الحدث

الجزائر تقود الفصائل الفلسطينية نحو مصالحة حقيقية

تدير منذ يومين حوارا جامعا بين المتخاصمين

تقود الجزائر منذ يومين، حوارا موسعا بين مختلف الفصائل الفلسطينية، من أجل تعبيد الطريق أمام تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية، تنهي حالة الانقسام والشتات التي يعيشها الأشقاء منذ عقود من الزمن، ويعد لقاء الجزائر فرصة ثمينة لتوحيد الصف الفلسطيني وتقوية الجبهة الداخلية، بالنظر للمكانة الكبيرة التي تحتلها الجزائر وخبرتها الواسعة في إدارة الحوار وكذا التجاوب الكبير الذي لاقته مبادرتها، حيث أجمعت مختلف الفصائل على أن النقاش ومختلف اللقاءات كانت "إيجابية".

حضر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمس، جانبا من أشغال مؤتمر لم الشمل لم أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية المنعقد بقصر الأمم في العاصمة.وحسب بيان لرئاسة الجمهورية فإن الرئيس تبون حيا كافة الفصـائل الفلسطينية المشاركة في المؤتمر.

ومن هذا المنطلق يتأكد مرة أخرى أن الجزائر تلقي بكامل ثقلها الدبلوماسي على ملف المصالحة الفلسطينية، وتقدم عصارة تجربتها الرائدة في إدارة جلسات الحوار والجمع بين المتخاصمين لتوحيد البيت الفلسطيني، من خلال إدارة لقاء الفصائل على مدار 48 ساعة، وتقريب وجهات النظر المختلفة، لبلوغ هدف تحقيق مصالحة حقيقية تقرّب القضية الفلسطينية من الحلول، من خلال ضمان جبهة داخلية موحدة وقوية، متحدة على هدف واحد ومتوافقة بشأن مختلف القضايا التي كانت في وقت سابق محل نزاع وفرقة.

وتكتسي مبادرة الجزائر لتحقيق المصالحة الفلسطينية طابعا خاصا، يجعلها تتميز عن سابقاتها في عديد النقاط، فالجزائر التي تضع نصرة القضية الفلسطينية والدفاع عنها مبدءا ثابتا في شرعيتها الدبلوماسية، تعي يقينا بأن تحرير الاراضي الفلسطينية المحتلة لن يتحقق في ظل غياب توافق ومصالحة حقيقيين، وهي صاحبة التجربة المشرفة إبان الثورة التحريرية، كما أن نواياها الطيبة ودفاعها اللامشروط عن القضايا العادلة، يجعلنا لا نتفاجأ من التكتم والسرية التي حرصت عليهما فيما يتعلق بتفاصيل جلسات الحوار، فالجزائر لا تبحث عن إحداث ضجة إعلامية، بل هي حريصة كل الحرص على بلوغ نتائج إيجابية تجعل منها، بوابة نحو مرحلة جديدة أساسها الاتحاد والتوافق بين مختلف الفصائل الفلسطينية.

ويحمل اللقاء الذي تديره الجزائر، عديد مؤشرات النجاح، بالنظر إلى العمل الجاد والكبير الذي قامت به الرئاسة الجزائرية ووزارة الشؤون الخارجية على مدار الأشهر الماضية، من أجل جمع شمل الفصائل المتنازعة، حيث استقبلت منذ جانفي المنقضي وفودا عن مختلف الأطياف الفلسطينية واستمعت لمقترحاتهم ووجهات نظرهم، كما نجحت في احتضان اللقاء التاريخي الأول من نوعه بين الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة حماس، كما أن مجرد نجاحها في إقناع 14 فصيلا بالجلوس على طاولة واحدة وتبادل رؤاهم حول قضايا، كانت في وقت سابق "غير قابلة للنقاش"، يعد إنجازا عظيما جاحد من يحاول إنكاره، والاهم من كل هذا أن الجزائر لا تبحث من خلال مبادرتها عن التميّز، فقد اكدت منذ البداية، على لسان رئيس الدبلوماسية رمطان لعمامرة، أن مبادرتها تأتي "استكمالا للمبادرات العربية الرامية إلى وقف الانقسام وتحقيق التوافق الفلسطيني"، وأن هدفها الأساسي هو طي صفحة الانقسام بين الفرقاء الفلسطينيين للأبد.

 

وبدورهم، يراهن الفلسطينيون على مبادرة الجزائر لإحقاق المصالحة، بالنظر إلى سمعتها الطيبة وعلاقاتها المتينة مع مختلف الأطياف الفلسطينية، فهي تقف على مسافة واحدة مع كل الفصائل من أجل الاستماع لوجهات نظرتهم ومقترحاتهم، واضعة الوحدة الوطنية الفلسطينية هدفا رئيسا لمبادرتها، بعيدا عن المصالح الشخصية وخدمة اطراف على حساب أخرى، كما التاريخ المشترك بين الجزائر وفلسطين، والمواقف الجزائرية الشهمة التي تتخذها في مختلف المناسبات دعما للقضية الفلسطينية، يجعل منها الأولى بتبني مبادرة الصلح وتوحيد الصف الفلسطيني.

