الوطن

"ضرورة تفعيل دور المهندس المدني لمنع تكرار مخلفات زلزلزال بومرداس"

المكلفة بالاعلام بنقابة المهندسين المدنيين في حوار لـ "الرائد"

تتحدث علوان زكية رئيسة لجنة الاعلام والاتصال بنقابة المهندسين المعتمدين في الهندسة المدنية والبناء، في حوار لجريدة "الرائد"، عن آمن البناء، خاصة وأن الجزائر تحصي عددا كبيرا من البنايات الهشة والآيلة للسقوط. وفي هذا الحوار، الذي يتزامن مع مرور 19 عاما على زلزال بومرداس، والذي سجل انهيار العشرات من البنايات، تؤكد محدثتنا وجود العشرات من المباني الأخرى، التي تشكل خطرا حقيقيا على قاطنيها وذلك بفعل هشاشتها وقلة تحملها للعوامل المناخية والطبيعية، على حد سواء، كما أن طريقة بنائها تجعل خطر انهيارها على رؤوس ساكنيها وضع يستدعي اتخاذ تدابير استعجالية.

19  سنة تمر على زلزال بومرداس، ماذا استخلصتم مما حدث في مجال العمران بولاية بومرداس خاصة وفي الجزائر عامة ؟

نحن لا نستخلص، نحن نعرف ونقيم مواقفنا بالحجة العلمية و القانونية، إذ أننا نمثل أهم متدخل في قطاع البناء نحن نمثل أصحاب مكاتب الدراسات التقنية الذين توكل لنا مهمة الدراسات قانونا، وتم تغيبنا قبل زلزال بومرداس قانونيا وميدانيا، و تم تغيبنا ميدانيا بعد أن تم تشريع قانون 04-05 المعدل لقانون التعمير 90-29، فاليوم وجب علينا تعريف دور المهندس في صلابة وثبات و استقرار البنيان، خاصة وأن علم الهندسة المدنية قائم على مجموعة من القوانين والمعايير التي يمكن للبناء أن يكون صلبا ومقاوما للزلازل حسب شدتها و هدف هذا العلم هو حماية أرواح الناس بالحد الأدنى، وهذا ما يؤكده قول زيغي لوبكوفسكي، الخبير في الزلازل في كلية لندن الجامعية، "المرء يصمم المباني لحماية أرواح الناس.. هذا هو الحد الأدنى المطلوب".

إن سقوط بنايات بومرداس كان شبه حتميا، ولكن لو أن كنا نملك دراسات قائمة ومحترمة للمعايير وتطبق على أرض الواقع، فإن سقوط البنايات كان يمكن حدوثها بعد فترة من الاهتزازات المرنة، ما يعطي فرص أكبر للنجاة، كما أن الوضع يمكن أن يجعل البنايات تقاوم لوقت أطول، ولكن بما أن هذه الدراسات هي الحاضر الغائب، فإن الموت كان تحت الأنقاض، وهذا ما أثبته الخبراء غداة الزلزال، بما أن الآلة التنفيذية هي نفسها عبر ال 58 ولاية، فإن النتيجة أن الوضع لا يختلف بين ولايات ساحل ولا ولايات جنوب، وبعد زلزال الشلف عام 1980، شهدت الجزائر ولادة أول قانون مضاد للزلازل (RPA81) ، لكن في عام 2003 أثناء زلزال بومرداس، أتضح أن الخلل كان في غياب المهندسين، ولهذا السبب قدم المشرع (في 2004) القانون 04-05 الذي يلزم بإجبارية مشاركة المهندس في الهندسة المدنية، في انجاز أي دراسة، لكن المفارقة اليوم ونحن في عام 2022، أن وزارة السكن و العمران والمدينة تقترح مشروع قانون التعمير لإلغاء القانون (04-05) وتسليم مواطنينا ومبانينا لمخاطر الزلزال، من خلال استبعاد المهندسين، لذا نجدد قولنا بأن المهندس المدني المعتمد ومشاركته في البناء بشكل رسمي هي الضامن الوحيد لعدم تكرار ما حدث في 2003 وقبلها في 1980 في ولاية الشلف.

 ما الذي يجب تطبيقه، لتجنب مخلفات زلزال بومرداس؟

أفرز زلزال بومرداس حصيلة دموية جعلت المشرع الجزائري يتدارك الخلل ويصدر قانون 04-05 الذي يوافق نصائح الخبراء الدوليين، والذي سعت من خلاله لبناء جزائر آمنة وعمران مستقر، ورغم ذلك فالقانون موقف عن التنفيذ رغم تسلسل المراسيم التنفيذية المتعلقة به، واليوم بعد 18 سنة من سن هذا القانون لم تتغير الظروف، ومازال السكن يهدد قاطنيه والآمن في البنايات رهين الهزات، فيما كان من المنتظر تطبيق هذا القانون مع مجموعة القوانين الأخرى الصادرة سنة 2004، غير أننا نجد أن البعض من أصحاب المصالح، والذين يريدون الاستفراد بالإشراف الهندسي على المشاريع على حساب صلابة وآمن البنايات يحاولون كل مرة التخلص من هذا النص القانوني، واليوم قد رسموا مشروعهم الاقصائي ( مشروع قانون التعمير الجديد ) و قد تم اقتراح الغاء القانون 04-05 الذي جاء نتيجة لدماء ضحايا زلزال بومرداس 2003.

