الحدث

الإعلام الإلكتروني .. إحدى ركائز السلطة الرابعة أمام تحدي "الإلتزام"

ينتظر مزيدا من الدعم عشية الاحتفال باليوم الوطني للصحافة

تعيش الجزائر مرحلة من التحول الرقمي في منظومة الإعلام، حيث فرضت التكنولوجيا الحديثة متطلباتها على الممارسة الإعلامية وهو ما فتح المجال واسعا للصحافة الالكترونية التي بدأت تتموقع في المشهد الإعلامي مع وجود مساعي حثيثة للدولة لتثمينها وتوفير الدعم لها ليبقي الرهان الحقيقي حاليا هو مدى التزام هذه الصحافة الإلكترونية بدورها والمسؤوليات الملقاة على عاتقها كإعلام حرّ لكن منضبط وقدرتها في ظل الزخم الإعلامي الكبير على الموازنة بين الحرية في التعبير والمسؤولية وذلك من خلال التمسك بأخلاقيات المهنة، ورسم معالم الوعي المجتمعي خاصة في ظل التغيرات الجيو سياسية وحروب الجيل الرابع التي باتت استهدف الدول.

و عشية الاحتفال باليوم الوطني للصحافة، المصادف للثاني والعشرين (22) أكتوبر من كل سنة، يعود الحديث على دور الإعلام والتحديات التي تواجهه في ظل المتغيرات التي تعرفها الساحة الإعلامية وظهور ما يعرف بالإعلام البديل والمتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي وصحافة المواطنة، ولأن الإعلام والصحافة يعرفان على غرار كل القطاعات في الجزائر تحولا رقميا يتماشى ومتطلبات التكنولوجيا فان حديثنا اليوم سيرتكز على الصحافة الإلكترونية والتي فرضت نفسها على الساحة الإعلامية في الجزائر وتحاول التموقع وفرض نفسها باعتبارها مستقبل الصحافة في الجزائر.

وقد سمحت تكنولوجيا الاتصال الحديثة، و بفضل الانتشار الواسع لشبكة الانترنت عبر العالم بظهور وتطور ما سمي بالصحافة الإلكترونية بالجزائر وهو ما دفع بالكثير من الصحف والجرائد الورقية لإطلاق منصات ومواقع إلكترونية مكنتها من الكتابة والنشر بحرية كبيرة كما استفادت مئات المواقع الإخبارية التي انشات مؤخرا من مزايا تلك التكنولوجيا، غير أنها تبقى تواجه تحدي الالتزام بالقيم المهنية كالموضوعية والمصداقية و الدقة أثناء تغطيتها للأحداث.

  • دعم من الدولة وتنامي متزايد

ويتلقى 70 في المائة من الجزائريين الأخبار عبر المواقع الإخبارية الإلكترونية حسب احصائيات لوزارة الإتصال وهو ما جعل الدولة تعطي الأولوية لدعم هذا القطاع، وتعتبره  "مستقبلاً للصحافة" و تضم الجزائر مئات المواقع الإخبارية والإعلامية ، في حين أن هذا التنامي المكثف للمواقع الإخبارية ما زال قابلاً للارتفاع، في ظل تشجيع الحكومة الشباب، على إنشاء مواقع إلكترونية تغطي أنحاء الوطن كافة، ويدعم هذا النمو في عدد المواقع الإخبارية الالكترونية في الجزائر المشهد الإعلامي العام بشدة فلا شك أن ثورة المعلومات هذه وتوجه الصحافة نحو الرقمنة أوجدت فضاءً جديداً لحرية التعبير عن الرأي، فالإعلام الإلكتروني لا يساهم حاليا في توسيع هامش الحرية الإعلامية والسياسية فقط، بل أصبح منبراً للمواطنين ليعبروا عن آرائهم بحرية.

