الحدث

ملايين الجزائريين يخرجون في أول جمعة بعد استقالة بوتفليقة لطرد

طالبوا بإسقاط تدابير الدستور عن مرحلة ما بعد بوتفليقة وضرورة التوافق سياسيا

خرج، أمس، ملايين الجزائريين في أول جمعة بعد رحيل بوتفليقة لحماية حراكهم الشعبي من الالتفاف وترسيم مطالبهم الداعية إلى "طرد بقايا النظام" ورفض تسيير بعض الوجوه المحسوبة على هذا الأخير للمرحلة الانتقالية، وكذا رفض حكومة بدوي، حيث دعا الجزائريون، أمس، إلى تطبيق حلول خارج الدستور من أجل تفعيل "حكم الشعب".

 

    • حراك يستمر لإجبار كافة رموز النظام على الرحيل

 

أكمل الجزائريون، أمس، حراكهم الشعبي في ظل معطيات جديدة تمثلت في استقالة بوتفليقة وإثبات حالة الشغور في منصب رئيس الجمهورية، وتوجيه الرئيس المنتهية عهدته رسالة اعتذار للجزائريين، وهو ما مثل تحقيقا لنصف المطالب ولم يرض الجزائريين الذين خرجوا، أمس، بالملايين عبر مختلف ولايات الوطن، لمواصلة النضال السلمي لافتكاك المطالب التي لم تتحقق بعد. وقد حمل الجزائريون، أمس، العديد من الشعارات منها "نطالب برحيل كل رموز النظام" و"ترحلوا يعني ترحلوا" و"يتنحاو ڤاع" وشعارات رافضة للباءات الثلاثة، وهم بدوي وبلعيز وبن صالح. كما ردد الجزائريون شعارات "البلاد بلادنا والجيش جيشنا خاوة خاوة نحيو ڤاع رموز الفساد". وقد كانت مسيرات أمس بمثابة مقياس حقيقي للحراك الشعبي، الذي استمر ولم يكتف بكسب معركة استقالة الرئيس بل يريد المواصلة لإجبار كافة رموز النظام على الرحيل.

 

    • الجزائريون يطالبون بحلول خارج الدستور لكنس "بقايا النظام"

 

ونادى الجزائريون، خلال مسيرات أمس، بمحاسبة محيط بوتفليقة وكافة رؤوس الفساد خاصة من السياسيين ورجال الأعمال الموالين لنظام بوتفليقة، والذين خذلوا الرجل في ربع الساعة الأخير وحاولوا ركوب موجة الحراك الشعبي، بل ويريدون تسيير المرحلة الانتقالية المقبلة، وهو ما اعتبره الجزائريون التفافا على مطالب الحراك الشعبي.

وصمم الجزائريون في مسيرة أمس على مطلب "يتنحاو ڤاع"، معتبرين أن رحيل بوتفليقة هو نصف الطريق في مسيرة تغيير وإسقاط النظام الفاسد، كما ثمن الجزائريون التحقيقات التي طالت رجال أعمال مقربين من الرئاسة، من بينهم علي حداد، وكونيناف وآخرون، وقائمة الممنوعين من السفر، بعد وصف قيادة أركان الجيش لهؤلاء بالعصابة لأول مرة، داعين لأن تشمل هذه التحقيقات المحيط الرئاسي. وبسبب معضلة الدستور حاليا وما تنص عليه المادة 102 فيما يخص حالة الشغور وتولي رئيس مجلس الأمة منصب رئيس للدولة، طالب الجزائريون بحلول خارج الدستور إن كان هذا الأخير معيقا لمطالب الحراك الشعبي، معبرين عن رفضهم لبقاء نفس الرموز القديمة لتسيير المرحلة الانتقالية، مطالبين بإسقاط تدابير الدستور عن مرحلة ما بعد بوتفليقة وضرورة التوافق على حل سياسي.

