الوطن

أستاذ الإعلام العيد زغلامي: على الأحزاب السياسية احترام قواعد الديمقراطية لاستعادة ثقة المواطن

وصف التعمير في المنصب بـ "الثقافة المتوارثة"

يرى أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر العيد زغلامي، أن السبيل الوحيد أمام الأحزاب السياسية لاستعادة ما أسماه "بريقها وسمعتها وشرعيتها لدى المواطنين"، يبقى الاحتكام إلى قواعد الديمقراطية والصندوق، والتخلي عن ثقافة التعمير في المنصب التي قال إنها توارثتها عن الأنظمة السابقة، لافتا إلى أن برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يهدف في الأساس إلى إحداث القطيعة مع الممارسات السياسية السابقة، وتشجيع بروز وجوه وكفاءات جديدة متشبعة بالقيم الوطنية وبالاحترام . 

بداية، كيف تقرؤون التناقض بين خطابات الأحزاب السياسية التي تتغنى بالديمقراطية والتداول على السلطة في خطاباتها، فيما يعمّر قادتها وزعماؤها لعقود مع الزمن على رأسها؟

هذه الثقافة السائدة ليست فقط في الأحزاب السياسية، بل هذا ما ورثناه من العهود الماضية وهناك أمثلة حية حول مسؤولين في السلطة أو في الهياكل الإدارية يعمرون طويلا، فبقيت ثقافة الوراثة وأنهم يبقون في مناصبهم ويطالبون بالتجديد، وهذا راجع إلى عدم احترام قيم الديمقراطية واحترام السلطة، وهنا أظن أنه من البديهي أن ثقافة التعمير في السلطة هي من بين الأمور التي تميز دول العالم الثالث، فهناك مثلا في الدول الإفريقية هناك من هو موجود في السلطة منذ 40 سنة، ورؤساء سابقون في الكثير من الدول القريبة من الجزائر كذلك، عمروا لـ30 سنة، هذه هي أظن الملاحظات على كثير من الأنظمة الإفريقية.

 وبالتالي أظن أن محاولة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون هي أنه يحاول دغدغة الأحزاب السياسية وأن تقوم بما يتوجب عليها وهو إحداث القطيعة مع الممارسات السياسية، وبطبيعة الحال الامتثال إلى قواعد الديمقراطية والصندوق، وهذا هو الأساس لإنجاح واستعادة هذه الأحزاب السياسية لبريقها لسمعتها وشرعيتها واحترامها لممثليها ومناضليها وللمواطنين.

 هذه الثقافة لا تزال سائدة في البلد وتتطلب أن يكون هناك وجوه جديدة وكفاءات جديدة متشبعين بالقيم الوطنية وبالاحترام وهذا هو الأساس، هو أن نتخلى تدريجيا من كل مخلفات الرشاوي والمحاباة التي عمرت طويلا في الجزائر، بعبارة أخرى، لابد أن نغير ليس فقط في الأشخاص ولكن نغير أيضا في الممارسات ونغير كذلك في قضية السلوكات والتصرفات، ونجدد الأفكار، فلا يمكن أن نجددها بوجوه قديمة بل بوجوه جديدة وأقلام جدية وشباب، وهذا ما يصبو إليه مشروع رئيس الجمهورية، كما انه أساس ضمان الانتقال من سلطة إلى أخرى، وكل ذلك لابد أن نوفر له وجود دولة القانون وحرية التعبير وحتما العدالة الاجتماعية، ونبذ كل انواع المحسوبية والرشاوي التي نخرت البلد، أظن أنه قد حان الاوان لأن تكون هناك نخبة جديدة سواء تعلق الأمر بالتجديد على مستوى الأحزاب السياسية أو بالنسبة لهياكل الدولة.  

ما هو تقييمكم لأداء الأحزاب السياسية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن تحولت نشاطاتها إلى مواعيد مناسباتية واقتصرت على التحضير لإعادة ترتيب بيتها وعقد مؤتمراتها الداخلية؟

الملاحظ أن الساحة السياسية التي يوجد بها حوالي 71 حزبا سياسيا معتمدا، لكن على العموم نشاطات هذه الأحزاب تقتصر على مجموعة قليلة جدا وهذا يعني أننا أمام كتل أو أرقام حزبية لا أكثر وأقل، لكن في الميدان لا نرى هذه الأمور وبالتالي فمن البديهي أن الأحزاب السياسية كثير منها في عطل في انتظار فقط المواسم الانتخابية وغيرها من الأمور التي يتوجب عليهم الحضور فيها سواء تعلق الأمر بالقمم أو مناسبات أخرى، فالذي أرتقبه هو أن هذا النمط من الصعب أن تتغير إلا إذا كان فيها من يعارض هذه التوجهات، أقول إنها قليلة تلك الأحزاب التي تجدد وتتجدد بطريقة ديمقراطية عن طريق الصندوق.

