الحدث

التفجيرات النووية الفرنسية في صحراء الجزائر.. 63 سنة من الإنكار

جرائم بشعة تلطخ وجه الذاكرة وتقف حائلا بين الجزائر وباريس

تمر اليوم 63 سنة على أول تفجير نوي قامت به فرنسا الاستعمارية في الصحراء الجزائرية، جريمة نكراء لا تزال تنكرها فرنسا رغم تعالي عديد الأصوات التي تطالب الحكومات الفرنسية المتعاقبة بالاعتراف بهذه الجرائم التي أتت على الأخضر واليابس وصورت وجه بشعا من وجوه كثيرة لاستعمار غاشم احتل الأرض الجزائرية طيلة 132 سنة وعاث فيها فسادا..التفجيرات النووية في رقان وعين ايكر تبقى جريمة ضد الإنسانية لا يمكن إلا أن تصنف ضمن جرائم الدولة كما أقرته معاهدة روما لعام 1998 في انتظار كسب مزيد من المعارك القانونية ضد الدولة الفرنسية. 

استيقظ سكان منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي بالجزائر صباح يوم 13 فبراير 1960 الساعة السابعة وأربع دقائق على وقع انفجار ضخم ومريع، والذي جعل من القطنة هناك حقلًا للتجارب النووية بعد أن تم تحويل أكثر من 42 ألف مواطن بمنطقة رقان، إلى جانب مجاهدين حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للخبراء الصهاينة وجنرالات فرنسا وعلى رأسها الجنرال ديغول الذي كان يسعى لإدخال فرنسا إلى النادي النووي بأي ثمن.

الجنرال لافو صرَّح أن اختيار منطقة رقان لإجراء تجربة القنبلة الذرية، وقع في جوان 1957، حيث بدأت الأشغال بها سنة 1958، وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي، جميعهم اشتغلوا ليل نهار لإنجاح إجراء التفجيرات النووية في الآجال المحددة لها. وأضاف أن تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية قد بلغت مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الصهيونية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا والكيان الصهيوني في المجال النووي.»

ففي صبيحة هذا اليوم تمت عملية التفجير تحت مسمي «اليربوع الأزرق»، اقتداء بلون الكيان الصهيوني وأول لون من العلم الفرنسي، هذا التفجير الذي سجل بالصوت والصورة بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير بحمودية التي تبعد بحوالي 65 كلم عن رقان المدينة وهذا قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وتم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة.

نفذت فرنسا جريمتها وهي تدرك أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 4500 سنة من وقع إشعاعات نووية لا تبقي ولا تُفرق بين نبات وحيوان وإنسان أو حجر، ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سبق الإصرار، ذلك أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك بنية إظهار عظمتها للعالم مع مد الكيان الصهيوني بالتسلح النووي سراً بأي ثمن.كانت أول قنبلة نووية سطحية بقوة ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان عام 1945.

تلتها قنبلة «اليربوع الأبيض» ثم «اليربوع الأحمر» حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي، لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة حموديا رقان بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت «باليربوع الأخضر»، وهذا في 25 أبريل 1961، لتنفتح شهية النظام الديغولي من أجل التنويع في التجارب النووية في العديد من مناطق الصحراء الجزائرية لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلو طن من خلال التجربة الباطنية التي أطلق عليها اسم «مو***» بمنطقة «إعين ايكر» بالهقار، حيث صرح الجنرال فاو ان اجمالي التفجيرات بالصحراء الجزائرية 117 تفجير نووي بمختلف المقاييس.

