الحدث

رمضان فرصة عظيمة لاغتنام الحسنات وتجديد العهد مع الله

الشيخ بن سالم نايل يتحدث عن فضائل الشهر الفضيل في حوار مع "الرائد"

 الشيخ بن سالم نايل إمام أستاذ معتمدالشؤون الدينية والاوقاف لدائرة عين الملح بولاية المسيلة، من مواليد سنة 1975،علم القرآن الكريم متطوعا لسنوات، ثم التحق بمعهد سيدي عقبة لتكوين الأئمة وأكمل به حفظ القرآن، أين تخرج من الأوائل في دفعته، متحصل على بكالوريتين في العلوم الإسلامية ثم الليسانس في الادب العربي ثم الماستر.

ماهي الطرق الصحيحة التي لابد على الجزائريين اتباعها لاستقبال الشهر الفضيل؟

شهر رمضان فرصة عظيمة لاغتنام الحسنات وتجديد العهد مع الله تعالى، ولشحذ الهمم وترويض النفس وتهذيبها وتزكيتها، والذي ينبغي للمؤمن عموما ان يحرص عليه لاستقبال هذا الشهر الكريم – الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه ليستعدوا له- أمور كثيرة ولعل من بينها:

-التوبة: بالرجوع الى الله تعالى والانابة اليه سبحانه والتذلل بين يديه والمسارعة الى الإقلاع عن الذنوب والمعاصي والآثام القلبية والقولية والفعلية ، والندم على مافات من التقصير وانتهاك محارم الله ، والعزم على عدم العودة الى ماكان ، ورد المظالم الى أهلها. ويجدر التنبيه والتحذير من أن تكون هذه التوبة مقتصرة على رمضان ثم يعود الانسان الى ماكان عليه ليلة العيد ، فإن هذا من أخطر مايفسد الدين ويذهب بالحسنات.

فما رمضان الا منبه لنا من غفلتنا وانطلاقة لتصحيح وتدارك تقصيرنا . وقد أمرنا الله تعالى بالتوبة والانابة (ومن لم يتب فألئك هم الظالمون)- وليكن قدوتنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال "أيها الناس توبوا الى الله واستغفروه فإني أتوب اليه واستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة " وفي رواية "مائة مرة".

-التضامن والتكافل: خصوصا مع تدني القدرة الشرائية وغلاء الأسعار ، وكثرة المشردين والايتام وضحايا الطلاق...فينبغي للمؤمن التنبه لهم وخاصة من جيرانه وأقربائه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة صدقة في رمضان " ولنكن كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم "كان أجود الناس وأجود مايكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة".

قراءة القرآن : ولقد كان السلف كالامام مالك اذا دخل رمضان تفرغوا للقرآن دون غيره من العلوم. فهو شهر القرآن وفيه أنزل ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول (ألم) حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف ".

- اغتنام الوقت : فهو أثمن ما يحافظ عليه الانسان لأنه رأس ماله ، وسيحاسب عليه يوم القيامة أحفظ أم ضيع " لاتزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل ...وعن عمره فيما أفناه"، فلا يضيع المسلم وقته فيما لانفع فيه أو في المحرمات مما يعرض في التلفزة أو الانترنت...

-العمرة: ففضلها يتضاعف في هذا الشهر الكريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي "

-إفطار الصائم: متعة العطاء والبذل لا يعلمها الا من جربها وتعود عليها ، وقد تعود الجزائريون بحمد الله قديما وحديثا على إحياء هذه السنة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء "

-وصلة الارحام : ففيها وبها خيري الدنيا والآخرة ، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه  أو أن ينسأ له في أثره فليصل رحمه " فيبارك له في رزقه  ويزاد له في عمره.

 مادام أنك تطرقت إلى الإكثار من العبادات، هلا حدثتنا عن روحانية الصائم؟

الانسان روح وجسد، فالجسد محسوس، أما الروح فلا يعلم حقيقتها وكنهها الا الله جل جلاله ( ويسألونك عن الروح قل الروح من امري ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا ).

