الوطن

هكذا يؤثر "التصحّر" و"الجفاف" على الأمن الغذائي والمائي للجزائر

عشية اليوم العالمي لمكافحة الظاهرتين

تواجه الجزائر السنوات الأخيرة العديد من المخاطر الطبيعية فزيادة على الحرائق صيفا والفياضانات شتاء فأن ظاهرتي التصحر والجفاف أصبحتا من المخاطر الكبرى التي تتطلب تعبئة وحشد للإمكانيات المادية والبشرية لمواجهتها بالنظر لاتصالهما المباشر وخطورتهما على الأمن الغذائي.

وعشية اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف المصادف للـ17 جوان من كل سنة يعود الحديث عن خطورة الظاهرتين على الجزائر حيث بات التصحر والجفاف في المرتبة الرابعة ضمن عشر مخاطر طبيعية كبرى تهدد الجزائر في مقدمتها الزلازل الفيضانات والحرائق، ويعرّف التصحر أنه ليس الزحف الطبيعي للصحراء ولا تنقل الكثبان الرملية فقط بل  هو " تدهور الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة نتيجة عوامل مختلفة، بما في ذلك التغيرات المناخية والأنشطة البشرية وهو ما نجر عنه مشاكل اقتصادية وبيئية عديدة

.تهديد للأمن الغذائي

 في الجزائر يهدد التصحر الأمن الغذائي بشكل مباشر فنتيجة لهذه الظاهرة الطبيعية الخطيرة تتراجع الطاقة الإنتاجية لعدد كبير من المساحات الزراعية وعلى سبيل المثال ولاية تبسة التي تعتبر من الولايات الفلاحية بامتياز غير ان إحصائيات رسمية، تؤكد أن ظاهرة التصحر في هذه الولاية  تسببت في فقدان حوالي 40 بالمائة من المساحات الصالحة للزراعة وهو ما تسبب في تذبذب في الإنتاج الفلاحي بهذه الأخيرة وتراجع في انتاج العديد من المحاصيل التي باتت الولاية تستقدمها من باقي ولايات الوطن وهو ما ينطبق على باقي الولايات المهددة بظاهرة التصحر وتدهور الأراضي ما يؤثر على الامن الغذائي للجزائر ككل.

 السد الأخضر... هل سيكون المنقذ؟

وبسبب مخاوف من تحول ظاهرة التصحر لمهدد حقيقي للأمن الغذائي والموارد الفلاحية فأن الحكومة تحاول إيجاد الحلول التي تحد من تفاقم الظاهرة حيث جاء إعادة بعث مشروع السد الأخضر كبداية لسلسة الإجراءات المتبعة في هذا الشأن أين يرتقب أن ينطلق مشروع إعادة بعث برنامج السد الأخضر عبر 13 ولاية بمناطق السهوب والهضاب العليا بداية من العام المقبل،  ويمس البرنامج مساحة تقدر بـ4,7 مليون هكتار على طول يفوق 1500 كلم من الشرق إلى الغرب، ممثلة لشريط السد الأخضر، منقسمة على الأنواع المختلفة للأراضي منها الرعوية والفلاحية والغابية، وسيكون لكل نوع من هذه الأراضي برنامجا خاصا، بالتنسيق مع كل الفاعلين المهتمين بهذا المشروع، بما فيهم المستثمرون الخواص لخلق مؤسسات مصغرة وتوفير مناصب شغل خضراء للشباب.

 وتعمل المديرية العامة للغابات مع مختلف الشركاء ضمن هذا البرنامج على إعادة تأهيل أكثر من مليون هكتار من المساحة الرعوية، و200 ألف هكتار من المناطق الحراجية، ومساحات أخرى تمسها عملية إعادة التأهيل في إطار برنامج استصلاح الأراضي الفلاحية ضمن عقود الامتياز الممنوحة للفلاحين. وتشمل النظرة الجديدة للسد الأخضر التي بادرت بها السلطات المركزية للبلاد أيضا عمليات أخرى تخص الساكنة متعلقة بفتح المسالك، وإنجاز السكنات الريفية واستخدام الطاقة الشمسية، وغيرها من العمليات التي يتضمنها المشروع الذي سيتم تجسيده بإشراك جميع الفاعلين بما في ذلك المجتمع المدني والمرأة الريفية والشباب والمستثمرين الخواص والفلاحين والمربين.

