الحدث

أبطال الجزائر.. عندما تمتزج التضحية بالإنسانية

رجال الحماية المدنية يروون تفاصيل تدخلاتهم في زلزال سوريا

أثبت أفراد الحماية المدنية العائدون من سوريا، أن الجزائر بلاد المواقف النبيلة والأفعال، مبرزين أن نجاح عمليات الإنقاذ التي قادوها بحلب كانت نتيجة لجينات الرجولة والشهامة التي يتميز بها الجزائري عن غيره، وأن الجزائر لن تتراجع أبدا عن مبادئها الإنسانية وثوابتها القائمة على دعم ومساندة إخوانها في المحن والوقوف وقفة رجل واحد في الأزمات، بعيدا عن الشعارات والخطابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

عكس رجال الحماية المدنية العائدون من سوريا، صورة مشرفة عن الجزائر، فكانوا أول من لبى نداء الاستغاثة الذي أطلقته الشقيقة سوريا، على أعقاب الزلزال المدمر الذي ضربها مؤخرا وعمّق من جراحها ومآسيها، وخلال استضافتهم في برنامج خاص خصصته الإذاعة الوطنية، أمس، للاحتفاء بهؤلاء الأبطال، حاول أعضاء فريق الحماية المدنية الأشاوس سرد تفاصيل مهمتهم النبيلة في هذا البلد الشقيق ونقل التجربة الرائدة التي خاضوها في مدينة حلب المنكوبة، بطريقة اختلطت فيها مشاعر الفخر والاعتزاز بقيم الإنسانية وجينات الرجولة الزائدة التي يختص بها الرجل الجزائري عن غيره.

استجابة وتأهب مع أولى نداءات الاستغاثة

وفي مداخلته، أكد قائد البعثة المقدم بوشريفي ناصر، أنه وبمجرد وصول نداء الاستغاثة، تم إخطار كل الأفراد الـ86 والاتصال بهم فردا فردا، للتحول على الوحدات ومن ثمة تجميعهم وتحضير العتاد، لافتا إلى أنهم كانوا " متشوقين" لتقديم يد العون للأشقاء في سوريا والمساهمة في إنقاذ الأرواح، ومن جهته، سرد النقيب تيقرين هشام رئيس الفوج، تفاصيل وأجواء الرحلة الجوية التي قادتهم من مطار بوفاريك إلى مطار حلب بسوريا، حين قال إن الفريق وحتى لدى ركوبه الطائرة حرص على تحضير أخر الرتوشات الخاصة بالعملية، فتمت مناقشة مختلف السيناريوهات المحتمل مواجهتها، وعلى الرغم من إيقانهم بخطورة المكان الذي يتوجهون إليهم على ضوء المعلومات التي بلغتهم، غير أن فريق الحماية المدنية، أكد عزمه على إنجاح العملية، وقام مسبقا بالاتفاق بشأن أماكن العمل التي سيتوزعون عليها، والتأكيد على عزهم على إنقاذ أكبر عدد من الأرواح والضحايا أيضا.

وبمجرد أن وطئت أقدام رجال الحماية المدنية مطار حلب، زاد الاستقبال الحار الذي تلقوه من قبل محافظ حلب، من عزيمتهم ومعنوياتهم المرتفعة، ليتوجهوا مباشرة إلى المكان المخصص لقاعدة الحياة، وهنا لفت النقيب هشام إلى أن أكثر المواقف التي ظلت راسخة لدى الفوج الجزائري تبقى "الفرحة الكبيرة التي أبانها محافظ مدينة حلب والطاقم المرافق له بوصول وفد الحماية المدنية الجزائري، خاصة وأنه يعتبر أول وفد سارع لتقديم يد المساعدة في هذا البلد الذي لا يزال في أمس الحاجة للمساعدة".

"خلية الإعلام" ... عين العالم في سوريا

وبالنظر إلى حجم البطولات التي قام بها رجال الحماية المدنية، كان يستوجب ضمان تغطية إعلامية محترفة لنقل صورة حقيقية عما يقوم به رجال الجائر مع أشقائهم السوريين، ليس تفاخرا منهم أو مزايدة، وإنما من اجل تعريف العالم أجمع بأن ما تحقق في سوريا لم يكن له أن يتم إلا إذا كان الفريق جزائريا، وهنا لفت رئيس مكتب الإعلام والتوعية بالحماية المدنية النقيب نسيم برناوي، إلى أن نقل الصورة والمعلومة والاعتماد على التكنولوجيات الحديثة لنقل الحقائق من أرض الميدان، يحظى بأهمية قصوى سواء بالنسبة للقيادة العامة للحماية المدنية أو الشعب الجزائري، والعالم أجمع، ما استوجب ضمان تغطية إعلامية "بحجم بلد مثل الجزائر"، وحول هذه النقطة أكد برناوي أن الشعب الجزائري والعالم أجمع تابع العملية بكل تفاصيلها، معلقا بالقول إن العمل وإن كان شاقا نوعا ما بسبب تذبذب الشبكة العنكبوتية، غير ان الفريق كان يعمل ليل نهار وتأقلم مع الوضع بالتنسيق مع الفريق العامل بالجزائر، ونجح في توثيق الحادثة وعمليات انتشال الضحايا، مشيرا إلى وجود ما أسماه تنسيق وربط بين الفرق العاملة بسوريا وتركيا والقيادة المركزية بالجزائر، وهو ما حرص مركز القيادة على ضمان نجاحه والسهر على التنسيق والربط المحكم بين الجميع.