والروح سماوية علوية ، والجسد أرضي سفلي ، واذا مات الانسان اتجه كل الى أصله ، فالروح تصعد الى السماء ، والجسد تأكله الأرض . ومن الناس من همته في الثريا ومنهم من همته في الثرى ، وشتان بين هذا وذاك.

 وبالصوم يعيش المسلم روحانية لا مثيل لها ، فتسمو روحه ويشرق قلبه وتطيب نفسه ( ...لنحيينه حياة طيبة ) ، فيتنعم في بحور السعادة وتغمره الطمأنينة والسكينة والراحة . هاته الحالة التي تعتريه لا يجد لها وصفا ، ولا يملك لها لغة يعبر بها عنها . يقول أحد العارفين بالله المنعمون بحلاوة الايمان : ' إنه ليمر بالقلب لحظات أقول ان كان أهل الجنة في مثل هذا انهم لفي نعيم ' ويقول آخر : ' أنا جنتي وبستاني في صدري ' وآخر يقول : ' ان في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة '.

  وللوصول لهذه الدرجة السامية والمرتبة الرفيعة لابد من إخلاص الاعمال لله رب العالمين (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وأن تكون عبادتنا وفق مابلغنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

والله تبارك وتعالى لم يفرض علينا صيام رمضان ليعذبنا أو يحافظ على موارد الأرض أو..أو.. وإنما فرض علينا الصيام لتحقيق غاية جليلة عظيمة ألا وهي تحقيق ملكة التقوى التي من أدركها فاز ونجا ( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ). ويقول القسطلاني معددا ثمرات الصيام:' ومنها رقة القلب وغزارة الدمع وذلك من أسباب السعادة، فإن الشبع مما يذهب نور العرفان ويقضي بالقسوة والحرمان '.

 خصص الله عز وجل بابا في الجنة يطلق عليه باب الريان، هلا حدثتنا عن هذا الباب؟

  اختص الله الصائمين بباب خاص بهم يسمى باب الريان ، فعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لايدخل منه احد غيرهم ، يقال أين الصائمون ؟ فيقومون لايدخل منه احد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " متفق عليه.

  فكما هو معلوم أن للجنة ثمانية أبواب، لكل باب أقوام مخصوصون يدعون اليه على حسب أعمالهم كما جاء في الحديث "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة ياعبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة ومن كان من اهل الجهاد نودي من باب الجهاد ومن كان من اهل الصيام نودي من باب الريان ومن كان من اهل الصدقة نودي من باب الصدقة " فقال ابوبكر 'بأبي انت وامي يارسول الله ماعلى من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال "نعم وارجو ان تكون منهم". أما باب الريان فلا يدخل منه الا الصائمون الذين اخلصوا صيامهم لله رب العالمين، وحافظوا عليه من كل يخدشه او ينقص اجره من الرفث والسباب ورفع الصوت... والريان مأخوذ من الري وهو ضد العطش وهو مناسب لحال الصائمين، وفي الصيام نستشعر نعمة الماء .

 لماذا قال الله تعالى" شهر رمضان الذين أنزل فيه القرآن" ألم ينزل القرآن في غير رمضان؟

المراد من قول الله تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) على ماذكره المفسرون هو النزول الكلي للقرآن ، لأن القرآن نزل نزولين : النزول الكلي جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى بيت العزة في السماء الدنيا ليلة القدر من شهر رمضان ، وهذا هو المقصود في الآية الآنفة الذكر ، وفي قوله تعالى : (إنا أنزلناه في ليلة القدر..) وفي قوله تعالى ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) فصارت هذه الليلة اعظم ليلة في العام تشرفت بنزول القرآن فيها ، يقول النبي صلى الله  عليه وسلم " من قام ليلة القدر ايمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". والنزول منجما (مفرقا) من بيت العزة الى الأرض على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين عاما على حسب الوقائع والأحداث ، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا" .

 يتزامن شهر رمضان في هذه السنة مع استمرار الموسم الدراسي، بم تنصح التلاميذ والطلبة المقيمين في الأحياء الجامعية؟

 أقول للطلبة في مختلف الأطوار التعليمية وفي المعاهد ومراكز التكوين، أن يجتهدوا في طلب وتحصيل العلم والمعرفة، لأنهم في سن التحصيل ولأن مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة إنما يكون بالعلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم ".

