الحدث

التحقيق مع أويحيى مؤشر لبدء سقوط الرؤوس الكبيرة... ولكن؟!

مطالب الحراك الشعبي محاسبة كل "العصابة"

    • سراي: قطاع المالية من أكثر القطاعات التي عرفت استشراء للفساد

    • براهيمي: القضاء بدأ الخطوة الأولى، الأولوية حاليا للحل السياسي ومحاسبة كل المسؤولين يحتاج وقتا

 

رغم أن استدعاء الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، ووزير المالية الحالي، محمد لوكال، للمثول أمام المحكمة في قضايا فساد وتبديد للمال العام لم تتأكد بعد إن كانت حول هذه القضية أم أنها مرتبطة بترخيصهما لطباعة الأموال ضمن ما يعرف بالتمويل غير التقليدي والذي تم صراحة تحميل أويحيى مسؤولية ذلك، إلا أن الخبر في حدّ ذاته مثّل بشرى للجزائريين الذين يرون في هكذا إجراءات مؤشرا لبدء سقوط الرؤوس الكبيرة التي نهبت الخزينة العمومية، إلا أن العديد من المراقبين اعتبروا، أمس، أن التضحية بأويحيى وجعله يدفع ثمن أخطاء النظام بأكمله أمر لن يحقق مطالب الحراك الشعبي الذي يدعو لمحاسبة كل "العصابة" دون استثناء، وفتح كل قضايا الفساد سواء المتعلقة بالقروض التي منحت لرجال الأعمال أو تلك المرتبطة بنهب العقارات، وغيرها من القضايا التي يطالب الحراك بمحاسبة كافة المتورطين فيها حتى أولئك الذين يملكون الحصانة.

في وقت أكد خبراء ومراقبون، أمس، أن استدعاء أويحيى ولوكال من طرف المحكمة يعتبر مؤشرا لبدء سقوط الرؤوس الكبيرة، باعتبار أنها المرة الأولى التي يتم فيها استدعاء وزير للمالية وهو في منصبه، ويمتلك الحصانة ووزير أول سابق، لم يمر على تنحيته من الحكومة إلا شهر ونصف الشهر، بالموازاة مع تحرك القضاء لطلب رفع الحصانة عن أسماء أخرى من بينها السعيد بركات وجمال ولد عباس بشأن قضايا فساد أيضا، قرأ مراقبون آخرون هذه التطورات من زاوية أخرى مغايرة تماما لما يتم تداوله حاليا، حيث تساءل العديد من نشطاء الحراك، أمس، لماذا هذا التعتيم حول قضايا الفساد التي شرع القضاء في فتحها؟ ولماذا لم يتم إعطاء أي تفاصيل حول ماهية هذه القضايا؟

من جانب آخر، رفض هؤلاء المراقبون تقديم أويحيى المغضوب عليه شعبيا كتضحية و"بارشوك" لمنع تفكك عربة النظام، وتحميله مسؤولية قضايا فساد تورط فيها النظام بأكمله، باعتبار أن ذلك لن يحقق مطالب الحراك الشعبي الذي يدعو لمحاسبة كل "العصابة" دون استثناء، وفتح كل قضايا الفساد سواء المتعلقة بالقروض التي منحت لرجال الأعمال أو تلك المرتبطة بنهب العقارات وغيرها من القضايا التي يطالب الحراك بمحاسبة كافة المتورطين فيها حتى أولئك الذين يملكون الحصانة.

 

    • مطالب الحراك لن تتحقق إلا بمحاسبة "كل العصابة"

 

ومن هذا المنطلق، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، دعوات على نطاق واسع من أجل محاسبة جميع المسؤولين عن قضايا الفاسد وتنوير الرأي العام بشأن هذه القضايا المطروحة حاليا في العدالة، والتي فتحت بشأنها عدد من التحقيقات مع عدد من المسؤولين ورجال الأعمال. وقد دعا نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفاعلون في الحراك الشعبي وكذا خبراء اقتصاديون ونشطاء سياسيون، البنك المركزي والقضاء وكل الجهات المسؤولة إلى نشر قائمة القروض التي منحت لرجال الأعمال طيلة العشرين سنة الماضية، والتحقيق في هذه القائمة وإلى أين وجهت هذه الأموال التي نهبت من الخزينة العمومية، وفي أي مجال استثمرت، وماذا تحقق من هذه الاستثمارات.

وتساءل الجزائريون عن عدم كشف أسماء الآمرين بإعطاء القروض من البنوك خارج الإطار القانوني، معتبرين أنه إذا كانت أرقام الأموال المستنزفة من البنوك مكشوفة من خلال الفضائح التي نشرتها الصحافة، فمن الضروري كشف أسماء من أعطوا الأوامر.

