الحدث

2022.. الدبلوماسية الجزائرية نموذج مشرف للوحدة العربية

قمة عربية متميزة، مصالحة تاريخية ومواقف ثابتة

نجحت الدبلوماسية الجزائرية خلال سنة 2022، في كسب رهان لم الشمل العربي وتجسيده على أرض الواقع، بفضل حنكة قيادتها ورشادة قراراتها، فضلا عن المساعي الحميدة التي بادرت بها منذ اعتلاء الرئيس تبون سدة الحكم، فكانت القمة العربية التي احتضنتها بلادنا مطلع نوفمبر المنقضي الحدث الأبرز الذي ميز السنة المنقضية، والذي سبقته مصالحة تاريخية بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين لتؤكد الجزائر بقاءها على العهد وإصرارها على توحيد صفوف إخوانها وتقوية جبهتهم الداخلية من أجل نصرة القضايا العادلة ودعم الشعوب المضطهدة. 

انتقلت الدبلوماسية الجزائرية خلال سنة 2022 من مرحلة الشعارات والمطالب إلى مرحلة العمل الميداني، فبعد توقيع عودتها القوية للساحة الإقليمية والدولية وإعلان القطيعة مع العزلة التي فُرضت عليها لسنوات عديدة لأسباب تعود إلى الاستراتيجية المتبعة سابقا، برهنت الجزائر مجددا قدرتها على توحيد الصفوف ولم شمل المتخاصمين، فنجحت في عديد المناسبات في إقناع الأطراف المتنازعة بالجلوس على طاولة الحوار وتغليب المصلحة العامة على الصراعات الشخصية، ولعل هذه السنة كانت سنة "الصلح" بامتياز فقد شهدت مصالحة تاريخية بين الفصائل الفلسطينية كما نجحت في احتضان أهم موعد عربي على أراضيها والحصول على تزكية كل الحاضرين وشهادة كبريات العواصم بحنكة تسييرها ونجاح إدارتها للقمة العربية.

"القمة العربية"... الجزائر تنفرد وتنجح في احتواء العرب

حققت الجزائر نجاحا متميزا في احتضان القمة العربية على أراضيها، ولقي "إعلان الجزائر" المنبثق عن أشغال الدورة الـ31 مساندة واسعة من كبار المسؤولين والقادة في العالم، الذين أجمعوا على أن "قمة الجزائر"  كانت ناجحة بكل المقاييس، بالنظر لحجم التقارب والتوافق الذي حققته كبريات الملفات المطروحة وكذا مستوى التحضير الرائع لاحتضان هذه الدورة التي حملت رمزية تاريخية اقترنت ببطولات الشعب والدولة الجزائرية، كما رحّب القادة العرب بمبادرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، اختيار "لم الشمل" عنوانا للقمة، ولقد أثبتت الجزائر من خلال ما تضمنته الوثيقة الختامية للدورة، انتصارها للقضية الفلسطينية التي أكد رئيس الجمهورية منذ البداية على أنها ستكون "القضية المركزية للدورة".

وعرفت القمة العربية دعما عربيا للطرح الذي قدّمه رئيس الجمهورية والمتعلق بتبني ودعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعوة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك، مع ضرورة دعم الجهود والمساعي القانونية الفلسطينية الرامية إلى محاسبة الاحتلال على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ولا يزال في حق الشعب الفلسطيني".

ولم يقتصر انتصار الجزائر فقط على القضية الفلسطينية، بل تعداها ليشمل كل الوطن العربي، فقد قرر القادة العرب العمل على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية والمائية والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، ورفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة الدول العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية، والعمل على تعزيز العلاقات العربية-العربية، قتم تبني مقترحات الجزائر فيما يخص الملف الليبي ودعم الحكومة الشرعية اليمنية، وكذا مساندة جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية والترحيب بتنشيط الحياة الدستورية في العراق مع تجديد التضامن مع الجمهورية اللبنانية وتجديد الدعم لجمهورية الصومال الفيدرالية من أجل توطيد دعائم الأمن والاستقرار، ودعم الجهود المتواصلة لتحقيق حل سياسي بين جيبوتي وإريتريا فيما يتعلق بالخلاف الحدودي وموضوع الأسرى الجيبوتيين.

نشاط دبلوماسي حثيث لإنجاح الموعد العربي

عرفت سنة 2022، تحركات دبلوماسية حثيثة تحضيرا لاحتضان القمة العربية بأرض الجزائر، و توالت الزيارات الرسمية للمسؤولين العرب للجزائر قابلتها تنقلات جزائرية للعواصم العربية بغية تحقيق التوافق العربي وتوحيد البيت العربي في "قمة الجزائر"، ولقد قام وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، بزيارات لعديد العواصم العربية بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ليؤكد على التحركات الجزائرية ورغبتها في توحيد البيت العربي، كما توالت زيارات القادة والمسؤولين العرب للجزائر وعلى رأسهم الأمين العام لجامعة الدول العربية إبراهيم أبو الغيط، حيث علّقت الدول العربية آمالا كبيرة على "قمة الجزائر" بالنظر إلى السمعة الطيبة التي تحظى بها في العالم العربي، ومواقفها المشرفة والثابتة إزاء كبريات القضايا محل النزاع بالمنطقة، وتجسدت الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلتها الجزائر للتحضير للموعد العربي، من خلال عقد اجتماعات وزارية ولقاءات اخرى للتشاور حول مجمل الملفات التي تم طرحها خلال القمة.

