الوطن
الجزائر بلد الحديد والفوسفات ويجب التركيز عليها
الدكتور المختص في الجيولوجيا المنجمية إسعد مولود في حوار لجريدة " الرائد"
- بقلم ف م
- نشر في 17 جولية 2022
يؤكد الأستاذ المحاضر والدكتور في الجيولوجيا المنجمية تخصص تلوث منجمي بكلية علوم الأرض لجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا باب الزوار إسعد مولود في حواره لجريدة الرائد، بأن الجزائر تحوز على العديد من الموارد والثروات المعدنية، التي بامكانها أن تدر على الخزينة العمومية بعائدات هامة. وفي المقابل تعول السلطات العليا للبلاد على قطاع المناجم لتعزيز وتنويع القطاعات المنتجة، والمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وشرعت مؤخرا في سن بعض القوانين التي من شأنها الدفع بالقطاع والاستفادة من امكاناته الكبيرة، التي تخولنا لمنافسة العديد من الدول المصدرة للمعادن.
تحدث مؤخرا وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، عن ثروات معدنية هائلة تحوزها الجزائر، هل لك أن تطلعنا على أهم الموارد التي يمكن التعويل عليها لتنويع المداخيل ؟
لا يمكن الحديث عن كل الموارد، لأن البعض منها لازلنا نجهل إن كانت لها جدوى اقتصادية من استخراجها، والمعادن التي لها جدوى اقتصادية واستغلالها سيعود بالمنفعة على الخزينة العمومية في الوقت الحالي تتمثل في الفوسفات، الحديد، الزنك، الرصاص والذهب.
وعلى سبيل المثال مشروع منحم ڨارا جبيلات (وليس غار جبيلات) تقدر احتياطاته من الحديد الخام ب 4,5 مليار طن، ولكن لا يمكن استغلال واستخراج سوى 1,7 مليار طن، وفقا لمعايير الآمن المتبعة لتجنب انهيار المنجم، كما تملك بلادنا احتياطي يبلغ حوالي 100 مليون طن في الحقل المنجمي الونزة التاريخي وبوخضرة في ولاية تبسة، منها 77 مليون طن يمكن استخراجها، والتي تكفي لتغطية وتلبية احتياجات مركب الحجار لحوالي 50 سنة، ولكن يجب التنويه إلى أن الاحتياطي الهائل لمنجم ڨارا جبيلات يقدر ب 17 مرة اجمالي ما يحوزه الحقل المنجمي الونزة وبوخضرة.
ولا يمكن أن ننسى بعض المناجم الصغيرة، على غرار ما يوجد بالروينة في عين الدفلى، ولعنيني في سطيف، خنقة في تبسة علاوة على مناجم أخرى والتي تصل احتياطاتها مجتمعة لحوالي 350 مليون طن وهي 10 مناجم غالبيتها تتواجد شرق البلاد، ويقدر احتياطي الجزائر من الحديد الخام ب 3,6 مليار طن، ويبلغ متوسط الإنتاج الوطني من الحديد الخام سنويا ب 2 مليون طن، أغلبيته يوجه لمركب الحجار، فيما يتم توجيه الكميات المتبقية لمصانع الاسمنت.
ولكن رغم الإنتاج الذي يصل ل 2 مليون طن سنويا والاحتياطات الهائلة، فإن الجزائر بلد مستورد للحديد الخام، والحل الوحيد لتحقيق الاكتفاء الذاتي يستدعي رفع الإنتاج الوطني، من أجل تلبية احتياجات السوق الوطنية، والوضع الراهن يستدعي العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي قبل التفكير في التصدير، لأننا نملك العديد من المصانع، التي بامكانها احتواء ما يتم استخراجه وتحويله لحديد قابل للاستعمال في مختلف المجالات، على غرار البناء وكذا صناعة السيارات.
تجدر الإشارة إلى أن حديد ڨارا جبيلات يحتوي على نسبة مرتفعة من الفسفور، ما يستوجب فصله قبل تحويله للمصانع، وهو ما سيعمل عليه الشريك الصيني، مع امتلاكه للتقنية اللازمة التي تمكن من فصل الفسفور عن الحديد الخام.
