الحدث

قلم من رصاص..

استطاعات الإعلامية القديرة حدة حزام من خلال عمود صحفي نشر بجريدة الفجر الجزائرية، أن ترد على ما روجت له قنوات تلفزيونية، مواقع تواصل اجتماعي، وكذا بعض المواقع الكترونية بزعامة أشباه الصحفيين أو حتى ما باتوا يعرفون بالمؤثرين باستثناء الثلة التي قد تصلح، حول زواج رجل من امرأتين في ليلة واحدة، القضية التي صنعت ما بات يسمى بـ "الترند" وفي رواية أخرى تم تصويره على أساس أنه قصة نجاح، في إطار بزنسة إعلامية محضة على شرف نبات العائلات..الواقعة كانت محل جدل وفي بعض الأحيان تهكم على عائلتي الفتاتين بما راج من شائعات وأخبار ضربت بعمق النسيج الاجتماعي وتسببت في أذى لهاتين العائلتين المحترمتين. 

رد الإعلامية حدة حزام جعل بطل القصة رفقة البنتين المرافقتين له يختفيان عن الأنظار إلى الأبد، هذا الرد ما هو إلا صورة للاحترافية التي ينبغي أن يتحلى بها الإعلام، ليس في الجزائر وفقط، بل وفي كل أنحاء المعمورة، لأن الصحافة هي رسالة خالدة ترتبط أولا وقبل كل شيئ بأخلاقيات المهنة في حد ذاتها، ومن ثم التكوين الجدي، أن تكون صحفيا، فهو لقب يجب أن تناله باستحقاق وعن جدارة، لن أقول أن حدة كانت الوحيدة في مصاف كوكبة الأبناء المخلصين الذين أنجبتهم الجزائر، لأن بلد المليون ونصف امليون الشهداء يملك الكثير من الطاقات التي بجب أن تتدخل في الوقت المناسب وتبتعد عن السلبية لتلعب دورها الإعلامي بكل نزاهة وجرأة وتحقق بذلك مهمتها النبيلة المتمثلة في توعية المجتمع، تثقيفه، ليكون الإعلامي أو الصحفي حقيقة تلك العين التي يرى بها المجتمع ما يدور حوله وتكشف له كل الخبايا والمستور.

الإعلامية حدة حزام التي أسكتت كل الأفواه المرجوة للأخبار المغلوطة، لم تكن تملك لا قنوات، لا مواقع ولا إذاعات، وإنما كانت تمسك بيدها قلما وفقط ولكن أيما قلم، قلم من رصاص، لأنه صدح بكلمة الحق.. في اعتقادي ما قامت به هذه السيدة يعتبر درسا لمن يسمون أنفسهم بصحفيي البلاطوهات أو المؤثرين أو المنشطين، فالصحافة أكبر من كل هذه الأوصاف عندما توظف الألقاب ويتحول الإعلام إلى شهرة مفرغة من محتواها القائم على الصدق والمصداقية التي هي رأس مال الصحفي وختمه الرسمي، هي مهنة متاعب تتطلب من صاحبها تضحيات، عطاء وإرادة وعزيمة واحترافية وأكثر من كل هذا وذاك أخلاق..

درس آخر ارتبط بهذه الواقعة يشير إلى أن الصحافة المكتوبة والورقية منها خاصة، لا يزال أمامها طريق طويل لكي يأفل نجمها، لأنها هي القاعدة الصلبة التي يقف عليها كل إعلامي محترف، زمن القراءة لن ينتهي والمطالعة التي تعد أهم ركيزة لتطوير المجتمعات ستظل حاضرة بقوة وأي محاولة للتنصل من هذه العادات المتأصلة التي لم تستغن عنها لا أوربا ولا أمريكا برغم كل التطور الذي تم إحرازه هناك، فهذا يعني نهاية الحضارة..ما قامت به الإعلامية حدة يدعو للمفخرة بنخب هذا الوطن، الصداقة والمصدوقة منها هي التي أعني.

إن قاعات التحرير مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن تشتغل على تكوين عمالها، في وقت تعيش فيه الصحافة حالة تفسخ وتميع بسبب تراجع احترافية البعض ممن ينتسبون ويحاولون نسب أنفسهم لهذه المهنة الشريفة، على المنابر الإعلامية أن تنخرط في مسعى وطني أساسه الارتقاء بهذه المهنة بما يساهم في تطوير الوطن وتقدم أبنائه وتثقيفهم حتى لا يكونوا فريسة سهلة في طريق من هب ودب..

الإعلام يعني بكل بساطة الوعي وما حدث من واقعة الترويج إعلاميا لزواج رجل من امرأتين يتجاوز القراءة السطحية لتسلسل الأحداث ويدفعنا إلى وضع الواقعة تحت المجهر في بعدها الاجتماعي وحتى السياسي ومما سبق يعني أيضا أن مسؤولية النهوض بالقطاع الذي يفترض أن تسند له مهمة الدفاع عن المصالح العليا للوطن والرد على أعداء الجزائر، تمر عبر إرادة سياسية قوية تشرك كل الفاعلين في هذا القطاع من صحفيين ومهنيين ومناضلين في النقابات والجمعيات المختلفة التي تحرك قطاع الإعلام، باب الحوار من أجل مناقشة وضعية الإعلام في الجزائر والخروج بخارطة طريق تتجاوز مرحلة مناقشة مشاريع قوانين كخطوة تبقى أيجابية ولكنها غير كافية.

أما الصحفي المحترف في نهاية المطاف، فسيبقى أفضل من كل المؤثرين السلبيين وغير المحترفين، الصحفي هو أداة وعي للمجتمعات والقلم هو سلاحه الذي لا يفنى..ولمن ظن في يوم من الأيام أن الأقلام قد جفت، فعليه أن يتذكر بأن أول ما خلق الله كان القلم ومن سوره في كتابه العظيم سورة القلم، ستظل هيبة هذه اللمسة السحرية سارية أبد الأبدين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، النصر والانتصار سيبقى لكل مساعي الوسطية والاعتدال، الخير والحب وكل القيم السامية، لكن بشرط أن يكون قلم صدق يصدح بكلمة الحق ويدافع عنها، حينها فقط سيكون قلم من رصاص.

من نفس القسم الحدث