل المحروقات وتقليل تصدير النفط على شكل خام، مذكرا بأن الجزائر تستهلك اليوم نصف ما تنتجه من الغاز، وأن 72 في المئة من السكان يستفيدون من غاز المدينة في مطابخهم، ومشددا على ضرورة رفع انتاج الغاز للتمكن من رفع التصدير.

 لا لتسييس القرار الاقتصادي...

 من جهة أخرى، دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى عدم تسييس القرار الاقتصادي وإعطاء الأولوية القصوى للنجاعة الاقتصادية، وقال الرئيس تبون، "اتفق مع صديقي فخامة الرئيس بوتين أن خراب الاقتصاد يأتي لما يتسيس القرار الاقتصادي، القرار الاقتصادي يجب ان يكون غير سياسي، ما يهم النجاعة الاقتصادية وفقط"، وتطرق الرئيس تبون بالمناسبة الى السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الجزائر والتي تهدف ل"تحرير" الجزائر من التبعية للمحروقات، من خلال "استقطاب الاستثمار الوطني قبل كل شيء ثم الاستثمار الدولي حتى تكون لنا صادرات متنوعة تساوي صادرات المحروقات".

 

.

من نفس القسم الحدث