 

    • الملايين يخرجون لإسقاط "الباءات الثلاثة"

 

وطالب الجزائريون أمس بإسقاط الباءات الثلاثة وعلى راسهم عبد القادر بن صالح الذي سيكون بموجب الدستور رئيسا مؤقتا للبلاد لمدة ثلاثة أشهر، وسيقوم برعاية المرحلة الانتقالية. وتساءل الجزائريون أمس خلال المظاهرات كيف لهذا الرجل الذي يعد ابن النظام منذ عقود وكان مطلعا على كل الأخطاء والفضائح التي صنعها هذا الأخير أن يكون هو من يشرف على المرحلة الانتقالية التي يتطلع من خلالها الجزائريون إلى عهد جديد. كما طالت دعوات التنحية أمس رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، حيث دعا المتظاهرون أمس لإبعاد الرجل من رئاسة المجلس باعتباره من وجوه ورموز النظام كوزير سابق ومستشار بالرئاسة ثم رئيسا للمجلس الدستوري، في حين سيكون دستوريا رئيسا للدولة في حال استقالة بن صالح أو رفضه للمهمة وهو ما يرفضه الجزائريون.

 

    • دعوات للحكومة من أجل الاستقالة

 

ونادى الجزائريون، أمس، بإسقاط الحكومة الجديدة أيضا التي اعتبرها البعض استفزازية، خاصة أن الوزير الأول الذي على رأس هذه الحكومة هو نور الدين بدوي ابن النظام بمعية العديد من الوزراء الذين بقوا من حكومة أويحيى المغضوب عليها، منهم وزيرة البريد ووزير التجارة وكذا وزير السياحة. وأكد الجزائريون أن الحكومة الجديدة لم تمثل الحراك الشعبي وولدت ميتة وتضمنت أسماء غير معرفة أصلا لدى الجزائريين، أغلبهم إطارات في الوزارات التي تسلموا قيادتها، وجلهم تلقوا انتقادات من طرف نقابات مستقلة اعتبرتهم نسخة طبق الأصل للوزراء السابقين. وعبر المتظاهرون أمس عن رفضهم لهذه الحكومة من أجل تسيير المرحلة الانتقالية، معتبرين أن الحراك الذي تمكن من إسقاط نظام امتد لـ 20 سنة يمكنه أن ينهي حكومة ولدت ميتة أصلا.

 

    • مسيرات أمس رسالة واضحة لكل من يريد السطو على الحراك الشعبي

 

من جانب آخر، فقد وجه المتظاهرون، أمس في مسيرات الجمعة السابعة، رسالة واضحة لكل من يريد ركوب الموجة وسرقة الحراك الشعبي من السياسيين والأحزاب التي تحاول تبني هذا الحراك والالتفاف عليه، حيث عمدت العديد من الأحزاب السياسية خاصة من المعارضة، في الأيام الماضية، إلى وضع نفسها وصية على الحراك وباتت تطلق المبادرات وأرضيات المقترحات باسم الشعب، وهو ما رفضه المتظاهرون أمس، مؤكدين على عفوية هذا الحراك وعدم تمثيليته من طرف أي جهة وأن الشعب وحده يملك سلطة نفسه ويعي جيدا مطالبه ولا يثق في أي جهة سوى في مؤسسة الجيش، حيث ردد المتظاهرون أمس طويلا شعارات "جيش شعب خاوة خاوة"، محيين المؤسسة العسكرية على وقوفها بجانب الحراك الشعبي، مطالبين هذه الأخيرة بمزيد من الحياد.

فبالجزائر العاصمة وكغيرها بالولايات الأخيرى بالوطن، وفي أول جمعة منذ استقالة عبد العزيز بوتفليقة من منصب رئيس الجمهورية وتثبيت حالة شغوره، تجمع المتظاهرون الذين كانوا قد شرعوا في التجمع منذ الساعات الأولى لنهار أمس، على مستوى الشوارع والساحات الكبرى التي تحولت منذ سبعة أسابيع إلى نقاط التقاء المحتجين، وهي التجمعات التي بلغت ذروتها عقب صلاة الجمعة، مثلما جرت عليه العادة.

وفي غياب أرقام رسمية حول عدد المشاركين، جابت المسيرات أهم أنهج العاصمة كديدوش مراد و حسيبة بن بوعلي و العقيد عميروش وغيرها، وسط ديكور مماثل لأيام الجمعة المنصرمة و تعزيزات أمنية مشددة، الهدف منها، في المقام الأول، ضمان أمن الأشخاص و سلامة الممتلكات.

و قد رفع  المحتجون خلال هذه المظاهرات، شعارات عكست التطورات المتسارعة التي شهدتها الساحة السياسية الأسبوع المنصرم، منادين بإحداث القطيعة مع النظام القديم و استبعاد بعض المسؤولين، مع تركيزهم على "الباءات الأربعة" و التي يقصد بها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح و رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز و رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب و كذا الوزير الأول نور الدين بدوي.