  • مراسيم، مشاريع قوانين وتعليمات لتنظيم وتحسين واقع الصحافة الالكترونية

ورغم قدم التجربة الجزائرية في مجال الصحافة الإلكترونية، وتأطيرها قانونيا منذ سنة 2012 إلا أن تدابير وشروط هذه الممارسة لم تحدد إلا سنة 2020 من خلال المرسوم رقم 20-332 المحدد لكيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت، وقد حدّد المرسوم كيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد أو التّصحيح عبر الموقع الإلكتروني. وصدر المرسوم يوم 1 ديسمبر 2020 في العدد رقم 70 من الجريدة الرسمية، حيث يتكون من فصلين يشملان 8 مواد حدّد خلالها شروط والتزامات ممارسة هذا النشاط. ويهدف المرسوم التنفيذي إلى تطبيق الأحكام التّشريعية الصادرة في القانون العضوي للإعلام 12/05 المؤرخ في 12/01/2012 لتأطير الصحافة المكتوبة الإلكترونية وتوطين استفادتها على الصعيد القانوني، وذلك بغرض مواكبة التطور السريع الذي يشهده هذا الجانب الهام من الصحافة الوطنية. ويأتي هذا النص التنظيمي امتدادا للمادتين 66 و113 من القانون العضوي المتعلق بالإعلام، إذ يهدف خاصة إلى وضع الصحافة الالكترونية المكتوبة في مسار يتوافق وأهداف القانون. ويحدد النص القواعد التي تنظم الإجراء التصريحي للتأسيس ويؤكد في هذا الشأن على أنّ نشاط الإعلام عبر الانترنت هو نشاط حر. كما يوضح كيفيات ممارسة حقوق التصحيح والرد كما تنص عليها المادتان 100 و101 من قانون الإعلام. ويخضع نشاط الإعلام عبر الانترنت إلى النشر عبر موقع إلكتروني موطَن حصريا من الناحية المادية والمنطقية بالجزائر ومسجلا في اسماء النطاق «.dz» بنص المادة 06 من المرسوم التنفيذي رقم 20/332 المؤرخ في 6 ربيع الثاني عام 1442 الموافق لـ 22 نوفمبر 2020 يحدد كيفيات ممارسة نشاط الاعلام عبر الانترنت ونشر الرد والتصحيح عبر الموقع الالكتروني الجريدة الرسمية رقم 70 . ويقصد بالتوطين المادي والمنطقي أن تكون كل الموارد (معدات وبرامج ويد عاملة وإبداع واستغلال) اللازمة لإيواء موقع، بالجزائر والذي يجب أن يسجل ضمن اسماء النطاق «.dz» وأن يحمل إجباريا لاحقة  «.dz»،  وهو ما يعني أن الحصول على النطاق يكون في الجزائر عن طريق الدولة مركز البحث في الإعلام العلمي والتقني». وبحسب ذات النص يمكن أن يكون الآوي مؤسسة عمومية أو خاصة أو صاحب الموقع ذاته من خلال اقتناء المعدات اللازمة. وبخصوص أنواع الإيواء الواجب توطينها في الجزائر يوضح النص أنه «سيخصص خادم مادي للإيواء بما فيها جزء النظام المنطق في حين سيأوي خادم كبير العديد من المواقع التي ستتقاسم كل موارده في الداعمات المادية المختلفة، منها الأقراص المضغوطة، أو مسجلة في الذاكرة الحية لجهاز الكمبيوتر بما فيها جزء النظام». وبخصوص الآليات التي ستستفيد منها الصحف الإلكترونية من الإشهار العمومي، فإنه من منظور السلطات العمومية وبعد صدور النص القانوني للصحافة الإلكترونية، سيتم تحديد المعايير الخاصة بالإشهار الإلكتروني.

  • حضور قوي

 وتم تثمين دور الصحافة الرقمية أو الإلكترونية وفتح المجال لها لتسجيل حضور قوي عندما أصدر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في 2020، تعليمة يأمر فيها الوزير الأول، بمعاملة هذه الوسائل الإعلامية، كما تعامل الصّحافة الوطنية المكتوبة في تغطية النشاطات الوطنية والرسمية والاستفادة من الإشهار العمومي في حدود ما يسمح به القانون وأخلاقيات المهنة، وشدّد قبل ذلك الرئيس على "ضبط وتسوية الوضعية القانونية للصّحف الإلكترونية الموطّنة في الجزائر". ومنذ ذلك الوقت، سجّلت الصحف الإلكترونية المعتمدة، حضورها في تغطية وإذاعة جميع النّشاطات الرّسمية، بما فيها نشاطات رئيس الجمهورية، والمشاركة في الحوارات الدورية التي يجريها شهريا. كما منحت وزارة الاتصال و في وقت وجيز مئات الاعتمادات القانونية لعدد من الصحف الإلكترونية، بعد امتثالها للشروط المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي، وعلى رأسها التوطين ضمن نطاق DZ في انتظار المصادقة على القانون العضوي للإعلام وقانون السمعي البصري، وقانون الإشهار الجاري العمل عليه من قبل وزارة الاتصال.

