الحدث

دروس في الاحترافية قدمتها الأجهزة الأمنية خلال 2019

تقاسمت مع الجزائريين مسؤولية الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي

لم تكن السلمية التي ظهر بها الحراك الشعبي في الجزائر، الذي أبهر العالم، نابعة من وعي الجزائريين فحسب، فحتى الحرفية التي تعاملت بها مختلف الأجهزة الأمنية التي رافقت الحراك الشعبي كان لها دور كبير في الحفاظ على هذه السلمية وحماية الحراك الشعبي من المندسين والمخربين، وهو ما يعطي العلامة الكاملة لهذه الأجهزة التي رفع لها الجزائريون القبعة طيلة المسيرات الشعبية.

وقد شهد نمط تعامل مصالح الأمن والدرك الوطني، منذ انطلاقة صوت الحراك الشعبي، يوم 22 فيفري 2019، بالعاصمة ومختلف ولايات الوطن، احترافية كبيرة في تسيير الحشود ممن شاركوا في المسيرات، ليجد هذا التعامل مكانا له في مختلف التصريحات واللقاءات والندوات الإعلامية في مختلف المؤتمرات الدولية ومن طرف زعماء بلدان العالم الذين أبهرتهم طريقة تنظيم المسيرات التي نادت بتغيير النظام، رئيسا وحكومة، وكل مسؤول له علاقة بملفات الفساد في الجزائر.

 

  • "خاوة خاوة" شعار تبناه المحتجون وطبقته الأجهزة الأمنية

ومنذ البداية كان الجزائريون، مواطنين وأجهزة أمنية، على وعي كبير بضرورة الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي، فشهدنا خلال الجمعات الأولى لهذا الأخير صور تلاحم كبير بين المواطنين والشرطة وعناصر الدرك الوطني المكلفة بحماية المسيرات والمتظاهرين، وعرفت المظاهرات في جمعاتها الأولى العديد من المبادرات التي تهدف للتأكيد أن الشرطي والدركي هما ابنا الشعب، حيث شهدنا في مسيرات الطلبة توزيع الورود على عناصر الشرطة ومكافحة الشعب في صورة أبهرت متابعي الحراك الشعبي، ومع تتالي الجمعات وجدت القوات الأمنية نفسها تشارك في فعاليات الحراك الشعبي السلمي لتشكل صورا أبهرت العالم، وهتف رجال الشرطة من قوات مكافحة الشغب، مع المتظاهرين أكثر من مرة "خاوة خاوة"، الأمر الذي اعتبر سابقة في المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في العالم العربي وفي العالم ككل.

من جهتهم أبان الجزائريون وعلى مدار الحراك الشعبي تضامنا كبيرا مع عناصر الشرطة والأمن خلال مسيرات الجمعة، خاصة أن هؤلاء كانوا طيلة المسيرات يبذلون جهدا جهيدا لحماية المتظاهرين والتسيير الحسن لحركة المحتجين في الشوارع والساحات، في ظل بروز في العديد من المرات بعض محاولي زرع الفتنة والفوضى، وهو ما تصدى له الجزائريون قبل قوات الأمن، ليقف المتظاهرون عبر أكثر من جمعة صفا واحدا للدفاع عن قوى الأمن والشرطة، من جحافل المتظاهرين ومنع احتكاكهم بها، ومعها كان المواطنون يوزعون الحلوى على أفراد الشرطة، علاوة على احتضان البعض منهم وتقبيلهم، مع ترديد شعار "خاوة خاوة"، ما دفع بأعداد كبيرة من أفراد الأمن لأن تذرف دموعا حارة جراء هذه المعاملة الراقية، وهي الصور التي تم تداولها بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

 

  • خطة أمنية محكمة واحترافية يشهد لها في التعامل مع الحراك

ومنذ بداية الحراك الشعبي، تلقت مختلف العناصر الأمنية تعليمات بعدم التعامل السلبي أو الاحتكاك المباشر مع أي مظاهرة كانت، والعمل بنمط تسيير الحشود لضمان الأمن العام، وتفادي الوقوع في مجابهات قد تؤدي إلى انفلات أمني سيوقع البلاد في طريق التجربة المصرية والليبية أو السودانية. وقد ظل نمط تعامل مصالح الأمن على حاله، بإبقاء التعليمات طيلة المسيرات السلمية وطيلة فترة الحراك التي تقضي بمرافقة الشرطة وعناصر الدرك الجزائريين في حراكهم، وساهمت هذه الخطة الأمنية المحكمة ويقظة عناصر الأمن وقوات مكافحة الشغب في حماية المتظاهرين وتأطيرهم والحيلولة دون أي محاولة انفلات، وهو ما يحسب لها، وأكسبها ثقة واحتراما كبيرين لدى الشعب، الذي كان من شعاراته القارة خلال مسيرات الحراك الشعبي "خاوة خاوة".

 

  • السلمية إسهام مشترك بين المحتجين وقوى الأمن

واللافت أنه حتى في الأسابيع الأخيرة للحراك، حيث تغيرت قليلا طريقة تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين، وبدأ التضييق على التظاهر في المواقع المعتادة بالعاصمة، كان الرد السلمي أيضا صاعقا، فقد واجه الجزائريون غلق بعض الساحات بفتح ساحات أخرى بكل هدوء، في حين اعتبر كثير من المراقبين في الجزائر أن هذه السلمية ما كانت لتكون لولا احترافية أجهزة الأمن الجزائرية، حيث يؤكد هؤلاء أن السلمية إسهام مشترك بين المحتجين وقوى الأمن، معتبرين أن السبب وراء ذلك هو التجربة التي مر بها كل من الشعب ومصالح الأمن خلال العشرية السوداء، التي جعلتهما يشعران بالمسؤولية الكبيرة لتفادي الانزلاقات التي قد تؤدي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه، وحتى الجيل الجديد الذي لم يعايش تلك الفترة، استفاد من تجارب الثورات العربية وما حصل بعدها في ليبيا وسوريا واليمن.

 

من نفس القسم الحدث