الحدث

البرلمان الأوروبي يفقد ما تبقى من مصداقيته "الزائفة"

ردود فعل داخلية وخارجية قوية تدين مضمون لائحته بشأن الجزائر

أثارت اللائحة المستفزة التي تبناها البرلمان الأوروبي حول حرية الصحافة في الجزائر، ردود فعل قوية من المؤسسات الرسمية والطبقة السياسية والمجتمع المدني، التي أجمعت على أن ما صدر عن هذه الهيئة يعد "تدخلا سافرا في الشأن الداخلي لبلد سيد"، مرده الأيديولوجيات السياسية البالية التي لا تزال هذه المؤسسة الدولية تتبناها، والقائمة على مبدأ وعقلية الوصاية والاستعلاء، وتبني سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية في التعامل بين العواصم وحتى مع كبريات الملفات العادلة في العالم. 

توالت بيانات الاستنكار والشجب خلال الـ48 ساعة الأخيرة، ردا على المضمون الجائر للائحة البرلمان الاوروبي حول وضع حرية التعبير في الجزائر، فقد أصدر البرلمان بغرفتيه بيانيين شديدي اللهجة وصف من خلالها لائحة المؤسسة التشريعية الأوروبية بالانزلاق الخطير، والتدخل السافر في الشأن الداخلي، حيث أدان المجلس الشعبي الوطني بأشد العبارات لائحة البرلمان الأوروبي حول حرية التعبير والصحافة بالجزائر لما تضمنته من تضليل ومغالطات، معتبرا إياها تدخلا سافرا ومرفوضا في الشأن الداخلي للبلد، وجاء في البيان "اطلعنا باستياء شديد على لائحة البرلمان الأوروبي حول حرية التعبير والصحافة بالجزائر لما تضمنته من تضليل ومغالطات بعيدة كل البعد عن حقائق الوضع في الجزائر وما تشهده الساحة الإعلامية من حركية وانفتاح وحرية، وإذ يدين المجلس الشعبي الوطني بأشد العبارات ما ورد في اللائحة فهو يعتبره تدخلا سافرا ومرفوضا في الشأن الداخلي من البرلمان الأوروبي اتجاه بلادنا التي عزمت على إقلاع حقيقي من خلال بناء مؤسساتها الدستورية السيدة".

بدوره، تضمن بيان الغرفة العليا للبرلمان عبارات شديدة اللهجة، أعرب من خلالها عن "مطلق رفضه وإستهجانه" لمضمون بيان البرلمان الأوروبي، الذي قال إنه تضمن "مغالطات فظيعة تحت ذريعة مبادئ القانون الدولي مع التمادي في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة سيدة"، مؤكدا أنه يعرب عن مطلق رفضه واستهجانه للسقوط المتكرر لمؤسسة البرلمان الأوروبي التي أطلت علينا اليوم دونما خجل ببيان مبتور فيه مغالطات فظيعة، متكئة ومتلفعة بمبادئ القانون الدولي، وهو في واقع الأمر لم يكن ذلك إلا غطاء، والمبادئ الأخلاقية إلا ذريعة"، ليضيف أن "هذا الانحلال والانزلاق الخطير يعتبر تدخلا متواترا ومردودا عليه وتماديا في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة سيدة وتكالب دفين تحركه أيادي عبثت ولا تزال بهذه المؤسسة التي تكاد تنزع عنها أي مصداقية لدى شرفاء العالم".

وذكرت وثيقة مجلس الأمة، أن البرلمان الأوروبي "أضحى مؤسسة اعتادت الإبحار في سياسة التعالي والاستعلاء، تدعو لحقوق الإنسان في دول بذاتها وتغتالها في أخرى يطالب بالحرية ويمالئ الاستبداد، يدعو لحكم القانون ويغتني بالاستغلال، مرتكزا على أغلاط مركبة قانونيا وسياسيا ودبلوماسيا وأخلاقيا". 