نتحدث أيضا عن الفوسفات، الذي يعتبر من أهم الموارد التي تمتلكها الجزائر، خاصة وأنه هام في الزراعة ولا بديل له في الفلاحة، وامتلاكه يجعلنا في غنى عن استيراد الأسمدة، ويمكننا القول بأن الفوسفات معدن استراتيجي، لكونه على علاقة مباشرة مع الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، والحديث يقودنا للمكمن الكبير للمعدن في منطقة جبل عنق في بئر العاتر بتبسة، أين تتواجد 5 مناجم، ومن أبرزها منجم كاف سنون، ويتم منه استخراج نحو 1,6 مليون طن سنويا ونصدر منه حوالي 1 مليون طن والاحتياطي بالحقل يقدر ب 300,16 مليون طن ونملك احتياطات هائلة منه، ولكن التحدي الأكبر العمل على تحويل الفوسفات الخام لاستخدامه في الأسمدة، والعملية ستمكن من الاستفادة من مداخيل كبيرة، إذ أن 1 طن من الفوسفات الخام يقدر ثمنه ب 240 دولار، والفوسفات الصالح للاستعمال في الأسمدة يصل سعره ل 900 دولار ل 1 طن، ما يبين أهمية تصديره صالحا للاستعمال في الأسمدة.
كما يعتبر معدني الرصاص والزنك، من أبرز المعادن، التي تملك بلادنا احتياطات هامة واستخراحها سيمكن من ضخ مبالغ كبيرة للخزينة العمومية، وفي العادة معدني الرصاص والزنك يستخرجان من منجم واحد، ومن أهم المناجم التي تحوزها البلاد الحقل المنجمي خرزة يوسف وشعبة الحمراء في سطيف، وتقدر احتياطاته ب 1 مليون طن وانتاجه سنويا يصل ل 30 ألف طن، يضاف لها مناجم صغيرة في جيجل وتلمسان ولكن مشروع منجم واد أميزور في بجاية، يعتبر الأهم، ويحصي احتياطيا هائلا يصل ل 53 مليون طن، ويمكن استخراج حوالي 34 مليون طن، والانتاج به حسب بطاقة المشروع يقدر ب 170 ألف طن، ما سيرفع الإنتاج الوطني من الرصاص والزنك الخام ل 200 ألف طن، مباشرة مع دخول المنجم حيز الخدمة خلال العام الجاري.
نتحدث عن الذهب الموجود في الصحراء، وإن كان الذهب موجودا في بومرداس بمنطقة الثنية ولكن استخراج وإستغلال الذهب بالشمال صعب، لذا سيقتصر حديثنا عن الذهب الموجود في الصحراء، وخاصة في الجهة الغربية من الهقار والتي نحصي بها حوالي 600 موقع تحوي على آثار وجود مادة الذهب، ولكن 7 مناطق يمكن اعتبارها مناجم وتحوز على كميات كبيرة ويمكن استغلالها بطريقة صناعية، وحاليا استخراج الذهب يقتصر على منجمي تيراك وأمسماسا في الجهة الغربية من الهقار، ونملك مناجم في تاكويات، تنشفاو وإن أبيغي الموجودة في الهقار الأوسط وفي الهقار الشرقي تتواجد مناجم تيريرين، تين زكرين وهانن، وفقط يجري الاستغلال بمناجم الهقار الغربي ويقدر احتياطي الذهب بين 150 و200 طن، ويمكن أن يرتفع في ظل الإجراءات المتخذة من قبل السلطات العليا للتنقيب عن الذهب.
وأخيرا نقول بأن البلاد تزخر بعديد المعادن التي نجهل لحد الساعة إن كانت ذا جدوى اقتصادية، ولكن قد يتم استغلالها واستخراجها على المدى البعيد، بعد استكشافها والحصول على بيانات تمكننا من معرفة ما تحوزه من احتياطات واطلاق دراسة اقتصادية للتأكد من جدوى استغلالها، ونذكر على سبيل المثال القصدير والفولفرام، اليورانيوم الموجود بالحدود مع دولة النيجر ومعادن أخرى على غرار النحاس، وكل هذه المعادن موجودة ولكن استغلالها يتطلب الكثير من الاستكشاف، وفي المقابل فإن استكشاف واستخراج وتحويل معادن الحديد، الفوسفات، الزنك والرصاص وكذا الذهب يعد الأنجع والأفضل في الوقت الراهن، ولكن هذا لا يعني عدم الاهتمام بالمعادن الأخرى، التي يجري اكتشافها بمختلف أنحاء الوطن.