 

 وتعكس تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، التي يؤكد من خلالها عزم الجزائر على جعل القضية الفلسطينية، الملف المركزي للقمة العربية الـ31 المنتظر تنظيمها بداية الشهر الداخل، مدى تمسك الجزائر بنصرة فلسطين والدفاع عن قضيتها وشعبها، كما يحرص على أن تكون البداية بتوحيد الصف الفلسطيني من اجل إعطاء القضية بعدا آخر، وطرحها من منطلق اكثر صلابة وقوة بعيدا عن الشتات والتخاصم، لتمهد الطريق بعدها أمام مساعي توحيد البيت العربي، وإنجاح مساعي بلوغ وحدة عربية حقيقية تذوب خلالها الخصومات وتنتهي الخلافات.

 

إجماع فلسطيني على نجاح "حوار الجزائر"

 

وحول مجريات الحوار الذي تديره الجزائر منذ يومين، بين مختلف الفصائل الفلسطينية، أكدت وسائل إعلام فلسطينية أمس، على لسان "مسؤولين وقيادات فلسطينية"، أن جلسة الحوار الوطني التي عقدت بالجزائر جرت في أجواء "إيجابية للغاية"، حيث نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، على لسان سفير فلسطين لدى الجزائر، فايز أبو عيطة، أن جلسة الحوار ناقشت عديد ن القضايا المتعلقة بملف المصالحة، و"كانت الأجواء إيجابية وهناك شعور بالمسؤولية الوطنية لدى جميع الأطراف"، مشيرا إلى أن الجزائر "حريصة على انجاح الحوار الوطني قبيل انعقاد القمة العربية مطلع الشهر المقبل".  

 

وفي نفس السياق، أكد أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي، أن الحوار كان إيجابيًا، وأن هناك سعي من جميع الأطراف لتذليل العقبات أمام أي خلافات،  فيما قال ماهر مزهر عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضو وفدها المشارك في جلسات الحوار بالجزائر، إنه تم خلال الجلسة تقديم المداخلات والتعديلات اللازمة على مشروع الورقة المقدمة من الجزائر، مؤكدا أن "الأجواء ايجابية "، وان "الجميع تحلى بالمسؤولية الوطنية والعمل المشترك مع التأكيد أننا لن نخرج من الجزائر بما تعنيه من موقف وطني عروبي مقاوم للتطبيع ومساند لشعبنا وقضيتنا الوطنية، إلا ونحن متفقين على بيان الجزائر لنبدأ خطوات عملية نحو تحقيق المصالحة الوطنية وانجاز الشراكة الوطنية على طريق إنهاء مرحلة الانقسام الأسود، والتأسيس لمرحلة جديدة من النضال والكفاح الوطني لتحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال ومقاومة الاحتلال"

 

وقدمت الجهات الجزائرية الرسمية، خلال الجلسة، رؤيتها للمصالحة الفلسطينية والتي حاولت من خلالها تقريب وجهات النظر من بين ما قدمته الفصائل من أوراق في لقاءات ثنائية استضافتها في ديسمبر من العام الماضي، حيث جرت عدة حوارات ثنائية بين وفود الفصائل لاستطلاع المواقف قبيل وبعد الجلسات الحوارية الأولى.

 

 

 

من جهتها، نقلت وكالة الأناضول، أمس، على لسان قال القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ماهر مزهر، أن الجلسة الأولى للحوار شهدت مشاركة "57 شخصية فلسطينية ووزير الخارجية رمطان لعمامرة"، الذي ألقى خطابا خلال الجلسة الافتتاحية تطرق فيه إلى أهمية المصالحة ومواجهة الاحتلال، ودعم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، فيما ناقشت الفصائل خلال الجلسة الثانية، مشروع الورقة المقدّمة من الجزائر، حيث قال إنه "تم إنجاز جزء مهم منها، فيما استكمل في جولة أمس الجزء الثاني من هذه النقاشات"، وذكر أن الفصائل أجمعت على أن "تخرج متّفقة من حوار الجزائر ببيان يؤسس لمرحلة جديدة لمقاومة الاحتلال وسياساته العنصرية"، مشيرا إلى أن الفصائل أجمعت أيضا على "أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد بعد تفعيلها وتطويرها"، لافتا إلى أن هذه الجلسات "تقدّم الحد الأدنى من القواسم المشتركة بين الفصائل بما يضمن الاستمرار في هذا المسار الوطني وبما يرقى لتلبية طموحات الشعب في الاستقلال والحرية ومقاومة الاحتلال".

 

وبدوره، أكد القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رمزي رباح لوكالة الأناضول، أن الجزائر "هيأت الأجواء والأوراق ومشاريع القرارات اللازمة للتوصل إلى حالة من التوافق الوطني"، موضحا أن "التطورات التي جرت خلال الجلسة الأولى من الحوا ، إيجابية"، وأن "النقاش الذي جرى نحاول البناء عليه للوصول إلى نتائج ملموسة للخروج من الانقسام الكارثي، تحديدا فيما يتعلق بطرفي الانقسام (فتح وحماس) حيث كان عليمها ضغط واضح لضرورة الوصول إلى قواسم مشتركة"، كما أردف أن الحوار الجاري يستند إلى "مجموعة من الوثائق والاتفاقيات السابقة التي تم التوصل إليها ضمن جهود المصالحة في السنوات الماضية، لتشكّل أرضية وقاعدة سياسية يمكن البناء عليها للخروج من الانقسام"، وثمّن رباح دور الجزائر في "تقديم التسهيلات اللازمة لإجراء هذا الحوار الذي يحاول أن يحسم ملفات مهمة"، مشيرا أن "الجزائر لا تتدخل في النقاشات الجارية".

 

 

من نفس القسم الحدث