الأحزاب والجمعيات "تقصف" البرلمان الأوروبي

بدورها، استنكرت أحزاب سياسية وجمعيات لائحة البرلمان الأوروبي بخصوص حرية التعبير في الجزائر، معتبرة ما جاء في مضمونها "انزلاقا وتدخلا سافرا" في الشؤون الداخلية للجزائر، فقد أدانت جبهة المستقبل ما جاء في بيان البرلمان الأوروبي، معتبرة اياه "تدخلا  في الشأن الداخلي لدولة مستقلة كاملة السيادة"، وأضاف الحزب في بيان له أنه كان "حريا بهذا البرلمان أن يبدأ بمشاكل دوله الأعضاء أو الدول والشعوب التي لازالت تحت وطأة الاستعمار كالشعبين الشقيقين الفلسطيني والصحراوي" معتبرا ما جاء في مضمون  اللائحة "لا حدث وحلقة أخرى في سلسلة المؤامرات التي تحاك ضد الجزائر التي تخطوا كل يوم خطوات جبارة في شتى المجالات والميادين".

بدوره، أعرب حزب جبهة التحرير الوطني في بيان له، عن "استيائه الشديد" لما تضمنته لائحة البرلمان الأوروبي من "تضليل ومغالطات بعيدة كل البعد عن حقيقة المسار السياسي في الجزائر وما يشهده مجال الحريات والنشاط الجمعوي والنقابي والمشهد الإعلامي والحقوقي من انفتاح وحرية واحترام لحقوق الإنسان"، واعتبر اللائحة "وقاحة وتدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للجزائر، من طرف جهة أجنبية نصبت نفسها وصية على دولة حرة مستقلة وسيدة ترفض كل إملاءات خارجية من أي طرف مهما كان"، مضيفا بأن الشعب الجزائري "الذي دفع ملايين الشهداء ضد من انتهكوا حريته وكرامته وحقه في الحياة، له وحده الحق في الحكم على سياسات بلده والإقرار بشأن حاضره ومستقبله، وهو يرفض بالمطلق أن يمنح البرلمان الأوروبي أو غيره  حرية الحكم على ما يجري في الجزائر من خلال لائحة استفزازية انتقائية وغير موضوعية"، كما أشار الحزب العتيد الى أن اللائحة "تتغاضى عمدا ولأهداف مغرضة مسيئة وتشويهية، عما تشهده الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من حرص أكيد على إقامة مجتمع الحريات سواء تعلق الأمر بالنشاط السياسي والجمعوي والنقابي أو بحرية التعبير والصحافة". 

المجلس الوطني للصحفيين: "لائحة البرلمان الأوروبي مسيسة"

ولم تتوقف ردود الفعل عند التشكيلات السياسية، فقد سارعت جمعيات إلى التعبير عن رفضها للائحة البرلمان الأاوروبي، التي وصفها المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين بـ "المسيسة" حول الجزائر، موضحا أن هذه الهيئة تقوم من خلالها ب"التدخل في الشؤون الجزائرية كما حاولت من قبل التدخل في شؤون عديد الدول النامية بهدف تحقيق الهيمنة والتأثير على الرأي العالم الدولي".      

مرصد المجتمع المدني: "مضمون اللائحة سقطة أخرى للبرلمان الأوروبي"

وفي نفس السياق، استنكر المرصد الوطني للمجتمع المدني هو الآخر  بشدة "التدخل السافر للبرلمان الأوربي في الشؤون الداخلية  للجزائر"، مؤكدا "رفضه المطلق لكل ما جاء في لائحته،  التي حملت ادعاءات مغلوطة، مغلفة بالحرص على حقوق الإنسان وحرية التعبير بينما هي سقطة أخرى تنم عن إرادة  للنيل من صورة الجزائر التي انخرطت في ديناميكية إصلاحية أساسها تعزيز قيم المواطنة وتكريس مبادئ الحكامة  وترقية حقوق الإنسان". 

فيما أكد المجلس الأعلى للشباب بدوره أن مضمون البيان الصادر، عن البرلمان الأوروبي والذي استند على "معلومات وقراءات مغلوطة" يعد "تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية للجزائر، التي تمكنت من "بناء تجربة ديمقراطية ظلت عصية على الانسياق وراء الأجندات المتعفنة"، وأضاف ان تحامل البرلمان الأوروبي على الجزائر "لن يزيدها إلا تمسكا بنهج التغيير الذي قطعت فيه أشواطا كبيرة لا ينكرها إلا جاهل أعمته مصالحه الضيقة، وأجندات شبكات الفساد التي تحكمت في كل مفاصله عن ملاحظة القفزة النوعية التي تحققها الجزائر في مجال تعزيز الحريات وحقوق الإنسان".