فمنذ أسبوع أو أقل استمعت لتصريح أحد مسؤولي الأحزاب السياسية وهو الذي عمر على رأس الحزب منذ 20 سنة، يعبر مرة أخرى عن ولائه ودعمه لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وهو الذي كان المدافع لمدة 20 سنة أثناء الحكم السابق، هذا يعني أن هذا النوع من الأحزاب يتأقلم مع الأحداث وأظن أن هذا النوع من الأحزاب يسيئون إلى الديمقراطية أكثر من مساهمتهم في التعددية فحتما حان الأوان أن نعيد النظر في قانون اعتماد الأحزاب السياسية جملة وتفصيلا، وكيفية بنائها وتشكيلها ونشاطاتها لأننا رأينا في عهدة الرئيس تبون أنه لا يحتاج إلى الأحزاب ولم يستعن بها، ما يطرح سؤالا حول دور هذه الأحزاب وما هي مكانتهم وهل حقيقة في ظل تقاعس بعض الأحزاب نحن في حاجة إليها؟.

 فالأحزاب إذا لم تشكل كتلة تؤثر على مستوى الساحة السياسية وهي غائبة فالأجدر هو أن نتخلى عنها وأظن من هذا المنظور أن نصحح المقاربة الآن، خاصة ونحن نعيش دائما ثقافة الموالاة والدعم وهذا كله يسيء إلى مفهوم ومقاربة الرئيس عبد المجيد تبون في سياسته، التي اعتمدت أساسا على إنشاء العديد من السلطات المستقلة وكذلك المجالس للشباب وغيرها لا لشيء إلا للاستغناء عن دور الأحزاب التي لم تلعب ولم تؤد دورها، والدليل على ذلك وجود المجتمع المدني ومجلس الشباب وغيرها من التمثيليات والمجالس التي تمثل كل شرائح المجتمع وبالتالي لسنا في حاجة إلى أحزاب بقدر ما نحن في حاجة إلى ممثلين حقيقيين والمواطنون عزفوا ونفروا من الأحزاب، ومن هنا فنحن نستغني تلقائيا عن الأحزاب.

أكدت السلطة اعتمادها الكبير على فعاليات المجتمع المدني، في ظل غياب نشاط حقيقي للأحزاب السياسية، التي حال غياب ثقافة التداول على المناصب دون تجديد الأفكار والخطابات، ما هي قراءتكم لهذا الوضع؟

فيما يخص هذه النقطة، أنا لا أريد أن أصب اللوم فقط على الأحزاب السياسية، فلأكون صادقا ومنصفا مع جميع الأطراف أظن أنه في وقت مضى تمت الإساءة إلى الأحزاب السياسية وتقزيمها من خلال تشكيل أو إحداث مسؤولين أو ريادة سلطة في الأحزاب السياسية فاقدة للأفكار وللمبادئ وهذا ما قامت به جهات سياسية في السلطة سابقا للإساءة للأحزاب وتشويه صورتها لدى المجتمع العريض، فتحولت فقط إلى اداة للمصادقة والتزكية، لكن كذلك مسؤولية الدولة أنها لم تفتح الفضاء السياسي الذي لا يعرف نشاطات وملتقيات وهذا ما أفقد للأحزاب دورهم، وبالتالي السلطة في حد ذاتها لديها مسؤولية في الإخفاقات وأظن أن الطبقة السياسية متشكلة من أحزاب والأحزاب هي التي تناقش وتطرح المسائل وهي التي في نفس الوقت تجدد الأفكار وتقدمها.

 أما الاعتماد على المجتمع المدني، فبتعريف المجتمع المدني نجد أنه المجتمع الغير سياسي وهو يمثل أطياف المجتمع في الجوانب غير السياسية، بل الثقافية الاجتماعية الخيرية وغير ذلك، إذن هو مجتمع بعيد كل البعد عن السياسة ولا يمكن الزج به في العمل السياسي هذا الذي وقع وهنا قد يكون فيها نوع من الخلط، لذلك أحبذ أن تكون هناك استفاقة من الاحزاب السياسية خاصة الفاعلة، ونحن نعرف أنه هناك ثلاث تيارات في الدولة الجزائرية من الأحزاب"التيار الإسلامي، الديمقراطي والوطني"، فلابد لأي نظام سياسي في الجزائر، أن يعتمد على هذه الركائز الثلاثة، وإلا فإن الإفلاس سيكون مضمونا حتما أظن أنه قد حان الأوان لأن نعيد النظر في قانون الأحزاب ولابد أن نشكل الأحزاب  على قواعد سليمة وعلى خلفية 20 سنة من الانفتاح السياسي الذي لم يفلح لم يتمخض عنه حقا طبقة سياسية فاعلة، أظن أنه قد حان الأوان لذلك، لأنه لحد الآن هناك كثير من الأحزاب هناك طريقة إنشائها فيها طابع ضيق عائلي محلي وجهوي فحان الأوان لأن نعيد النظر في هذا الأمر، وهذا هو الأساس لأن تكون لدينا طبقة سياسية فاعلة ولديها نصيب من الحرية لكي تؤثر فيما يحدث في المجتمع.

من نفس القسم الوطن