الحدث

السلطة تمد يدها للحراك وتختار الحياد في الحوار

بن صالح أكد حياد المؤسسة العسكرية فيه والالتزام بمخرجاته

طوال ثلاثين دقيقة رافع رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، على مقاربة الحل للأزمة السياسية الراهنة التي تمر بها البلاد المرتكزة على تنظيم انتخابات رئاسية وحرص في خطابه على عدم استفزاز الحراك الشعبي والطبقة السياسية ولا استباق الحوار الوطني الذي دعا إليه مرة أخرى، بعد أن استفاد من التجربة السابقة الفاشلة وعبر بإدراك واضح أن مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية لن تكون في الحوار القادم وفوضت الدولة الحوار إلى فريق قال عنه أنه سيتكون من شخصيات تحظى بشرعية تاريخية أو سياسية أو مهنية وتناقش مع القوى السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية كل الظروف والشروط اللازمة لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة وديمقراطية بما فيها الهيئة المستقلة التي ستشرف وتراقب الانتخابات والقوانين ذات الصلة بهذا الاستحقاق المنتظر ويعد هذا الخطاب ضمينا تجاوب ضمني مع مطالب الحراك الشعبي في ابعاد شخصه أو نور الدين بدوي في الاشراف على هذا الحوار.

في المجمل كان الخطاب حسب مراقبين مقدمات أساسية لانفراج قادم إذا ما تجاوبت مع أغلبية القوى السياسية وتبناه الحراك الشعبي.

 

    • اسناد الحوار لشخصية وطنية مستقلة 

 

شدد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في خطابه للأمة عشية أمس تزامنا مع احياء الجزائر للذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب على أن الحوار الذي "سيتم إطلاقه من الآن"، ستقوده شخصيات وطنية مستقلة تحظى بالشرعية، مؤكدا الالتزام بأن الدولة "بجميع مكوناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية" لن تكون طرفا فيه.

وأكد المتحدث أن الحوار أضحى "أمرا مستعجلا يتعين على بلادنا اللجوء إليه وفي أسرع وقت ممكن لاستعادة سجيتها السياسية والمؤسساتية"، مضيفا أن مسار هذا الحوار الذي "سيتم إطلاقه من الآن، ستتم قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قبل شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية".

وستكون هذه الشخصيات المعنية بتسيير مسار الحوار، مثلما أكده "بلا انتماء حزبي أو طموح انتخابي شخصي"، كما انها "تتمتع بسلطة معنوية مؤكدة وتحظى بشرعية تاريخية أو سياسية أو مهنية تؤهلها لتحمل هذه المسؤولية النبيلة وتساعدها على حسن قيادة هذا الحوار".

وبغية "إبعاد أي تأويل أو سوء فهم"، أكد بن صالح الالتزام بأن "الدولة بجميع مكوناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية لن تكون طرفا في هذا الحوار وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا المسار"، حيث ستكتفي فقط بوضع الوسائل المادية واللوجستية تحت تصرف الفريق المسير.

وفي معرض تقديمه لمختلف الضمانات التي توفرها الدولة لهذا المسعى، أشار إلى أن المشاركين في هذا الحوار سيكون لهم حرية مناقشة كافة الشروط الواجب توفيرها لضمان مصداقية الاستحقاق الرئاسي المقبل والتطرق لكل الجوانب التشريعية والقانونية والتنظيمية المتعلقة به، بما في ذلك الرزنامة الخاصة به والميكانزيمات ذات الصلة بمراقبة هذا الموعد الانتخابي والاشراف عليه.

 

    • الانتخابات هي الحل الديمقراطي الوحيد المعقول

 

كما عاد رئيس الدولة للتأكيد على أن هذه الانتخابات "تبقى الحل الديمقراطي الوحيد والواقعي والمعقول"، مسجلا قناعته بكون "رئيس الجمهورية المنتخب بشكل ديمقراطي لا جدال فيه، هو وحده الذي سيتمتع بالثقة والشرعية اللازمتين وكذا بالصلاحيات الكاملة التي تمكنه من تولي تحقيق هذه الرغبة العميقة في التغيير، وتلبية الـمطالب الشعبية الـمشروعة والقيام بالإصلاحات الجذرية المنشودة''.