كما كانت الدعوة إلى المحافظة على سلمية المسيرات حاضرة هي الأخرى في الشعارات المرفوعة من قبل المتظاهرين المنتمين إلى كل الفئات العمرية و الشرائح الاجتماعية، يضاف لها شعارات أخرى تشدد على ضرورة المرور إلى عهد سياسي جديد يقوده "أشخاص صادقون و نزهاء"، و على أن "الشعب وحده من يقرر و السيادة ملك له"، وفقا لما تنص عليه المادتين 7 و 8 القانون الأسمى للبلاد.

وفي هذا الإطار، أشارت سهيلة التي كانت مرفقة بصغيرتيها إلى أن "الجزائر تزخر برجال نزهاء و صادقين بإمكانهم تسيير المرحلة الراهنة و السهر على تنظيم انتخابات رئاسية شفافة"، متسائلة عن الجدوى من إسناد هذه المهمة لشخصيات سياسية كانت طرفا في مرحلة الرئيس المستقيل بوتفليقة.

و تشدد سهيلة على أنه و في مرحلة استثنائية مثل التي تمر بها الجزائر، فإن "كلمة الشعب تعلو على كل الدساتير"، و من جهته، يؤكد سليمان الذي وقف حاملا ابنته على كتفيه، بأن "الوقت قد حان لمحاسبة من نهبوا خيرات البلاد من أجل إعادة تأسيس جزائر جديدة و فتح المجال أمام أبنائنا للعيش بسلام". 

و في نفس الاتجاه، أكد متظاهرون آخرون على أن "الشعب يريد: حكومة توافقية -إصلاحات- لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات"، مثلما تشير إليه لافتة كبيرة تصدرت واجهة البريد المركزي، كما برزت أيضا شعارات أخرى تحذر من التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد بكل أشكاله، مع الدعوة إلى توحيد الصف و وضع كل الخلافات على الجانب، تغليبا للمصلحة العليا للوطن، فضلا عن لافتات تؤكد على وحدة الشعب الجزائري و جيشه.

و على غرار المواعيد السابقة، اكتست العاصمة رداء موحد حمل ألوان العلم الوطني الذي انسدل على كل الواجهات و حمله أغلب المتظاهرين إلى جانب صور لأبطال الثورة التحريرية المجيدة، في إشارة صريحة إلى أن الجزائر تبقى فوق كل اعتبار.

و مما ميّز مسيرات الأمس، المشاركة النسوية القوية رغم تهديدات بعض الأشخاص، من خلال فيديوهات نشرت عبر منصة الفايسبوك، بالتعرض لهن.

 

    • التضامن في أبهى أشكاله والتعبير الساخر، سمة لا تغيب عن مسيرات الجمعة

 

وككل جمعة، حرص الكثير من المواطنين على إبراز تضامنهم مع المتظاهرين من خلال مشاركتهم ما جادت به موائدهم من أطباق تقليدية في أغلبها وتوزيع المياه، في خطوة لها دلالتها ورمزيتها.

وللتعبير عن انشغالاتهم ومطالبهم، فضل الكثير من المتظاهرين اللجوء إلى تفعيل خيالهم من أجل الخروج بشعارات وصور ساخرة تعكس واقعا مؤلما بالنسبة لهم "طال أمده"، وهو ما جلب، كالعادة، انتباه وسائل الإعلام المتواجدة بعين المكان وحتى المشاركين أنفسهم.

وخلال المسيرات التي شهدتها شوارع العاصمة، تمكنت عناصر الأمن على الساعة الثالثة زوالا من إعادة طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات إلى عائلتها، بعد أن تاهت وسط الزحام.

ومن جهة أخرى، لوحظ بساحة أودان طرد رشيد نكاز، الذي كان قد أبدى رغبته في الترشح للرئاسيات التي كانت مقررة في 18 أفريل الجاري، من قبل متظاهرين رشقوه بعبوات المياه الفارغة خاصة وأنه تحايل على الجميع وقدم مرشحا آخر في مكانه يحمل نفس الاسم وقيل بأنه ابن عمه.

ومع دنو السادسة مساء وشروع جموع المتظاهرين في إخلاء أماكن تجمعاتهم، بدأ بعض الشباب في مهمة دأبوا عليها منذ 22 فيفري الماضي: تنظيف الساحات، تكريسا لحس حضاري راقي متواصل منذ انطلاق الاحتجاجات.

من نفس القسم الحدث