ما هي المعادن، التي حقيقة يمكن التركيز على استخراجها وتصديرها للاستفادة من عائداتها ؟
أرى بأنه يجب التركيز على استخراج وتصدير معدني الحديد والفوسفات، لأنه عبر التاريخ تعتبر الجزائر بلد الحديد والفوسفات ونملك خبرة في المجال، خاصة وأن الاستفادة من عائدات المجال تتطلب منا أن لا نقوم بتصدير المعادن خاما، وهو التحدي الأكبر لنا في الوقت الراهن، فالحديد الخام يجب أن يبقى في الجزائر، مع العمل للرفع من إنتاج الحديد المحول لتصديره فيما بعد، قابلا الاستخدام في مختلف الصناعات.
كما يعتبر الفوسفات معدنا هاما لأنه سيمكننا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسمدة التي يدخل في تركبيها الفوسفات وتصديرها فيما بعد، ما يجعل الدول الزراعية، التي تقتني منا الأسمدة مرتبطة بسوقنا، ولكن عامة ومن أجل الرفع من المداخيل والخروج من عباءة المحروقات، فإن كل المعادن التي يتم استخراجها يجب توجيهها لصناعة منتجات أخرى ونصدرها في شكل قابل للاستعمال، لأن تصديره في شكلها الخام لن يفيدنا كثيرا.
هل ترى بأن الاستغلال الأمثل للمعادن التي تتوفر عليها البلاد يتطلب إجراءات دراسات جديدة ؟
قبل استخراج المعادن من أي مكمن، يجب اطلاق دراسات تقنية واقتصادية، والتي تمنحنا تصورا عاما له وتمكننا من معرفة نوعية المعدن والكميات والاحتياطي الموجود به، وهذا من أجل ضمان النجاح الاقتصادي للمشروع، بالإضافة إلى التوصل إلى الطريقة الأمثل لاستخراج المعدن، والتي تكون سواء بالاستغلال الباطني أو عبر استغلال سطحي، والأبحاث فقط تمكننا من معرفة الفائدة الاقتصادية من استخراج المعدن.
يجب التذكير، بأن أغلبية الدراسات أجريت بين سنوات 1970 و1990 والتي أعطت لنا احتياطات عديد المناجم، ولكن اليوم استغلالها يتطلب تحيينا للأرقام التي تعتبر قديمة، بالموازاة مع التطور في الذي يعرفه القطاع المنجمي في طرق الاستكشاف، وفي المقابل بلادنا وللأسف تعرف نقصا في عمليات التنقيب والبحث عن أماكن تواجد المعدن وكمياته والطرق المناسبة لاستخراجه، وما يجب تأكيده أن عمليات الاستكشاف شهدت تناقصا كبيرا منذ سنة 1990، ونملك عدة مناجم نجهل الكثير عنها، ما يستدعي ضرورة إجراء دراسات استكشافية كبيرة وكثيرة في عدة مناطق من البلاد لضمان النجاح الاقتصادي للمشاريع المنجمية.
وأشير إلى أن الكفاءات الجزائرية بامكانها القيام بعمليات الاستكشاف دون اللجوء للأجانب، وإن كان من الممكن منح تراخيص للشركات الأسترالية والكندية وكذا خبراء الدول المعروفة في المجال، لكونهم يحوزون على خبرة كبيرة في المجال، خاصة وأن الجزائر فقدت الكثير من الكفاءات، بعدما أحيل البعض منهم على التقاعد، فيما هاجر أخرون، كما أن
الاحتكاك بكفاءات أستراليا، كندا وجنوب افريقيا سيساهم في نقل التكنولوجيا والتقنيات الجديدة في المجال المنجمي للكفاءات الجزائرية.
العديد من مناجم تتواجد شرق البلاد، هل استغلالها ممكن في ظل قربها من المناطق المأهولة بالسكان ؟
استغلال المناجم المتواجدة في الشمال يتعرض لعدة مشاكل، على غرار مشروع منجم واد أميزور بولاية بجاية، والذي تحيط به عدة قرى، ولكن لا يمكن منع كل المشاريع في الموجودة شمال البلاد، ولكن عملية الاستغلال يجب أن تكون عن طريق اطلاق حوار جاد مع السكان لتوضيح كل ما قد يتسبب في عرقلة المشروع، مع الحرص على ضرورة الحفاظ على البيئة، خاصة وأن المشاريع المنجمية تساهم في النمو الاقتصادي لأي منطقة وتعمل على خلق مناصب شغل لمدة طويلة نسبيا، تدوم فترتها لأكثر من 10 سنوات، لكن مديريات البيئة مطالبة بالمراقبة الشديدة لهذه المشاريع والحرص على احترام كافة الشروط التي تضمن حمايتها، عبر استخدام التقنيات الجديدة، من أجل تجنب كل الآثار السلبية على البيئة، اذا فلا يجب أن تعطل التخوفات على البيئة انطلاق عمل المشاريع المنجية، وأنوه إلى أن المشكل مطروح فقط شمال البلاد، لأن المناجم في الجنوب بعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان.