مركز القيادة...القلب النابض لتسيير عمليات الإغاثة

وحول هذه النقطة، أكد النقيب هشام تيقيرين، أن مركز القيادة يعد القلب النابض لتسيير كل عمليات الإنقاذ في الميدان، وربط الاتصال مع المديرية العامة وخلية الازمة وكذا السلطات المحلية في سوريا المتمثلة في محافظ حلب، موضحا أن المركز يقوم بعديد العمليات كوضع القوائم المتعلقة بالضحايا وبأسماء الذين تم إنقاذهم، على جانب التنسيق بين المجموعات المتدخلة في الميدان مثل تلقي طلبات بالحصول على معدات إضافية، أو ما تعلق بالفرق الطبية أو فرقة الكلاب المدربة، وغيرها، مؤكدا ان المركز اظهر أعلى درجات الجاهزية وعمل وفق النظام المعمول به دوليا للإنقاذ في الكوارث بالمناطق الحضارية.

عمليات بشعار ...." الإنقاذ أو الموت "

"الموت أو الإنقاذ"، بهذه العبارة ختم المقدم بوشريفي ناصر حديثه عن بطولات الفريق الذي عمل تحت قيادته، مبرزا أنه وفي عديد المرات تصادفت عمليات الإجلاء والإنقاذ، تسجيل هزات ارتدادية ما عكس حجم تضحيات الفريق الجزائري، الذي كان يغامر بنفسه وحياته من أجل إنقاذ الأرواح وانتشار جثث الضحايا في مدينة حلب، التي أزمت الطبيعة العمرانية للسكنات من الوضع وصعبت عملية البحث عن الضحايا.

عندما تنزل دموع الرجال...

وفي حديث امتزج فيه الفخر بالحزن، تحدث أعضاء فريق الحماية المدنية عن ظروف انتشالهم لجثث الضحايا واختلاط المشاعر لديهم، حيث أكدوا أن طبيعة عملهم وحرصهم على الحفاظ على معنويات الشعب السوري وأهالي الضحايا، فرضت عليهم في كل مرة كتمان مشاعرهم والتحكم في دموعهم التي قالوا إنها كانت تنهمر بمجرد أن ينعزل أحدهم إلى مكان بعيد ليفرغ شحنة مشاعره، التي كانت ممزوجة بالحزن على الضحايا وأسرهم والفرحة بإنقاذ من كتبت لهم الحياة، معلقين بالقول "في العمل لا مجال للدموع".

نجاح كبير لأسود الجزائر

وفي تدخله، أكد المكلف بالإعلام على مستوى الحماية المدنية عبدات يوسف، أن عملية الإنقاذ في سوريا كانت ناجحة، مشيدا بمستوى الفريق الذي تنقل إلى حلب وكذا جاهزية وتطور العتاد المستعمل في عمليات الإنقاذ، كما أشار إلى أنه كان يمثل همزة وصل بين الفريق المتواجد بسوريا والفريق بالجزائر، وحول طريقة العمل قال عبدات إن الطريقة المعمول بها تعتمد في الأول على إجراء فحص شامل للمنطقة بواسطة الفرقة السينوتقنية للكلاب المدربة وتم بالفعل فحص المنطقة والتأكد من عدم جود أي ضحية، كما تم التحدث مع أسر وعائلات الضحايا الذين قدموا لنا أرقاما تقديرية عن عدد الضحايا المتواجدين تحت الركام، للتواصل عمليات البحث، حيث كان الفريق في سباق مع الزمن لإنقاذ من كتبت لهم الحياة، وأنه مع مرور الوقت كانت حظوظ العثور على أحياء تتضاءل ولا تنعدم فالعناصر كلهم عزيمة، متمسكون ببصيص أمل العثور على ضحايا على قيد الحياة، كما تعامل الأفراد الحماية مع جميع الضحايا على أساس أنهم أحياء إلى غاية الوصول إليهم.

وعن الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة، تحدث عبدات أن الفريق يتكون من 86 عضوا من مختلف الرتب والتخصصات من بين التخصصات تخصص الإنقاذ تحت الردوم تخصص الفرقة السينوتقنية للكلاب المدربة تخصص فرقة ضد الأخطار الإشعاعية والكيميائية، تخصص الفرق الطبية المتخصصة في طب الكوارث يحتوي على أطباء للحماية المدنية وغيرها من الاختصاصات، مضيفا أن الفرق كانت مزودة بعتاد خاص للتدخل للبحث عن الأشخاص تحت الأنقاض من بين هذه الأجهزة نجد جهاز " vibrescop" الذي قال استعملناه بكثرة وهو جهاز "يلتقط أصوات وإن كانت ضئيلة أو ضعيفة ويلتقط صور عن وجدت فتحات من اجل إدخال هذا الجهاز وهو ما ساعدنا كثيرا، إلى جانب الآليات والمعدات الثقيلة، لدينا أجهزة وعتاد ننقله من بلدنا إلى البلد المتضرر أما الآليات الضخمة توفرها السلطات المحلية للدولة المتضررة.

السوريون يرفضون مغادرة الفريق الجزائري

من جهة أخرى، قال عبدات إنه تفاجأ من الحب الكبير الذي يكنه السوريون للجزائر، معلقا بالقول لم أكن أتوقع أن حب واحترام الشعب السوري للجزائر بهذه الدرجة، فمجرد وصولنا حظينا باستقبال حار من الأهالي كما لم يتردد السوريون في استقبالنا وعرض خدماتهم، ليختم بالقول أن أكثر ما أثر فيهم هو لحظة مغادرتهم التراب السوري، أين ودعهم السوريون بالدموع عرفانا منهم بحجم التضحيات التي قدموها، وعظم بطولاتهم.

من نفس القسم الحدث