في حين  يجري التحضير حاليا لإعداد دراسة تمس جميع ولايات الوطن من أجل وضع خريطة  للتعرف على نسبة التصحر في الجزائر والوقوف على العامل الإيجابي للبرامج المختلفة التي قام بها القطاع في مجال مكافحة التصحر، والعمل ضمن هذه الدراسة على إعداد خطة عمل للسنوات المقبلة، علما أن نتائج دراسة سابقة تم إعدادها سنة 2016 مست 12 ولاية سهبية، أبانت أن حوالي 17 بالمائة من  مساحة السهوب حساسة ضد التصحر، ما يمثل مساحة تفوق 7 ملايين هكتار من الولايات السهبية التي شملتها الدراسة.

 شلغوم: الحرائق تفاقم من الظاهرتين وهكذا يمكن مواجهة المخاطر الناجمة

 ويؤكد رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم أن هذه ظاهرة التصحر باتت من المخاطر الكبرى، ولا يمكن أن تكون مكافحتها إلا باتحاد كل الفاعلين و تعزيز آليات التنسيق بين جميع القطاعات المعنية من خلال الاستخدام الرشيد لجميع الموارد المتاحة، مشيرا أن أسباب عديدة جعلت من الظاهرة تهديدا حقيقيا للجزائر منها التغيرات المناخية خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة وأيضا  الحرائق والتي ارتفع معدلها بشكل كبير السنوات الأخيرة تعتبر من أسباب تدهور المساحات الفلاحية والتصحر، حسب شلغوم الذي أشار أن الاحصائيات الرسمية تؤكد أن الحرائق تتسبب في إتلاف ما معدله 30 ألف هكتار من المساحات الغابية سنويا في الجزائر، ناهيك عن الأضرار المدمرة التي تسببها للبيئة والتوازن الإيكولوجي وهو ما يجعل  من الضروري وضع استراتيجية تشمل مكافحة المخاطر الكبير المرتبطة ببعضها على غرار الحرائق التصحر والجفاف مشيرا ان هذه المخاطر ترتبط ببعضها ارتباطا وثيقا وكل واحدة منها تعتبر مدمرة للطبيعة وللاقتصاد ومصدر للفقر وتهديد للأمن الغذائي.

 استراتيجية محكمة اعتمدتها الحكومة لضمان للأمن المائي

 بالمقابل تشهد الجزائر، منذ سنوات، حالة جفاف مقلقة بسبب التغيرات المناخية، وهو ما جعل الامن المائي الوطني في خطر وعجل باتخاذ إجراءات طارئة على اعلى مستوى من أجل تعزيز الموارد المائية أكثر ورفع نسبة الاعتماد على تحلية مياه البحر بصفة متزايدة على المدى المتوسط والبعيد قصد التخلص السنوات المقبلة من شبح الجفاف، وترتبط ظاهرة الجفاف في الجزائر بتراجع التساقطات المطرية السنوات الأخيرة حيث تشير إحصائيات رسمية من وزارة الموارد المائية أن نِسَب التساقطات المطرية بلغت خلال السنوات الأخيرة بين 40 و50 بالمئة مقارنة بالمعدلات السنوية الماضية، خصوصا في الجهتين الوسطى والغربية للبلاد.

 وأوضحت الوزارة أن نقص وشح الأمطار بفعل التغيرات المناخية أثرّ بشكل كبير على تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، وقد برزت آثارها جليا السنتين الماضيتين عندما تم تسجيل أزمات مياه في العديد من ولايات الوطن غير أن الحكومة وبتعليمات من رئيس الجمهورية تحاول تدارك الوضع بإعداد  استراتيجية وطنية تعتمد على تحلية مياه البحر، بإنجاز محطات كبرى لتحلية مياه البحر بقدرة 300 ألف متر مكعب يوميا، على مرحلتين (2022-2024 و2025-2030).

 وتتضمن هذه الاستراتيجية أيضا مسألة تأمين المياه، عبر تحلية مياه البحر وترشيد الاستهلاك وتصفية المياه المستعملة وتوظيفها في الرّي الفلاحي. في حين يري الخبراء انه من الضروري على الحكومة أيضا لمواجهة شبح الجفاف وضمان الامن المائي بذل مجهودات إضافية لتشييد مزيد من السدود بمختلف مناطق البلاد، خصوصا في المناطق الشرقية التي يشهد بعضها تساقط أكثر من 1400 ملم من الأمطار مع العلم أنّ قطاع الفلاحة لوحده يستهلك نحو 60 بالمئة من الموارد المائية، ما يتطلب استغلالا جدّيا لمياه التساقطات المطرية عبر توفير الوعاء لها والذي يتمثل في السدود.

 

من نفس القسم الوطن