وتابع مؤكدا في هذا السياق بأن ما تم اقتراحه يعد "مقاربة عقلانية وسليمة"، و"السبيل الوحيد" الذي يكفل للمواطنين "تجنب المقترحات المحفوفة بالمخاطر وإفشال المخططات المريبة التي تهدف إلى جر البلاد نحو الفراغ الدستوري وتغييب دور الدولة والزج بها في دوامة الفوضى واللااستقرار".

 

    • مراجعة قانون الانتخابات في الأفق 

 

ومن المستجدات التي ضمنها خطاب رئيس الدولة تلك التي سيفضي إليها إنشاء الهيئة التي سيعهد إليها تنظيم ومراقبة العملية الانتخابية المقبلة، فبعد أن ذكر بأن مسار الحوار الذي يدعو إليه، سيكون هدفه الاستراتيجي الأوحد هو تنظيم الانتخابات "التي يتعين أن تجرى في أقرب الآجال الممكنة"، أوضح بأن السلطة أو الهيئة التي ستوكل إليها مهمة تنظيم العملية الانتخابية ومراقبتها عبر كافة مراحلها ستكون في صلب هذه النقاشات، من خلال تحديد كيفية تسييرها ومهامها وصلاحياتها وكذا اختيار الشخصيات التوافقية التي ستسيرها.

ومن بين ما سيتمخض عن إنشاء هذه السلطة، تكييف النظام التشريعي والتنظيمي القائم، خاصة قانون الانتخابات، الذي أكد بأنه "يحتاج (...) إلى مراجعة قصد توفير الضمانات الكفيلة بتأمين شروط الحياد والشفافية والنزاهة المطلوبة"، كما سينجر عن ذلك أيضا، إعادة النظر في تشكيلة الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي ينص عليها الدستور، من أجل التوفيق بينها وبين السلطة التي سيتم إنشاؤها (.

 

    • لن نمس بحقوق العمال والاقتصاد الوطني في مكافحة الفساد

 

هذا وأكد تصميم الدولة على تنفيذ مسار التطهير ومحاربة الفساد، وفقا لقوانين الجمهورية ودون المساس بحقوق العمال أو الحاق الضرر بالاقتصاد الوطني، وحول هذه القضية قال "أن الدولة التي تبقى في الاستماع لمطالب وتطلعات شعبنا العميقة، مصممة حقا على تنفيذ مسار التطهير هذا بلا هوادة وفقا لقوانين الجمهورية، مع احترام مبدأ قرينة البراءة واتخاذ جميع التدابير اللازمة للتأكد من أن القرارات المتخذة إزاء رؤساء الشركات المعنية لن تمس بحقوق العمال ولن تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني"، كما ذكر بأن عملية التطهير الواسعة لأجهزة الدولة وتجديد تأطيرها تتزامن مع مكافحة "صارمة" لآفة الفساد وتبديد الأموال العامة، "تضطلع بها بجدية عدالة تمارس اليوم كامل مهامها وصلاحياتها".

 

    • ممارسة الحقوق الأساسية والحريات يكون في ظل احترام الآخر وقوانين الجمهورية

 

كما اغتنم رئيس الدولة الفرصة للإثناء على الشعب الجزائري "لما أظهره من نضج ووعي كبيرين في هذه المرحلة الحساسة بالذات"، وهذا من خلال "تصرفه الحضاري المثالي، وقال بهذا الخصوص: "إن ضبط النفس الذي أظهره مواطنونا ومصالح الشرطة والأمن في بلادنا قد مكن من الحفاظ على الطابع السلمي للمظاهرات" مما يشكل "رصيدا حضاريا لا يسع بلادنا سوى الافتخار به"، غير أنه أشار في المقابل إلى أن ضرورة بذل كل الجهود لضمان احترام وحماية الحقوق الأساسية والحريات المكرسة دستوريا، لا سيما حقي التعبير والتظاهر، يجب أن يرافقها "الحرص على أن تتم ممارسة هذه الحقوق في ظل احترام الآخر وفي كنف الامتثال التام لقوانين الجمهورية"، كما أنه "يتعين عدم توظيف هذه المبادئ للمساس باستقرار بلادنا ووحدتها الوطنية".

وجدد رئيس الدولة في ذات الصدد تأكيده على أن التطلع "المشروع" للشعب الجزائري قد حظي بـ"تجاوب كبير"، حيث أصبح اليوم "في صميم انشغالات السلطات العمومية" كما أضحى "من أولى اهتمامات الدولة".

حياة سرتاح

 

من نفس القسم الحدث