بما أنك تحدثت عن مشروع منجم واد أميزور، هل لك أن تقدم للقارئ منافعه الإقتصادية
قبل التحدث عن منافع مشروع منحم واد أميزور، بودي الإشارة إلى أن الوكالة الأمريكية لعلوم الأرض تحصي حوالي 808 منجم للرصاص والزنك، منها 61 منجم فقط تتجاوز احتياطاتها 50 مليون طن، ويعتبر مكمن واد أميزور واحد منها ويعود تاريخ اكتشافه لنهاية ستينيات القرن الماضي وبداية السبعينيات، وتقدر احتياطاته ب 53 مليون طن، وحسب أخر الدراسات التي أجريت على المنجم من قبل الأستراليين، فإن ما يمكن استغلاله يقدر ب 34 مليون طن ويمكن استخراج سنويا حوالي 2 مليون طن من الصخور المختلطة بالمعدن، والمشروع تقدر حياته الزمنية ب 21 سنة، ولكن عند الشروع في استغلال المنجم قد تتغير الأرقام مع التوصل لاكتشافات جديدة، كما يمكن للمنجم أن يوفر أزيد من 780 عامل على مدى أكثر من 20 سنة، وتكون فيه نسبة من الأجانب مع بداية المشروع.
ومن جانب أخر لا أحد ينكر أن الاستغلال المنجمي يولد مخلفات منجمية وصناعية، حيث أن الصخور التي يتم استخراج المعادن منها تصبح بدون فائدة ويتم التخلص منها، وهو ما اشتكى منه سكان المنطقة، ما جعل الصينيين يهتدون لفكرة ردم الحجارة التي يتم استخراج المعادن منها، حتى لا تبقى في شكل مخلفات يتم رميها، وحسب الأستراليين فإن ما بين 60 و75 بالمئة من الحجارة التي سيتم استخراجها ستردم بعد نزع المعادن منها، ليتم بعدها غلق كل الحفر الناجمة عن استغلال المنجم، وهي الفكرة التي اعتبرها رائعة.
أعود إلى المشروع، الذي انطلق سنة 2006 مع شركة أسترالية تدعى "تيرامين" بالشراكة مع الشركة الوطنية للمعادن غير الحديدية وأنشات شركة جزائرية أسترالية سميت "wmz"، تحوز فيها الشركة الأسترالية على نسبة 65 بالمئة و35 بالمئة للشركة الجزائرية لتتغير فيما بعد وفق القانون الجزائري أين أضحت الشركة الحزائرية تحوز على 51 بالمئة مقابل 49 للشركة الأسترالية.
وأجريت دراسات استكشافية قدرت تكاليفها بحوالي 40 مليون دولار، وتم اقتراح الاستغلال الأولي للمنجم سنة 2010 ليتم تغييره سنة 2018، ليتم الإتفاق النهائي عليه سنة 2020، وقد تم التوصل لطريقة الاستغلال الأولي عقب منح مكتب دراسات صيني الحق في ذلك.وقد انتقد العديدين منح شركة تيرامين الأسترالية حق استكشاف مكمن واد أميزور لكونها صغيرة، وهو أمر صحيح، ولكن في مجال المناجم وفي الدول غير المعروفة في المجال المنجمي، تقوم الشركات الصغيرة بعمليات الاستكشاف، وللأسف الجزائر من الدول غير المعروفة في المجال المنجمي، والشركات المصغرة تتكون في العادة من حوالي 10 خبراء جيولوجين ولكنهم متمكنون و ذو خبرة كبيرة.
وإن تحدثت عن فوائد مكمن واد أميزور، فيمكن تلخيصها في نقطتين، أولها بأن المشروع سيمكن من إعادة تحريك الصناعة المنجمية في البلاد، التي تراجعت كثيرا منذ تسعينيات القرن الماضي، خاصة وأن الجزائر كانت تتعامل مع دول الاتحاد السوفياتي وشركائه وتسبب سقوط الاتحاد السوفياتي في نقص التبادل والشراكة، يضاف لها العشرية السوداء، وثانيها أن العشرات من العائلات ستستفيد من المنجم في ظل ما سيوفره من مناصب شغل.