كما دعا الجزائريون العدالة إلى التحقيق في العقارات المنهوبة في عدد من الولايات، سواء تعلق الأمر بعقارات وجهت لبناء الفيلات والشقق السكنية للمسؤولين ورجال الأعمال، وهو الملف الذي فضح في قضية ما يعرف بـ"البوشي" مؤخرا، أو تلك العقارات التي استثمر فيها كبار رجال أعمال لصالح جيبوهم الخاصة على حساب صغار المستثمرين والفلاحين الذين يبقون منذ أكثر من 20 سنة يواجهون العراقيل البيروقراطية، رغم أنهم هم من تستفيد منهم الخزينة العمومية وهم من ساهموا في تقليل فاتورة الواردات في السنوات الأخيرة.

 

    • لا حصانة لمن نهب أموال الجزائريين

 

من جانب آخر، طالب الجزائريون القضاء بنشر أسماء كافة المتورطين في قضايا الفساد حتى تلك القضايا التي أغلقت، منها قضايا سوناطراك والخليفة والطريق السيار شرق غرب، ورفع الحصانة عن كافة المسؤولين المتورطين الذين استطاعوا التنصل من العقاب بسبب الحصانة، وحتى أولئك الذين لم يتم التحقيق معهم من الأساس، منهم وزراء وولاة وردت أسماؤهم في العديد من القضايا وتم الاستماع لهم كشهود فقط، بسبب تمتعهم بالحصانة، على غرار الوزير السابق عمار غول الذي لم يحاسب على فضيحة الطريق السيار شرق غرب. واعتبر الجزائريون أن الانتقاء في معاقبة المختلسين لأموال الشعب لن يجدي نفعا ولن يحقق مطالب الحراك الشعبي، لذلك من الضروري وضع اللصوص في سلة واحدة مهما كانت الوظائف التي يشغلونها.

 

    • سراي: قطاع المالية من أكثر القطاعات التي عرفت استشراء للفساد

 

وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي الدولي، مبارك عبد المالك سراي، أمس، أن الفساد في الجزائر بلغ، خلال العشرين سنة الماضية، ذروته، معتبرا أن الحراك الشعبي عرى هذا الفساد والمتورطين فيه، لذلك فإن الدور حاليا على القضاء من أجل محاسبة كافة المتورطين مهما كانت وظائفهم.

وقال سراي في اتصال هاتفي مع "الرائد"، إن أكثر القطاعات التي عرفت استشراء للفساد هو قطاع المالية والبنوك، مؤكدا أن العديد من التقارير تحدثت عن تلقي رجال أعمال لقروض بالملايير مقابل ضمانات رمزية، حيث قال سراي في هذا الصدد إنه يجب كشف قائمة القروض وهؤلاء رجال الأعمال وكذا كشف أسماء الآمرين بإعطاء القروض من البنوك خارج الإطار القانوني، مع إعطاء قائمة وكشف الأموال المستنزفة، معتبرا أن القضاء بدأ عمله وعلى الجزائريين الثقة في جهاز العدالة. هذا والمطلوب حاليا، حسب سراي، أن نترك هذا الجهاز يعمل وفق المعطيات المتوفرة لديه.

 

    • براهيمي: القضاء بدأ الخطوة الأولى، الأولوية حاليا للحل السياسي ومحاسبة كل المسؤولين يحتاج وقتا

 

من جانبه، اعتبر المحامي والحقوقي، حسان براهيمي، أن التوقيت غير مناسب حاليا لدعوات فتح قضايا الفساد ومحاسبة كافة المتورطين، حيث أكد براهيمي، في تصريح لـ "الرائد"، أن الجزائر تمر بوضع استثنائي يتطلب ترتيب الأوليات من أجل الخروج من هذه المرحلة، معتبرا أن الأهم حاليا هو إيجاد مخرج سياسي للأزمة. أما فيما يخص قضايا الفاسد وفتح تحقيقات مع الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، ووزير المالية الحالية، أكد براهيمي أنها تندرج ضمن تحقيقات بدأت مع عدد من رجال الأعمال ولا يمكن وقفها حاليا.

لكن من الضروري، حسب ذات المتحدث، أن تجري وفق مبادئ قانونية عادلة، بعيدة عن ثقافة الانتقام وتصفية الحسابات السياسية أو التي تبنى على خلفيات إيديولوجية معينة، لذلك من الضروري أن تأخذ هذه التحقيقات وقتها، خاصة أن عددا من النصوص القانونية التي تتعلق بمحاربة الفاسد لا تتماشى والوضع الحالي، لذلك فإن محاسبة "العصابة" كما يطالب به الجزائريون تحتاج لوقت إلى غاية انتخاب رئيس جديد واستقرار الأوضاع سياسيا.

س. زموش

 

من نفس القسم الحدث