تقارير سرية تكشف عن تعريض 150 أسير جزائري لأول تفجير نووي برقان

تكشف الأستاذة بن براهم التي تشارك في إحياء الذكرى الواحد والخمسين برقان، لأول تفجير نووي بصحراء الجزائر، عن استغلال بشع من طرف المستعمر الفرنسي للأرواح البشرية التي استعملتها كفئران تجارب بهدف معرفة مدى تأثير الإشعاعات النووية على الجنس البشري، وفي هذا السياق تؤكد اقتياد 150 أسير جزائري كانوا متواجدين بكل من سجن سيدي بلعباس ومعسكر بوسويه في منطقة الغرب الجزائري، وبشهادة العسكري الذي نقلهم إلى رقان وقال عنه لم يقم بإعادتهم إلى السجون التي أخرجو منها أول مرة..يشار إلى أن التفجيرات النووية المقدرة بـ 210 تجربة أجرتها فرنسا ما بين سنة 1960 و1966.

التفجيرات النووية..جريمة دولة تسمم العلاقات الجزائرية الفرنسية

تسعى دوائر الحنين للماضي الاستعماري, والتي تحاول مقاومة مبدأ إقامة علاقة طبيعية وندية مع الجزائر, إلى اختلاق حوادث هامشية في مسار المعالجة المسؤولة للملفات المتعلقة بالذاكرة, حيث أنه وبعد مرور أزيد من نصف قرن من وقوع هذه الجريمة الاستعمارية في حق سكان عدة مناطق بالجنوب الجزائري وما تبعها من إنكار, فإن القضية طرحت خلال الدورة التاسعة من المشاورات السياسة الجزائرية-الفرنسية التي جرت أشغالها في نهاية الشهر المنصرم بالجزائر العاصمة.

وقد التزم الجانب الفرنسي حينها بتسريع مسار إعادة الأرشيف ومعالجة مسألة مواقع التجارب النووية التي ينبغي إعادة تأهيلها, وبالتالي الإسهام في التعامل مع المستقبل في جو من الهدوء والاحترام المتبادل. وقد تمت خلال المشاورات مناقشة هذه المسألة من بين عدة محاور أخرى تضمنها "إعلان الجزائر" الذي وقع عليه رئيس الجمهورية, عبد المجيد تبون، مع نظيره الفرنسي, إيمانويل ماكرون, في نهاية الزيارة الرسمية لرئيس الدولة الفرنسية إلى الجزائر شهر أوت الماضي. وقد نص الإعلان على إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين تكون مسؤولة عن العمل على جميع أرشيفاتهم التي تشمل الفترة الاستعمارية وحرب التحرير بهدف معالجة جميع القضايا بما فيها تلك المتعلقة بالتجارب النووية, كما اتفق الطرفان على تشجيع "قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك".

ويحرص الجانب الجزائري على معالجة مسؤولة لكل القضايا المتعلق بالذاكرة, مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية في عدة مناسبات, حيث اعتبر أن الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري لن يطالها النسيان ولن تسقط بالتقادم وأنه لا مناص من المعالجة المسؤولة والمنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء المصارحة والثقة". وفي تصريح سابق للصحافة, قال رئيس الجمهورية  إن الجزائريين ينتظرون اعترافا كاملا بكل الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية.

وبخصوص التفجيرات النووية, أكد الرئيس تبون على ضرورة قيام فرنسا بتنظيف المواقع النووية ومعالجة ضحايا التجارب النووية, مضيفا أن العالم احتشد من أجل كارثة تشيرنوبيل، في حين أن التجارب النووية في الجزائر تثير ردود أفعال قليلة بالرغم من أنها حدثت علنا وبالقرب من التجمعات السكنية. وفي إطار تسريع الدولة للإجراءات الهادفة إلى تدارك المخاطر التي تمثلها مخلفات هذه التفجيرات, تم إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتجارب والتفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري سنة 2021, حيث أنه رغم مرور ستة عقود عن أولى التجارب النووية إلا أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات. مع العلم أنه في تلك الفترة, ادعت قوات الاحتلال الفرنسي أن ما أسمته "التجارب" تجرى في مناطق غير آهلة وصحراوية وهي رقان (أدرار) وعين ايكر (تمنراست) في الوقت الذي كانت هذه المناطق تؤوي قرابة 20 ألف مواطنا مدنيا.

من نفس القسم الحدث