وبالنسبة لي الزنك والرصاص، الذي سيتم استخراجه، سيحول للمصانع المتواجدة في بلادنا عوض تصدير الزنك خاما، لذا أشدد على ضرورة الاستثمار في الصناعة وعدم تصدير المعدن خاما للاستفادة بصفة كبيرة من العوائد، خاصة وأن الزنك يستعمل في العديد من المجالات ما يجعله مطلوبا بشدة، وهو من المواد التي تدخل في عدة صناعات، على غرار قطع غيار السيارات، كما أنه يضاف للحديد لمنع تآكله (الصدأ)، بالموازاة مع امتلاكنا لاحتياطي هائل من الحديد الخام.
وفيما يتعلق بالبيئة، فإن الشريك الجزائري مع الأستراليين حريص جدا على هذه النقطة، ما جعل الأستراليين يقدمون مقترحا نال القبول، وفي حال عدم انطلاق المشروع، فإن السبب الوحيد معارضة السكان، خاصة وأنه يقع في قلب منطقة فلاحية بامتياز وتحصي كثافة سكانية كبيرة والناس متمسكة بأرض الأجداد.
كيف ترى واقع القطاع المنجمي في بلادنا وما هي آليات تفعيله للاستفادة من المناجم التي تحوزها بلادنا ؟
لتفعيل والاستفادة من القطاع المنجمي في بلادنا، يجب علينا التوجه نحو ابرام شراكات ما بين القطاع العام والخاص، ولا يمكن أن يبقى القطاع المنجمي ككل على عاتق الدولة، سواء في جانب الاستكشاف أو الاستغلال، ويجب الاستفادة من استثمارات القطاع الخاص، ولكن مع تمكينه من العمل مع الأجانب والاحتكاك والاستفادة من خبرتهم في المجال، ولكن في المقابل يجب تسهيل العمل للخواص من خلال رفع كافة العقبات، التي قد تتسبب في عزوفهم عن الاستثمار، وهذا من أجل المرور بسرعة من الاستكشاف للإستغلال، وفي المقابل فإن الشركات الوطنية الخاصة مطالبة بامتلاك الكفاءات التقنية والاقتصادية، ولا يجب أن يدفع المستثمر المستحقات في بداية الاستكشاف ويوقع اتفاقية مع إدارة المناجم لتقديم نتائجه، لأن الطريقة المتبعة في الوقت الراهن أثبتت محدوديتها، فعلى الرغم من تقدم عديد الشركات للاستكشاف، إلا أن النتائج لم تعطي عددا كبيرا من المواقع التي تصنف كحقول يمكن استغلالها.
وأؤكد أن تسهيل الاستثمار الخاص في قطاع المناجم، وكذا تسهيل دخول الكفاءات الأجنبية لبلادنا لابرام شراكات مع مؤسسات القطاع الخاص، بالإضافة إلى منح الخواص مناطق للاستكشاف بدون اجبارهم على دفع ضرائب ومحاسبتهم على نتائجهم، سيكون كفيلا بتحقيق النتائج المرجوة، وأشير إلى أن المزاد العلني يجب أن ينظم في حالة وجود استكشافات كثيرة فقط.
هل لك أن تقدم لنا أرقاما عما يمكن أن تحصل عليه الجزائر من استخراج وتصدير الحديد، الفوسفات، الزنك، الرصاص والذهب ؟
قيقة لا يمكن الحديث عن العائدات بصفة عامة، لأن بعض المناجم لم يتم الشروع في استخراج المعادن الموجودة بها والسلطات العليا تراهن على المشاريع الكبيرة، على غرار مشروع منجم ڨارا جبيلات للحديد ومشروع منجم واد أميزور للزنك والرصاص، لذا سأكتفي بتقديم بعض الإحصائيات وأسعار المعادن.
بداية بمنجم ڨارا جبيلات، الذي يمكن استخراج 1,7 مليار طن من إجمالي الاحتياطي الذي يزخر به، وينتظر أن يصل الانتاج السنوي به لنحو 12 مليون طن، منها 9 ملايين ستوجه للاستهلاك المحلي و3 ملايين طن يمكن تصديرها، وحسب أسعار الحديد الخام في السنتين الأخيرتين فإن 1 طن من الحديد الخام يصل سعره ل 130 دولار، ما يمكن جني 400 مليون دولار سنويا من عائدات تصدير الحديد خاما، وباحتساب كافة التكاليف، فإن صافي الأرباح يصل ل 200 مليون دولار، وفي حال رفع إنتاج المنجم ل 30 مليون طن، فإن الخزينة العمومية ستتضاعف مداخيلها من عائدات الحديد الخام، ولكن في حال توجيه الحديد للتعدين والتحويل بالمصانع التي تحوزها بلادنا يمكن رفع العائدات بشكل أكبر، لأن الحديد المحول تتضاعف أسعاره ب 5 مرات على الأقل مقارنة بالحديد الخام، لذا فيحب تحويل الحديد قبل تصديره.
