الفريق أول شنقريحة يعبر عن ارتياحه لمستوى التعاون العسكري "الجزائري – الإيطالي"
- نشر في 02 أكتوبر 2024
دخل فيروس كورونا في مصر مرحلة الانتشار، أكثر من عشرين ألف مصاب، شفي منهم خمسة آلاف. ويشكل هذا التوسع ضغطا على القطاع الصحي، على الرغم مما فيه من إمكانات مؤسسية (مستشفيات ومعامل) وطواقم طبية كبيرة نسبيا، غير أن أوضاع العاملين فيه تمثل تحدّيا في مواجهة كورونا، فهم معرّضون للعدوى أكثر من غيرهم، بمن فيهم الفنيون والممرّضون والإداريون العاملون في المستشفيات غير الصيادلة. وقد زادت إصابات الأطباء بالفيروس، حسب بيانات رسمية، عن 300 طبيب، توفي منهم 20 في محافظات القاهرة والإسكندرية والأقصر وقنا القليوبية والشرقية. وكانت وفاة طبيب مستشفى المنيرة، وليد مصطفى (32 عاما) الواقعة المعبرة عن غضبٍ تجاوز الأطباء إلى حالة تعاطف وتضامن مجتمعي، بعد نشر رحله معاناته مع المرض وصعوبة تلقي الرعاية اللازمة وتأخرها، بينما سارعت وزيرة الصحة هالة زايد بالاهتمام الفائق بالفنانة رجاء الجداوي على إثر إصابتها بكورونا، عافاها الله. وفرضت المقارنة نفسها بين فنّانين، يصرّون على كسر الحظر ويتلقون العلاج ويحظون بالاهتمام، وطواقم طبية، وحالات لمواطنين تشاركوا قصص معاناة المصابين بفيروس كورونا. وتمسّ المقاربة التمييز الطبقي والاجتماعي، كما توضح اهتزاز قيم العدالة الصحية في غضون الوباء، وتجسّد سياسة الكيل بمكيالين ومظاهر اللامساواة.
المقاربة وما صاحبها من تعليقات ومظاهر غضب شغلت المصريين، وامتدّت عربيا أيضا. لم
"استطاع التضامن المجتمعي، وإن اتخذ مظهراً إلكترونياً، انتزاع مكاسب للأطباء والمجتمع" يكن الأمر كما يحاول تصويره المنسحقون تحت أحذية السلطوية تمييزا اجتماعيا أو تنمرا على رجاء الجدّاوي (80 عاما) أطال الله عمرها، على أرضية النوع أو المهنة، بل التمييز الحقيقي والفعلي تم ضد الطبيب ومواطنين لم يتلقوا الرعاية الصحية نفسها وأهمل بعضهم. وليست المقارنة كرها لفنانين أصابهم المرض، لكن الغضب مرتبطٌ بقسوة الموقف، وخطورة الفيروس بوصفه محطة الموت فيه محتمل، وأقرب من الشفاء أحيانا. ويحمل الموقف أيضا مفارقة أن طبيبا يواجه الموت يوميا من أجل رعاية مرضى كورونا تعرّض للموت، لأنه لم يتلقّ الرعاية المستحقة ضد العدو الذى كان يقاومه كل يوم... من المظلوم هنا؟ سؤال يستدعيه الموقف، خصوصا للذين يعتبرون تذمر الأطباء ومطالبهم في هذا الوقت خيانة وصيدا في الماء العكر. مهم أن يعرف من لم تصل إليه المعلومة أنه ليس من حق أسرة الطبيب الشاب الحصول على معاش حكومي ضئيل، لأنه لم يمض في الخدمة المدّة المقرّرة لذلك، غير أن معاشات الأطباء وأجورهم ضئيلة ضمن مهن أخرى يشملها تشوه هيكل الأجور. يكفي أن بدل العدوى كان 19 جنيها قبل أن تهلل وسائل الإعلام بقرار رفعه بنسبة 75% دليلا على تقدير الدولة الأطباء. لا داعي هنا للمقارنة بين نزول الفنانين لاستكمال مسلسلات رمضان التي يتذكرونها فجأة، ولم تمنعهم كورونا من تصويرها، ومن يصارعون بين خطر الإصابة بالمرض أو الجوع. لا يستوي كسر الحظر هنا بالتأكيد، حتى وإن كانت إحدى الفنانات صوّرت عمل الطواقم الفنية جهادا، فإن الادعاءات شيء والحقيقة واضحة كالشمس، كما ليس على الكلام جمرك، وإن كان بعضه إذا ساند الحق يؤدي إلى السجون وحملات التشويه.
ليس الموقف المحزن للطبيب الشاب استغلالا للواقعة، كما يحب أن يروّج المهووسون بنظريات المؤامرة، والمتشبثون بالدفاع عن الأخطاء، وتوصيف أي حديث عن الحقوق عملا تحريضا وإرهابيا داعما للإخوان المسلمين. ولكنها الحقائق القاسية عن سبل الحياة والأجور وظروف العمل وسبل الوقاية ومحاصرة الموت، وهي مهمة لم يتهرّب منها الأطباء ولن يفعلوا، طالما توفرت الحدود الدنيا لعملهم وقدرتهم على الحياة، وحتى وإن هدد بعضهم بالاستقالة تحت ضغط تكرار حالات الموت وتجاهل مطالبهم. وعلى الرغم من ذلك، هناك من الأطباء من تطوّع للعمل في المستشفيات لمواجهة الوباء.
