الثقافي

"الحريم" لحمدي الجزار: حياة في صحبة النساء

ليست رواية "الحريم" (دار صفصافة، القاهرة) للروائي المصري حمدي الجزار ذات حدوتة تتفاعل داخلها عدة شخصيات، إنما هي سيرة الولد سيّد الذي هجر ثدي أمه في الرابعة، وبدأ تلمّس الأشياء من خلال رفقته لها، مختبراً معها الحياة وبهجتها، ومصاحباً إياها في حلّها وترحالها.

عين سيّد ثاقبة متحفزة لالتقاط أي جديد، لا تكف عن مراقبة النساء صديقات أمه وجاراتها. من جهة أخرى، لا يتوقف عن نقل حواراتهن في تلك الحارة المصرية الفقيرة التي تضم مقهى وورشة ومطعماً ومدرسةً وعيادة وشقة دعارة. وفي هذا السياق يحكي عن المرأة، يصف جسدها، ملابسها، نبرة كلامها، طريقة مشيها، ويتطرق إلى سيرة حياتها.

ومن الطفولة الى سن المراهقة فالشباب، تتغيّر الصبايا اللواتي يلتقي سيّد بهن. ومثلما نراه يكبر نرى كل شيء يكبر ويتطوّر معه: الأم والجارات والأب والحارة، والأهم عقله وتفكيره، خاصة عقب دراسته للفلسفة في الجامعة، ومعايشته للنشاط السياسي للطلاب، وتفاعله مع الأحداث السياسية التي عاشتها مصر والعالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتدريجياً، يلاحظ القارئ كيف تفقد الرواية من براءتها وحيويتها عندما يترك السارد الحارة الشعبية وما بها من ثراء حياتي ويدخل إلى المدينة والجامعة، حيث يتعاطى مع فتيات مختلفات عن نساء حيّه الشعبي. تعاطٍ سيتم من دون أمّه التي كانت ترافقه دوماً، أو أبيه الذي ينشط داخل ورشة النجارة الخاصة به في طلاء الأثاث بالورنيش وغيره من الأصباغ.

ولا بد هنا من الإشارة إلى نجاح الروائي في تضمين أخته الصغيرة منى التي لم يخصّها بفصل خاص مثل باقي "الحريم" اللواتي قابلهن، بل جعل ظهورها رمزياً أو مقتضباً، معبّراً في ذلك عن الأماني التي كان يتطلع إليها منذ كان صغيراً، ولم تتحقّق.

مهنة والد سيّد في النجارة ومساعدته له، انعكستا على النص، حيث راح يرى الحياة ورشة، وما نحن إلا قطع الأثاث فيها. فمنّا من هو سرير، ومنا من هو كرسي، ومنا من هو هراوة. أما الطلاء والملمعات الخاصة به فما هي إلا حالات إنسانية مختلفة. ويتجلى ذلك، على سبيل المثال، عندما يرى الطفل سيد على شعر صاحب البقالية صبغة تذوب مع العرق بسبب الحر، فيقول له إن الصبغة مغشوشة، فيركض البقال إلى 

العطّار الذي اشتراها منه ليعاقبه.

 شخصيات "الحريم" التي يصاحبها القارئ ويرصد من خلالها التحولات الإنسانية والاجتماعية، تجعله يشعر أن هذا النص نصه، فيحاول رؤية نفسه في ذلك الطفل وإن اختلفت الأمهات.

في دردشة بمقهى "زهرة البستان" وسط القاهرة، عقب انتهاء حفل توقيع الرواية في مكتبة "البلد" الذي قدّمه الشاعر رفعت سلام وقرأ فيه الناقد شاكر عبد الحميد ورقة بحثية، وحضره الروائيان إبراهيم عبد المجيد وسعيد الكفراوي؛ سألنا الروائي عن شخصية منى أخته التي لم يخصها بفصل خاص في الرواية رغم إطلالتها في الأحداث بين حين وآخر، بشكل شفاف وصوفي، فقال: "لم أتجاهل شخصية الأخت في الرواية، فقط رسمتُ حضورها القوي عبر الغياب. منحتها اسماً جميلاً (مُنى) ليشير إلى الأمنيات، إلى المستحيل، وليشير إلى المستقبل أيضًا، حيث الأمنيات هي توق النفوس للغد".

حمدي الجزار من مواليد الجيزة 1970. من أعماله: "سحرٌ أسْود" و"لذَّات سرِّية" و"كتاب السطور الأربعة"، و"الحريم" و"الحالمون في ثورة".

من نفس القسم الثقافي