بخصوص الفوسفات، تملك الجزائر عديد المناجم، من أبرزها كاف سنون باحتياطي يصل ل 300 مليون طن ومنجم بلاد الهدبة باحتياطي يقدر ب 900 مليون طن، ما يعطي 1,2 مليار طن بالمنجمين فقط، يضاف لها الكميات الأخرى الموجودة بمختلف المناجم التي تحوزها بلادنا، والميزة التي ينفرد بها معدن الفوسفات عن باقي المعادن، أنه يحوز على السلسلة الصناعية، بداية من استخراجه لغاية استخدامه في تركيب الأسمدة، وحسب البيانات التي أحوزها فإن الإنتاج السنوي لمشروع الفوسفات سيبلغ 5,4 مليون طن من الأسمدة، وحسب متوسط الأسعار العالمية التي تصل ل 700 دولار للطن، ستستفيد الخزينة العمومية من عائدات هامة، ما يبرز أهمية وقيمة الفوسفات الذي يعتبر هاما وغاليا ولا يملك بديلا له.
وبما أننا نتحدث عن العائدات، فإن مشروع منجم واد أميزور على قدر أهميته، سيكون رقما صعبا في معادلة المداخيل، ويتوقع أن يصل رقم الأعمال الاجمالي ل 214 مليون دولار، فيما أن صافي الأرباح يقدر بنحو 60 مليون دولار سنويا، وهذا من خلال انتاج حوالي 2 مليون طن سنويا من الزنك والرصاص الخام، منها 169 ألف طن من الزنك و30 ألف طن من الرصاص، كما سيمكن من توفير 670 منصب عمل لسكان المنطقة. ولا يمكن أن نغفل على المناجم الأخرى، التي تخص الفوسفات، الحديد والزنك والرصاص، على غرار مشري عبد العزيز، شعبة الحمراء، خرزة يوسف، إذا فالمداخيل تتوقف على الكميات المنتجة والمصدرة.
الاستكشاف في القطاع المنجمي يبقى على عاتق الحكومة ويكلف الكثير، ما هي الخطة الأمثل للقيام بعمليات استكشاف وتحيين للخرائط الجيولوجية ؟
سؤالك ينقسم لشطرين وهما الاستكشاف والخرائط، والخرائط، والتي تقع حاليا على عاتق الوكالة الوطنية للجيولوجيا، وهي المسؤولة عن المسح ولها برنامج خاص بها، ولا ننكر بأن تحيين الخرائط مهمة شاقة ولا يمكن للخواص القيام بها، لذا تظل على عاتق الدولة والمستثمر الأجنبي عند استلامه لأي مشروع ينتظر توفير الخرائط له لتسهبل عمله في الاستكشاف.
منذ الاستقلال فإن أغلب عمليات الاستكشاف قامت بها الدولة الجزائرية عن طريق الشركة الوطنية للصناعة المنجمية والاستكشاف "الديوان الوطني للبحوث المنجمية"، غير أنه منذ تسعينيات القرن الماضي شهدت عمليات الاستكشاف نقصا كبيرا، بسبب الوضع غير الآمن بمناطق تواجد المنجم، وبالموازاة مع ما حدث، فإن طرق الاستكشاف شهدت طفرة بظهور تقنيات جديدة وبوسائل متطورة، لذا فإنني أرى بأنه من الضروري تسهيل عملية الاستكشاف للشركات الراغبة في الاستثمار، وخاصة الأجنبية منها، على أن تواصل الشركة الوطنية عملها، مع فتح الباب أمام الاستكشاف للخواص، إذ أن الاستكشاف في البلدان غير المعروفة في المجال المنجمي يقع على عاتق شركات استكشاف مصغرة، والتي تتكون في العادة من 5 إلى 10 خبراء مختصين في الجيولوجيا وإستغلال المناجم، خاصة وأن الشركات العملاقة ترفض القيام بمثل هذه المهام، بسبب التكاليف المرتفعة لها، وأشير إلى أن الشركات المصغرة تتعامل مع البنوك لتمويل عمليات الاستكشاف، لذا فإن القيام بعمليات استكشاف كبيرة وناجعة تتطلب دعم الشركات الوطنية بشركات أجنبية مصغرة، من خلال قوانين محينة معدلة ومكيفة.