كرّرت نقابة الأطباء مطالبها في ظل مواجهة كورونا، وهي مطالب لا تخص الأطباء وسلامتهم
"اهتزاز قيم العدالة الصحية في غضون الوباء، وتجسّد سياسة الكيل بمكيالين ومظاهر اللامساواة" دون غيرهم. طالبت بمد أوقات الحظر، وزيادة عدد مستشفيات العزل، وتخصيص مستشفيات للرعاية الصحية وتحليل كورونا، وفصلها عن مستشفيات تقديم الخدمة الصحية للأمراض الأخرى لمنع انتشار العدوى، بالإضافة إلى سد نقص مستلزمات الحماية والوقاية اللازمة، حتى لا يتحول الأطباء من خط الدفاع ضد المرض إلى ناقلي العدوى. وكانت النقابة قد اشتكت، منذ شهر مضى، من حالات تكرار تقاعس وزارة الصحة عن حماية الأطباء، عبر "الامتناع عن التحاليل المبكرة لاكتشاف الإصابات وإجراء المسحات للأطباء المخالطين لحالات موجبة، وعدم توفير أماكن العلاج للمصابين منهم".
تشكل أوضاع القطاع الصحي قضية مجتمعية بامتياز، تتجاوز مطالب العاملين فيه، وتتعاظم أهمية حل مشكلاته في ظروف الأوبئة. موقف الدفاع عن الأطباء جزء من الدفاع المبدئي عن الحق في الصحة، والذي لا بد أن يرتكز على جوانب عدة، منها ثلاثة جوانب: تطوير المؤسسات الصحية من مستشفيات ومعامل ومدها بالأجهزة الحديثة والمستلزمات الضرورية، تخصيص موازنة للصحة أو على الأقل الالتزام ببند 3% من الناتج القومي كما جاء بالمادة 18 من الدستور المصري، وسبق أن طرحت وزيرة الصحة هذا المطلب، وطالبت بزيادة مخصصات بنود الصحة في الموازنة العامة. ولعل فيروس كورونا أظهر أهمية إعادة النظر في السياسات الصحية، بما فيها أوضاع العاملين في القطاع الطبي، والذين يشكلون الضلع الثالث في ركيزة تقديم الرعاية الصحية، إلى جانب زيادة الموازنة وتطوير المؤسسات الصحية وتحسين وزيادة كفاءة إدارتها.
وهذه القضية من المفترض أن تكون محل إجماع واتفاق بين الدولة ومكونات المجتمع، على عكس ما يتم تصويره أو تحويله إلى قضية صراع سياسي، لإخفاء المشكلات القائمة أو نفيها، والتقليل من أثرها ووصفها دعاية وأكاذيب، في محاولةٍ لتجاوز مشكلات قطاع الصحة، والتي يراها مدلسون حربا ضد الدولة، ويفتشون هنا وهناك لإقناع المجتمع بأن النقاش الدائر مؤامرة ضد الدولة. يتلقى الأطباء سيلا من الاتهامات في حملات مجنونة من تشويه يقودها إعلاميون وسياسيون، ويشارك فيها للأسف أطباء محسوبون على الحكومة، ويرددون اتهامات بأن الأطباء يريدون الهروب من أداء واجبهم، أو يستغلون الظرف، هم ونقابتهم، للصيد في الماء العكر، بينما الطاقم الطبي يواجه خطر الموت.
أخيرا، تأتي استجابة وزارة الصحة وإعلانها توفير أماكن لأعضاء الفريق الطبي المصابين، وإجراء مسحات مع توفير الواقيات، نتيجة مطالب الأطباء والمساندة المجتمعية لهم. وفي السياق، أعلن تخصيص 320 مستشفى جديداً لاستقبال المشتبه في إصابتهم بالفيروس، غير استعداد
"يتلقى الأطباء سيلا من الاتهامات في حملات مجنونة من تشويه يقودها إعلاميون وسياسيون" وزارة الصحة لإمكانية إجراء فحوص كورونا في بعض المعامل الطبية برسوم لمن يريد الاطمئنان على خلوّه من الإصابة، وتصريحات حكومية متواترة، للتعبير عن تقدير جهود الطواقم الطبية. ما تم مكسب للمجتمع ككل، وهو نتاج الاحتجاج الرمزي للأطباء والتضامن الواسع معهم، فيما شكّل ما يشبه مظاهرة إلكترونية تضمنّت نشر صور الشهداء الأطباء، ونشر وسم ادعم أطباء مصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الوسيلة الباقية والمتجاوزة نسبيا حالة الخناق على المجال العام المقيد بالسلطوية وبالتباعد الاجتماعي. استطاع التضامن المجتمعي، وإن اتخذ مظهرا إلكترونيا، انتزاع مكاسب للأطباء والمجتمع، وكذلك أبرز صورة المدافعين عن الحق في الصحة، قادةً حقيقيين منتمين لمجتمعهم.
بقيت تحية واجبة لقيادات نقابة الأطباء، وإلى القيادية النقابية، منى مينا، التي واجهت حملة تشويه وهجوم جديد، نظرا إلى مواقفها النقدية من السياسات الصحية الحالية. وليس هذا منفصلا عن سياق نشاطها النقابي قبل ثورة يناير، حين قادت، هي وآخرون، لجنة الدفاع عن الصحة، وتصدّت لمحاولات خصخصة المستشفيات العامة، وطالبت بتطويرها، مع زيادة مخصّصات الخدمات الصحية وبنودها. لهم التحية، وهم يدافعون عن المجتمع ككل، ولرجاء الجدّاوي والمصابين الشفاء.