  • معايير جديدة في المنافسة الإعلامية

ويواجه الإعلام الإلكتروني في الجزائر متغيرات أكثر حداثة وتحديات عديدة أبرزها هي كيفية التموقع   في المشهد الإعلامي في الجزائر في ظل منافسة شديدة باتت قائمة بين المواقع الالكترونية الإخبارية والمخصصة لنشر الاخبار والآراء والتحاليل وبين مواقع التواصل الاجتماعي والتي باتت هي الأخرى تهتم بنقل الاخبار بل ان هذه الأخيرة وفرت فضاء أصبح فيه المواطن العادي يتقمص دور الصحفي وهو ما جعل المعايير التي تقوم عليها المنافسة الصحفية والممارسة الإعلامية تتغير

ويؤكد في هذا الصدد الأستاذ في قسم علوم الإعلام والاتصال بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة محمد بوضياف أيمن سعيداني أن الإعلام الألكتروني في زمن "مجتمع المعلوماتية" لم يعد مجرد أداة لتوصيل المعلومة وتزويد الناس بالخبر والحدث والتحليل والرأي بل تحول في السنوات الأخيرة إلى أهم أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد بدوره مجرد مستقبل للمعلومة أو الخبر فقط، بل أضحى يتفاعل ويتأثر فكريا وسلوكيا وعقليا مع ما تقدمه هذه الوسائط المتعددة للإعلام سواء التقليدي أو المعاصر وظهر ما يصطلح عليه بـ"صحافة المواطنة" حيث بات كل مواطن يملك أحد الوسائط التكنولوجية قادر على تقمص دور الصحفي وهو ما خلق زخم إعلامي كبير تتداخل فيه الحقيقية مع الباطل، ولأجل  ذلك أشار سعيداني أنه بات من التحدي أن يقوم الإعلام في الجزائر بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه كإعلام حرّ لكن منضبط وأن يستطيع هذا الإعلام بمختلف توجهاته الموازنة بين الحرية في التعبير والمسؤولية التي تلزم إصلاح الفساد وذلك من خلال التمسك بأخلاقيات المهنة، التي صارت على المحك ورسم معالم الوعي المجتمعي.

وأشار سعيداني في تصريح لـ"الرائد" أن الرهان الحقيقي اليوم يقع على عاتق الصحافة الالكترونية المطالبة بالخروج من الدائرة النمطية المعتمدة منذ سنوات من خلال الاكتفاء بالتساؤلات وطرح الأسئلة إلى دائرة أعمق ترتبط بالمضمون الذي يقدم، من منطلق أن الحاجة اليوم إلى إعلام مسؤول يتحرى المصداقية والحقيقة أكبر من الحاجة إلى إعلام يستثمر في الإثارة والسبق الصحفي وأضاف ذات المتحدث أن الجزائر تعيش مرحلة بناء وهو ما يتطلب تجند من وسائل الإعلام لدعم مسعى بناء الجزائر الجديدة عبر جعل وسائل الإعلام ساحة صحية للنقاش العام ومصدر لتشكيل وعي جماعي، مؤكدا أن ذلك لن يتحقق إلا عبر الامتثال للقواعد المهنية والتحلي بالتوازن والموضوعية في نقل الأحداث، والدقة في تحري الأخبار.

  • عين على المهنية وأخرى على الدفاع على مصلحة الوطن

مساعي الدولة الحالية لإعطاء الفرصة للصحافة الالكترونية للبروز يجعلنا نعتقد أن المستقبل يحمل الكثير من التغيرات الجذرية على صناعة الإعلام بالجزائر فلا مفر من استخدام التكنولوجيا الجديدة في نقل الحقائق والمعلومات بصورة مغايرة وأكثر جاذبية وعمقاً، وتوظيف صناعة البيانات الرقمية، والمعلوماتية والإعلام الافتراضي في خلق نقلة حضارية للإعلاميين وحتى المواطنين والعمل على بناء الجزائر الجديدة التي باتت حلم كل جزائري، دون التخلي عن القيم الإعلامية الراسخة وأدبيات المهنة الإعلامية، والمسؤولية الحقيقية التي يتطلبها العمل الصحفي مع فهم حقيقي للحرية في التعبير خاصة وأن الجزائر وفي ظل المتغيرات الجيو سياسية المحيطة بها وحروب الجيل الرابع تبقي مستهدفة، من قبل العديد من الجهات التي تسعي لضرب استقرار الوطن والمصلحة العليا للبلاد، فالسلطات  كانت قد أحصت في وقت سابق مئات المواقع الالكترونية التي أنشأت خصيصا لاستهداف بلدنا. وتتلقى هذه المواقع وغيرها تمويلا خاصا من قبل "صناديق سوداء" وتزداد خطورة الأمر مع انتشار الأخبار الكاذبة عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعية التي تدير شبكات نائمة وجهات تستهدف القيام بأعمال تخريبية.وبلا شك فان الصحافة الالكترونية في الجزائر مطالبة كغيرها من وسائل الإعلام أن تكون الحصن المنيع في وجه أي محاولات لضرب مصلحة الجزائر الذي هي فوق كل اعتبار و أن تتولى الدفاع عن الدولة ومؤسساتها عبر إظهار الحقيقة كما هي في صورة تكرس الأدوار الحقيقية المفترضة أن يكون عليها الإعلام فهي من صميم المهام الأساسية المنوطة به.

من نفس القسم الحدث