وفي رأي الخاص السبيل الأمثل للتقدم في عمليات الاستكشاف يمر عبر التعاون مع الشركات الأجنبية المصغرة، وأبرز مثال مشروع منجم واد أميزور الذي قامت باستكشافه شركة مصغرة أسترالية، ولا يخفى على أحد بأن أغلب المناجم في بلادنا تحتاج لتحيين بياناتها، خاصة وأن نتائجها مر عليها فترة ليست بالقصيرة، فيما أن الاستغلال يتطلب عقد شراكات جديدة.
المشكل البيئي يلقي بظلاله على العديد من المناجم وتسبب في تعطل انطلاقها، هل بامكانك طمأنة المواطن ؟
لا يمكن أن ننكر وجود أخطار بيئية من النشاط الصناعي، ولكن الدراسات والأبحاث التي يجري اطلاقها تسعى لايجاد أفضل السبل للشروع في استغلال المناجم والسلطات الجزائرية لا تتلاعب في الجانب البيئي وتشدد على ضرورة حماية المواطن والبيئة.
وأشير إلى أن منح التراخيص لاستغلال واستخراج المعادن يمر بالعديد من الإجراءات، كما أن القوانين الجزائرية صارمة وتسهر على حماية المواطن والبيئة، لذا فإن المواطن لا يجب عليه أن يمنع ويعرقل نشاط المناجم، بل عليه التنسيق مع السلطات العليا لحماية نفسه وبيئته، خاصة وأن النشاط المنجمي تطور، وأضحى يعطي اهتماما كبيرا بالبيئة، وعلى سبيل المثال الدراسة التي قام بها الفريق الجزائري والأسترالي بخصوص كيفية استغلال مكمن واد أميزور، أين أعطي حيز كبير لحماية المواطن والبيئة، حيث أن أكثر من 60 بالمئة من المخلفات المنجمية ستعاد لباطن الأرض، وهذا بعد استخراج الزنك والرصاص منها، يضاف لها أن التقنيات المستعملة في النشاط المنجمي مع التقدم التكنولوجي ستساهم في حماية المواطن وبيئته.
تنويع الإقتصاد الوطني يمر بالإعتماد على الصناعة، والتي تعتبر شريانا حقيقيا للتقدم ببلادنا، رغم أننا لا ننكر آثارها على البيئة ولكن يجب فتح أبواب الحوار بين المواطنين والشركات والسلطات لتجسيد المشاريع المنجمية، وفي نفس الوقت لا نغفل على حماية المواطن والبيئة.
ما هو السبيل الأمثل لتطوير القطاع المنجمي في بلادنا ؟
يجب أن يتفتح القطاع المنجمي أكثر على المستثمر الخاص الجزائري وأن لا يقييده، شرط حيازته على الكفاءة الاقتصادية والتقنية، خاصة وأن الحمل بات ثقيلا على الدولة في مجال الاستكشاف، بعدما ضخت مبالغ كبيرة للقيام بالاستكشافات واطلاق دراسات، والتي يمكن أن تكون قاعدة ونقطة انطلاق للمستثمرين الخواص في القطاع، كما يجب منح المستثمر الخاص الجزائري الحق في الاستعانة بالخبرات الأجنبية للعمل في المناجم. ونحصي العديد من الشركات الخاصة، التي ترغب في الاستثمار في القطاع المنجمي، ولكن ضبابية المناخ الاستثماري والقوانين التي تسييره تدفعها للعزوف عن الاستثمار، لذا يجب إعادة النظر فيها لتسهيل النشاط أمامها، خاصة وأن الأمر سيعود بالفائدة على البلاد.
قدم وزير الطاقة والمناجم مؤخرا قائمة تضم العديد من المعادن والأتربة النادرة، التي تحصيها الجزائر وكشفت عنها الدراسات، ما ردكم ؟
تحتوي القائمة على مواد نعرف قيمتها وما نملكه من احتياطات في المناجم المستكشفة، على غرار الحديد، الفوسفات، الزنك، فيما أن بعض المواد لا نعلم حقيقة الكميات الموجودة، على غرار المنغانيز والموليبدنيوم، وهو نفس الوضع بالنسبة للأتربة النادرة، فلا نملك معلومات دقيقة تخول لنا التوجه نحو استخراجها واستغلالها فورا.
