الفريق أول شنقريحة يعبر عن ارتياحه لمستوى التعاون العسكري "الجزائري – الإيطالي"
- نشر في 02 أكتوبر 2024
أصبح حضور روسيا في الأنباء مقرونة بـ "البحر المتوسط" ظاهرة ملفتة، فالقوة التي خاضت خلال العصر الحديث منافساتٍ متعدّدة مع قوى إقليمية ودولية عديدة، للحصول على أكبر نفوذ ممكن في هذا الحوض الجغرافي، أصبحت، خلال سنوات قليلة، حاضرة في سورية وليبيا، حضور يهدّد توازنات القوى الإقليمية في شرق المتوسط المزدحم، فضلًا عن أهمية "تاريخية" وتأثير استراتيجي راهن يجعله أحد أهم البحار في العالم، ولعله الأهم. .. صحيحٌ أن العالم تغير على نحو جدّي باكتشاف ما سمي "العالم الجديد"، بعد أن ظل المتوسط عشرات القرون قلب العالم القديم وساحة الصراع الأكثر اشتعالاً بين المتشاطئين.
ومن الأمور المربكة في الوضع الذي يزداد تعقيدًا أن التفاهمات الغربية بشأنه تبدو أقل اتساقًا من أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال، أخذت فرنسا قرارًا منفردًا (عن باقي الحلفاء الأوروبيين الكبار) بالتدخل العسكري، مع علمها التام أن تدخلها مترافق مع دخول روسي لا سابقة له، في دولةٍ تعاني هشاشة سكانية مزمنة (بالقياس إلى مساحتها)، وتمتد سواحلها على المتوسط امتدادًا كبيرًا، فضلًا عن كونها أكثر دول الشمال الأفريقي تواصلًا جغرافيًا مع أفريقيا جنوب الصحراء، بكل ما يمكن أن يحمله من مخاطر محتملة على الأمن الأوروبي.
وقد بدأ غياب الاتساق في الموقف الغربي من سورية، عندما تغلبت "الثارات التاريخية" مع الشرق/ الإسلام على كل ما يمكن أن يتصور أحد أنه تأثير إيجابي لقيم "الحداثة السياسية" التي كان يرجّح أن تجعل الغرب في صف المساهمة في إنجاح "التحول الديمقراطي العربي"، وامتد الرعب، فاقد البصيرة، من الملف السوري إلى نظيره الليبي. ولكن الوجود الروسي في ليبيا بدأ خلال فترة قصيرة يتحوّل من "مشكلة" إلى "كابوس" مع نقل طائرات روسية إلى قاعدة ليبية، ما قد يعني قرب دخول ليبيا: "جنة البراميل المتفجرة"!
والمخاطر في مثل هذا السيناريو أكبر بكثير. (ولا يعني التركيز على تقييم المخاطر إغفال حرمة الدماء، كل الدماء). أحد المخاطر الرئيسة ستكون خسارة روسيا ما يمكن أن تكون قد حققته من
"الوجود الروسي في ليبيا بدأ خلال فترة قصيرة يتحوّل من "مشكلة" إلى "كابوس" تقارب متعدّد المجالات مع روسيا، كالتنسيق في الملف السوري، واستمرار مشتريات السلاح التركية التي لا تريد روسيا خسارتها، والآفاق المستقبلية لمشروعات الغاز الروسية عبر تركيا. في الوقت نفسه، يعكس تضارب التصورات (والمصالح) بين روما وباريس في ليبيا مؤشرًا على التناقضات الغربية/ الغربية التي نجحت روسيا في التسلل من بين حدودها الشائكة لتصبح "كابوسًا متوسطيًا". وهذا الكابوس جزء من تصور استراتيجي "بوتيني"، لا يخلو من حسّ مغامرة يبلغ الغاية في الخطورة، فهو بعد أزمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم بالقوة، يستخدم الغاز سنواتٍ سلاحًا ضد أوروبا، ويقوم بعمليات قرصنة متلاحقة تستهدف تقويض الديمقراطيات الغربية، وتترافق تحرّكاته في ليبيا مع اتهامات ألمانية بالتجسس، ربما غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة.
والغرق في الحسابات قصيرة النظر المتصلة بمواجهة هذا الفصيل السياسي أو ذاك قد تجعل أوروبا بعد قليل في مواجهة وجود روسي/ خليجي على الشاطئ الجنوبي للمتوسط، يصعب التنبؤ بتداعياته المستقبلية، ففي نظم سياسية تنقلب سياساتها رأسًا على عقب بمجرّد خروج حاكم من المشهد، وحلول آخر محله، من غير المرغوب فيه أن يصبح هناك "مكوّن خليجي" بهذا الحجم في مكانٍ يتصف بهذا القدر من الحساسية لأوروبا. والحس التاريخي هنا يلعب دورًا فاصلًا في تحديد أفعال وردود أفعال: برلين وروما وباريس. وبالتالي، الخلافات الطافية على السطح، وإن بدت محدودة، إلا أنها في الحقيقة ممتدة الجذور في الأصول الثقافية للنظم السياسية الأكثر تأثيرًا في أوروبا. و"الكابوس الروسي" قد يساعد فرنسا وحلفاءها، على المدى القصير، لكنه على المديين، المتوسط والبعيد، قد يسفر عن نتائج غير متوقعة، وتحالفات "عدو عدوي صديقي" قد تثمر تقارب عواصم كانت لسنوات متباعدة، وما يحدث على محور الجزائر/ أنقرة، مجرد مثال.
وما تشهده سورية الآن من إعادة هيكلة قاسية لسيطرة الطائفة على الاقتصاد الوطني، لإفساح الطريق لنفوذ اقتصادي روسي، مجرد "عينة متواضعة" لما يمكن أن يتهدّد ثروة ليبيا النفطية في حال نجح النفوذ العسكري في تثبيت أقدامه في ليبيا.