المصالحة الفلسطينية.. إنجاز جديد للدبلوماسية الجزائرية

صنع مؤتمر المصالحة الذي عقدته الجزائر بين الفصائل الفلسطينية الحدث خلال 2022، فقد راهن على توحيد الصف الفلسطيني وتقوية جبهته الداخلية كما نجحت الجزائر في تحقيق المصالحة والتوافق بين جميع الأطياف الفلسطينية، ووضعت القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، كما اعتبرتها الملف الأبرز والأهم الذي ناقشته القمة العربية،وسبق مؤتمر المصالحة المتوج بالتوقيع على إعلان الجزائر، توافد ممثلي الفصائل الفلسطينية على الجزائر على مراحل منفصلة، بغرض التشاور .

وقبلها، كانت الجزائر قد عزّزت رصيدها الدبلوماسي المشرّف، بتبني وساطة تاريخية بين القيادات الفلسطينية وتحقيق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" بعد عقود من الخلاف، فأكد اللقاء التاريخي بين محمود عباس واسماعيل هنية تمسك الجزائر بمبادرتها الرامية إلى تحقيق صلح فلسطيني-فلسطيني، وتقبل مختلف الآراء وفتح أبوابها امام جميع الدول، في سبيل بلوغ هدفها الأسمى وهو إعادة بناء البيت العربي على أسس قوامها التفاهم والصفاء.

الجزائر مرجع دبلوماسي هام لحفظ الامن بإفريقيا

سارت الجزائر خلال السنوات الثلاثة الأخيرة على نهج قاعدة ثابتة، أساسها دبلوماسية حكيمة ترسخ عودتها القوية إلى الساحة الدولية الإقليمية، وتجعل كلمتها مسموعة بين كبريات العواصم، فقد نجحت الآلة الدبلوماسية الجزائرية في تحقيق التوافق حول كبريات المسائل وأعقدها، خاصة ما تعلق منها بالملفات الإفريقية فكان لها دور بارز في حل النزاعات بفضل سياستها الرصينة، كما سمحت تجربتها الرائدة في مكافحة الإرهاب بدعم الجهود القارية للقضاء على هذه الآفة، فكانت مرجعا لعديد الدول الإفريقية التي تعيش اوضاعا غير مستقرةّ، واحتضنت الجزائر مؤخرا أشغال الندوة التاسعة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا، بولاية وهران، تحت عنوان: "دعم الأعضاء الأفارقة الجدد في مجلس الأمن للأمم المتحدة في التحضير لمعالجة مسائل السلم والأمن في القارة الإفريقية"، والتي عرفت "مشاركة رفيعة المستوى خاصة على المستوى الوزاري للدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، وكذا الأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن للأمم المتحدة، وكذا خبراء وممثلين سامين لهيئات إفريقية ومنظمة الأمم المتحدة".

ملف الذاكرة... على العهد باقون ولو بعد حين

لا يزال ملف الذاكرة يتصدر أولويات الدولة الجزائرية، فقد أبدى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال 2022 إهتماما بالغا بهذه المسألة بعد أن فرض منذ توليه سدة الحكم، منطقا جديدا في التعامل مع فرنسا أساسه الندية وفرض الاحترام وتغليب الكرامة والمصلحة الوطنية على المصالح الاقتصادية والروابط الدبلوماسية، وشهدت هذه السنة تعيين ممثلي الجزائر في اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية التي تلغي سابقتها الثنائية، ما يعكس إصرار الجزائر على استرجاع حقوق شهدائها وإعادة الاعتبار لتاريخها المجيد الذي تحاول فرنسا تحريفه وتقديم نفسها في صورة "البرئ" وهو ما ترفضه الجزائر دوما وتحرص على فضحه مثلما حدث مؤخرا، مع تقرير بن جامين ستورا الذي انتقدت مضمونه وأكدت رفضه.

ولقد اجبر منطق الرئيس تبون في التعامل مع فرنسا القائم على التعامل بندية، باريس على الرضوخ لخيارات الجزائر واحترام مواقفها ومبادئها الثابتة التي تفرضها عليها، وخير مثال الزيارة التي قادت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر خلال 2022، والتي اعتبرها مراقبون محاولة لرأب الصدع الذي خلفته تصريحاته المسيئة لتاريخ الجزائر، كما أثبتت الجزائر أن اهتمامها بملف الذاكرة لا يستند على الكلمات والخطابات فحسب، بل يتعداها إلى الأفعال والتطبيق، فإلغاء اللجنة الثنائية المشتركة المنشأة قبل سنتتين برئاسة عبد المجيد شيخي عن الطرف الجزائري وبنجامين ستورا عن الجانب الفرنسي، بسبب التقرير الفرنسي السلبي الذي رفضته الجزائر، أكد أن السلطات الجزائرية لن تقبل بأي إملاءات خارجية، وهو ما عززه تعيين رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خمسة مؤرخين لتمثيل الجزائر في اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية، وتكليفهم بمعالجة ملف الذاكرة والقضايا التاريخية العالقة بين البلدين.

من نفس القسم الحدث