كل المعادن التي تحصيها الجزائر، يجب استغلالها واستخراجها على ثلاث مراحل، وهذا حسب رأي الشخصي، ففي البداية الاستغلال والاستخراج يجب أن يركز في المرحلة الأولى (المدى القصير)، على الحديد، الفوسفات، الزنك والرصاص وكذا الذهب، لأننا نعرف الكميات الموجدة، ومناطق تواجد المناجم ونملك مناجم قيد الاستغلال، على غرار الحديد بكل من الونزة، ڨارا جبيلات، الزنك بشعبة الحمراء وخرزة يوسف وكذا واد أميزور والذهب بأمسماسا، إن أبيغي وتيراك.
وفي المرحلة الثانية، أو على المدى المتوسط التوجه نحو مناجم الولفرام، القصدير، اليورانيوم، والتي نملك بخصوصها معلومات ولكن استغلالها بحاجة لدراسات واستكشافات جديدة، والشروع في استغلالها يحتاج ل 10 سنوات على الأقل، فيما أن المرحلة الثالثة (على المدى البعيد) والتي تحتاج لأكثر من 15 سنة، تخص الأتربة النادرة، الموليبدنيوم والغلبيرليوم، والتي نملك بخصوصها آثارا ولا نملك بيانات كافية.
نعود للحديث عن مشروع منجم ڨارا جبيلات، ما هي الأسباب الحقيقية لتعطل انطلاق استغلاله ؟
قبل الدخول في صلب الموضوع، بودي الإشارة إلى بعض الأرقام، حيث أنه في سنة 2017 كانت تقدر احتياجات السوق الوطنية من الحديد الخام ب 9 ملايين طن، فيما أن متوسط الإنتاج الوطني بين سنوات 2015 و2022 بلغ نحو 2 مليون طن، ما أجبر البلاد على استيراد ما بين 6 و7 ملايين طن من الحديد الخام لتوجيهه لمصانع التعدين، سواء في وهران أو جيجل والسلطات تراهن على منجم ڨارا جبيلات لتغطية العجز وتحقيق الإكتفاء الذاتي من الحديد الحديد، إذ تشير الأرقام بأن متوسط الإنتاج السنوي مع بداية انطلاق مشروع منجم ڨارا جبيلات سيصل ل 12 مليون طن، ما سيمكن من تصدير حوالي 3 ملايين طن سنويا، وتراهن عليه السلطات لوقف استيراد الحديد الخام.
تعطل انطلاق استغلال منجم ڨارا جبيلات، راجع لاختلاط الفسفور بالحديد وتتراوح نسبته بين 0,5 إلى 0,7 بالمئة، فيما أن أعلى مستوى للفسفور في الحديد يجب أن لا يتجاوز 0,1 بالمئة، وقد قدم الشريك الصيني تقنية تمكن من فصل الفسفور عن الحديد الخام، مشددين على أن التقنية تعتبر الأفضل لمعالجة النسبة المرتفعة للفسفور في الحديد.
استغلال منجم ڨارا جبيلات سيساهم في دعم كافة مصانع التعدين على مستوى الوطن وتمويلها بالحديد الخام، فيما ستوجه النسبة المتبقية من الإنتاج للتصدير، ويمكن تصديرها في شكل حديد قابل للاستعمال في مختلف الصناعات والمجالات.
كلمة أخيرة ؟
أشكر جريدة الرائد التي منحتني حيزا لتوضيح عدة نقاط تخص القطاع المنجمي، خاصة وأن العديد يتحدث عن القطاع، دون أن يكون ملما بخصوصياته الجيولوجية، أتمنى أن أكون قد وفقت في اعطاء لمحة للقارئ بخصوص الأرقام وأهم الموارد التي تحوزها بلادنا.
وأجدد تأكيدي بأنه بامكاننا حماية المواطن والبيئة وتطوير القطاع الصناعي المنجمي مع بعض، ولكن يجب دوما فتح أبواب الحوار بين المواطنين والشركات وبرعاية السلطات، لايجاد حلول للمشاكل وتوضيح اللبس من أجل السماح بتجسيد المشاريع، والتي ستعود بالفائدة على الجميع.كما أدعو السلطات العليا لرفع جميع القيود وتسهيل فرص الاستثمار والاستكشاف في القطاع المنجمي أمام الخواص. وأنتهز الفرصة للترحم على كل ضحايا قطاع المناجم، الذين قدموا حياتهم في سبيل تطوير والنهوض بالقطاع المنجمي في بلادنا.