وليكن شهر رمضان دافعا ومحفزا لكم للمضي قدما نحو العلا، فما رأت الامة انتصارات كانتصاراتها في هذا الشهر الكريم، لأن الذي يستطيع الصيام طيلة نهاره صابرا محتسبا يمكنه ان يحقق المعجزات في كثير من الأمور وبخاصة في طلب العلم والمعرفة .

 فبالعلم تبنى الأمم وتقوم الحضارات وتفرض الامة الإسلامية هيبتها ووجودها ومكانتها وتستغني بذاتها عن غيرها وتكون رائدة وسباقة الى العلا متبوعة لا تابعة في مختلف تاميادين وشتى مجالات الحياة، ولله در العلامة البشير الابراهيمي رحمه الله حين قال: ' لا خير في أمة تأكل مالا تنتج وتلبس مالا تنسج'.

 ونصيحتي لكل طالب وطالبة أن يكون قدوة في الخير ، ومثالا يحتذى به ، سلاحه العلم ، وشعاره الحياء ، تقطر أخلاقه أدبا وحلما ، متمثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، يكف أذاه عن الناس ، بعيدا عن الغضب " لا تغضب " مجانبا للسفه والرفث والصخب ، يدفع بالسيئة الحسنة ، مبادرا للأعمال الخيرية التضامنية ، كالغيث أينما حل نفع ، حلو الكلام لين الجانب ، بشوشا سهلا . يظهر عليه أثر الصيام في سلوكاته قولا وعملا .

 رسالة للشعب الجزائري؟

 أولا : بلغنا الله وإياكم رمضان " اللهم سلمنا رمضان وسلمنا له وتسلمه منا متقبلا" ، ووفقنا جميعا لصيامه وقيامه ايمانا واحتسابا على الوجه الاكمل .

ثانيا: أدعو كافة الجزائريين الى تجنب كل مايشين الى هذا المجتمع العظيم والى تاريخه وحاضره ومستقبله من بعض السلوكات التي تصدر من بعض ضعاف النفوس من التجار ومن المستهلكين على حد سواء .

 فينبغي للتاجر ان يتجنب الغش " من غشنا فليس منا "، والاحتكار " من احتكر فهو خاطئ " مسلم، ورفع الأسعار، وليكن رمضان فرصة لازدياده من الخير والاجر بتقليل هامش الربح او على الأقل لا يرفع منه وليحتسب الباقي صدقة، وخاصة وأن المجتمع الجزائري تزيد نفقاته في هذا الشهر من المواد الاستهلاكية وكسوة العيد فرحا وغبطة بهاتين الشعيرتين وتقوية للصائمين، وتكرما بإفطار الصائمين عموما وعابري السبيل والارامل واليتامى والمعوزين على وجه الخصوص. فليكن التاجر المسلم عونا لإخوانه على إشاعة الرحمة والتكافل باعتباره واحدا من اهل الخير والجود والكرم ....

   كما أدعو المستهلك الى عدم الانصياع وراء الشائعات والى المرجفين الذين لا يهمهم الا زرع البلبلة خدمة لأغراض تشوبها الشكوك ...، وعدم التهافت على تكديس السلع فإن هذا يخدش التوكل على الله ويفضي الى اتلاف الكثير من المواد الأساسية بسبب سوء التخزين او انتهاء صلاحيتها ....وهذا من الفساد الذي جاءت الشريعة بحرمته ( والله لا يحب الفساد ).

  فلا ينبغي للمؤمن ان يكون أنانيا يقدس ذاته، ويؤثر مصلحته على حساب إخوانه، والنبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه ".

والشعب الجزائري – ولله الحمد – برهن في كثير من الأزمات قديما وحديثا تمسكه بدينه وتضامنه وتكاتفه في مواجهة المحن وتحدي الصعاب، الأمر الذي ينم عن طيب معدنه ونخوته، وكرم طبعه.

من نفس القسم الحدث