بدورها أصدرت فعاليات المجتمع المدني، بيانا نددت فيه بفحوى لائحة البرلمان الأوربي معتبرة ما جاء فيها "تدخلا سافرا" في الشأن الجزائري الداخلي" و"انتهاكا صارخا للسيادة الجزائرية، وتحد للإرادة الشعبية وخرقا لكل الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في العلاقات الدولية"، وأشارت هذه الفعاليات أن البرلمان الأوروبي "تعود على الانخراط بشكل مباشر في شأننا الداخلي، والعمل بكل ما في وسعه من أجل إدخال بلادنا في حالة من الفوضى واللا أمن والعمل على إسقاط المؤسسات الوطنية".

البرلمان العربي ونظيره الإفريقي ينتصران للجزائر

ولم تقتصر ردود الأفعال المستنكرة لخرجة البرلمان الأوربي على المستوى المحلي بل تعدتها إلى الفضاء الإقليمي للجزائر حيث عبر البرلمان الإفريقي عن استنكاره ورفضه لمضمون اللائحة، التي تهدف الى "التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر والدول الإفريقية عامة"، حين أكد "رفضه القاطع واستنكاره الشديد" لهذه اللائحة معتبرا إياها "تدخلا سافرا وغير مقبول في الشؤون الداخلية للجزائر، واستمرارا لنهج غير مقبول من البيانات المشابهة التي يصدرها البرلمان الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في الدول العربية"، وأكد البرلمان العربي، "رفضه" لما تضمنه بيان البرلمان الأوروبي من "أكاذيب ومعلومات مضللة، لا تستند إلى أية حقائق أو دلائل موضوعية".

بدوره، أعرب برلمان عموم إفريقيا عن إدانته ورفضه لأي تدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، حين قال في بيان له "يدين البرلمان الأفريقي ويرفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للجزائر وجميع الدول الأفريقية، ويذكّر بأن البرلمانيين القاريين قد اتفقا في ديسمبر 2022 ببروكسل على ضرورة التشاور بشأن القضايا ذات الصلة بالقارتين قبل اتخاذ أي قرار أو لائحة"، وإذ يعرب البرلمان الأفريقي عن "أسفه" ازاء القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بشأن حرية الصحافة في الجزائر، فإنه يذكر أن وسائل الإعلام في الجزائر تتمتع بحرية تامة منذ أن انخرط هذا البلد منذ ثلاثة عقود في مسار ديمقراطي"، وأكد البرلمان الأفريقي في بيانه أن "عدد الصحف اليومية وقنوات التلفزيون العمومية والخاصة تعد دليلا على وجود حرية الصحافة في الجزائر".

وتواصلت ردود الفعل، التي شملت أيضا البرلمان العربي الذي عبر بدوره عن رفضه القاطع واستنكاره الشديد للبيان الذي أصدره البرلمان الأوروبي بشأن حرية التعبير في الجزائر معتبرا أنه تدخل سافر وغير مقبول في الشؤون الداخلية للجزائر، واستمرارا لنهج غير مقبول من البيانات المشابهة التي يصدرها البرلمان الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في الدول العربية، مشددا على أن مضمون اللائحة عبارة عن "أكاذيب ومعلومات مضللة، لا تستند إلى أية حقائق أو دلائل موضوعية"، وأن "ما تضمنه البيان من مفردات غير مقبولة ولهجة استعلائية، يمثل انتهاكا صارخا لمبادئ الأمم المتحدة ولكافة الأعراف والقوانين الدولية التي تؤكد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، وجدد البرلمان العربي مطالبته لنظيره الأوروبي بالتوقف الفوري والتام عن تنصيب نفسه وصيا على الدول العربية، كما طالبه بعدم تسييس قضايا حقوق الإنسان واستخدامها كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية الجزائرية، لاسيما في ظل وجود مؤسسات دستورية وقضائية كفيلة بتوفير وتطبيق كافة الضمانات اللازمة لحرية الرأي وحماية حقوق الإنسان في المجتمع الجزائري، فيما دعا الجزائر وغيرها من الدول العربية إلى عدم الالتفات إلى مثل هذه "البيانات المشبوهة" باعتبارها صادرة عن "جهة ليست لها سلطة أو ولاية لتقييم حقوق الإنسان في الدول العربية".

وبالنظر إلى حجم السقطات التي وقعت فيها هذه المؤسسة الأوروبية، خاصة بعد تورط نواب عنها في فضيحة الفساد المدوية، يكون البرلمان الأوروبي وبعد أن تورط مجددا في التدخل في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة، قد فقد ما تبقى له من مصداقية زائفة.

من نفس القسم الحدث