 تشهد العديد من الولايات الساحلية، التي تتوفر على بنايات تعود للعهد الاستعماري، حوادث انهيار لبعضها، كيف تقيمون وضعها؟ 

  تشهد العديد من الولايات الساحلية التي تتوفر على بنايات استعمارية حوادث انهيار لبعضها، ولا يتجاوز عمر البناء الخرساني المبني على المعايير الصحيحة حوالي 70 الى 80 سنة بالمناطق الداخلية أما بالمناطق الساحلية ذات التأثير الجيولوجي والرطوبة العالية فلا يتجاوز فيها عمر البناء في أحسن الحالات الخمسين سنة، ولا نتحدث عن شيوخ البنايات التي تغطى واجهة الساحل الجزائري، والتي تتفاوت أعمارها والتي تتراوح بين 150 و200 سنة .

من مساوئ سياسة الجزائر في ترميم البنايات القديمة إبقائها على هياكلها المتآكلة عقود،ا مما استلزم أيضا الحفاظ على نفس البنى التحتية من قنوات صرف للمياه سواء للأمطار أو المياه المستعملة، بل وقامت بالحفاظ على التهيئة العمرانية القديمة ببعض من البريكولاج السطحي، على الرغم من مرور الوقت وتوسع المدن، حتى أصبحت كل تلك المنشآت الأرضية عاجزة عن الاستيعاب، بالإضافة إلى عدم تكيفها مع مستجدات هذا العصر من توصيلات وشبكات، ولأننا اتبعنا نفس المدرسة الفكرية في الترميم والحفاظ على الأثر المعماري القديم نتجرع النتائج بعدم تجديد البنى التحتية وفشلها من استيعاب قطرات الأمطار في الخريف، فما يحدث في المدن الحديثة والذكية هو بناء مدن كاملة من التوصيلات والشبكات ومحطات طوارئ  (GALERIES SOUTERRAINES, technique)تحت الأرض، ناهيك عن الدراسات غير الجادة والتنفيذ غير المطابق للمعايير ومنح الدراسات لغير أهلها، وكذا عدم وجود هيئة وطنية لتأشير مخططات التهيئة ومطابقتها للمعايير وللواقع، فالدراسات الناجعة تكون بدراسة من كافة النواحي لجريان المياه وكمياتها المحتملة والطرق التي تحمي من الانسدادات، وهذا أقل تقدير.

تنخفض قيمة البناء حسب إنجازه ومطابقته للمعايير فحتى البنايات الحديثة لم تسلم من الانهيارات والهشاشة لن نقول بعد 10 سنوات و لا خمسين سنة ..سنقول انها بعد تسليمها مباشرة تبدأ بالتهاوي و الارتباك تحت قطرات مطر او حمولات زائدة حتى من السكان ، و هذا كله بسبب سياسة اقصاء المهندسين المختصين في جميع المجالات و من بينهم المهندس المدني المعتمد طيلة 18 سنة او تزيد ، ان مشاركة المهندسين في اختصاصهم لهو السبب الكافي لزيادة عمر البنايات و التي يؤكد ان مطابقتها للمعايير التقنية و جودة البناء تسمح باستغلالها وقتا طويلا طبعا الى جانب ترسيم العقود و تفعيل العقوبات ، و ردع التجاوزات و لاتعتبر عملية البناء مصلحة شخصية بل هي مصلحة عامة يشترك فيها الجميع .طالما ان فساد الجزء يعطل الكل .

ما هي مقترحاتكم للحفاظ على هذا النوع من العمران وحماية أرواح قاطنيها؟

 تعتبر عمليات البناء، التي تتم دون إشراف هندسي، جريمة وكارثة وعواقبها وخيمة، سواء على المدى القصير أو الطويل، والتي تتجرع نتائجها سياسات الاقصاء والاستفراد في اتخاذ القرارات و الفساد الإداري، فاليوم يجب عن أن نتساءل عن كيفية منح تراخيص البناء دون اشتراط عقود الاشراف على الإنجاز، وكيف تستطيع السلطات أن تفرض على الخواص بناء سكناتهم وفقا للمعايير التقنية والهندسية، إذا كانت هي سببا في التجني على القانون وإغفال أهم شروط منح رخص البناء والتجزئة وحتى عقود الاستشارة الفنية والاشراف الهندسي، ناهيك عن مخالفات القطاع العمومي من طرف المسؤولين التنفيذيين بتعطيل عقود التعمير واتحدى أن نجد أي مشروع عمومي واحد منجز قبل هذا اليوم يحوز على رخص بناء ورخص تجزئة و عقود الاشراف على الإنجاز، وفقا للقوانين السارية المفعول.

 كمختصة في الهندسة المدنية، هل يتماحترام معايير السلامة في مختلف البنايات، التي يجري تشييدها في الوقت الراهن ؟ 

 وجود تششقات في البنايات دليل واضح على خلل عميق، إذ أن طواقم المتابعة والإشراف غير متخصصة، وأحيلك على موقع واد كنيس لتجد ما يؤلم من تجارة الشهادات الجامعية، و التي يقتني منها المهندسون المعماريون  والمقاولون ما يكفي لتكوين ملفاتهم الإدارية، التي تضم طواقم وهمية بالنتيجة لا أحد يعمل في اختصاصه والجيوب تمتلئ وفي المقابل خزينة الدولة منهكة، و هذا يرجع للطرح الذي كررته مرارا وتكرارا هو غياب المسؤولية المهنية وربط المهن بالتقليد الأعمى الذي تمارسة الإدارة الجزائرية ضاربة عرض الحائط المعايير وقوانين الجمهورية.

 ماهو الحل المقترح من طرفكم كنقابة وخبراء لحماية أرواح الساكنة ؟

 نشدد ونطالب بضرورة تفعيل المشاركة الفعلية للمهندسين المعتمدين في الهندسة المدنية وبقية الاختصاصات لتطوير قطاع البناء والرقي بالجزائر من بلد الضحايا والدماء الى بلد المباني الشاهقة المرنة والمقاومة لكل الظواهر الطبيعية والآمنة لسكانها .

من نفس القسم الوطن