دولي

نتنياهو فاسداً

القلم الفلسطيني

ظهرت في إسرائيل أصواتُ سياسيِّين تدعو رئيسَ حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى التنحِّي؛ إيثارا لمصلحة (الدولة)، ولمنع المَسِّ الخطير بثقة الجمهور في مؤسَّساتها، وذلك في أعقاب نشر المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، أخيرا، لائحة شبهات ضدَّ نتنياهو، بالاشتباه بارتكابه مخالفة تلقِّي وإعطاء رشوة، والاحتيال، وخيانة الأمانة. وفي هذا السياق، تجري المقارنة مع سابقةٍ مشابهةٍ، تقريبا، حين استقال رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، بعد تقديم لائحة اتِّهام ضدَّه. 

ومع أنَّ البُعْد القضائي هنا، لا يمكن تجاهُل آثاره، إلا أنه يبقى غيرَ متفرِّد في حسم مستقبل نتنياهو السياسي، في هذه المرحلة، قبل أن تَثْبُت إدانتُه، سيَّما في وقتٍ يزداد فيه تأثيرُ العوامل الأمنية، مع انسداد أبواب أمام "العملية السياسية"، ولا تزال حالة انعدام اليقين ماثلةً في الشمال، في لبنان، وسورية. 

وفي ضوء هذا المؤثِّر الأمني المهيمن على عقلية عموم الناخبين، في إسرائيل، يَرِدُ إلى البال المثالُ السابق، وهو أولمرت، مع الفرق؛ إذ لا يمكن تجاهُل فرقٍ ضدَّ الأخير، هو إخفاقاته، في حرب لبنان، 2006، والحرب على غزة، 2014، مع فرق آخر لصالحه، مقارنةً بنتنياهو، وهو أنه لم يرتكب تلك المخالفات، وهو رئيس للحكومة، إنما في أثناء رئاسته بلدية القدس، كما هو حال نتنياهو؛ ما يضاعف من خطورة موقفه، إن لم يكن على الأقلّ، قانونيا، حتى الآن، فوطنيًّا وأخلاقيًّا. 

ومع تردّي الوضع القانوني لنتنياهو، وارتفاع نسبة الذين يعتقدون فسادَه من الجمهور 

"أغلبية الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن رئيس الحكومة، نتنياهو، فاسد" الإسرائيلي، وَفْق ما أظهرت صحيفة هآرتس: "إن سلسلة استطلاعات حول موضوع الفساد، وهي الكبرى من نوعها التي أُجريت في إسرائيل، أظهرت أنَّ أغلبية الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن رئيس الحكومة، نتنياهو، فاسد". وإثر نشر لائحة الاتهام،، قال 50% من المستطلعين في استطلاع نشرته القناة التلفزيونية 12، الأحد الماضي، إن نتنياهو ليس جديرا بأن يستمرَّ في تولِّي منصب رئيس الحكومة، بينما اعتبره 41% جديرا بتولِّي المنصب". ومع هذا التردِّي القانوني، وانعكاساته، تتعالى الأصوات التي تحذِّر من انعكاسات تورُّط رئيس وزراء إسرائيل، في الجرائم المنسوبة إليه؛ بهذا المنصب؛ برمزيَّته، على الشعب، وبتأثيره، على العاملين تحت إِمْرَته. 

ومع ذلك، يستمرُّ نتنياهو في إصراره على المواجهة والإنكار، بل إنه لا يتورَّع عن شنّ هجومٍ وتشكيكٍ بمؤسسات قانونية، بما سمّاها "مطاردة الساحرات"، (في تشكيك واضح بالمؤسسات القانونية، وفي تماهٍ مقصود مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يواجه، هو الآخر، مخاطر ملاحقات قانونية). وهو الأمر الذي انتقدته نقابةٌ تمثِّل النيابة، وحذَّرت منه صحفٌ إسرائيلية، وحتى إن نتنياهو لم يَسْلَم من بعض أعضاء حزبه، الليكود، إذ واجه هجوما لاذعا من بيني بيغن، وهو من قُدامى حزب الليكود، ونجل رئيس الوزراء الأسبق، مناحيم بيغن، إذ قال: "في خطابه، أطلق رئيس الوزراء هجوما مباشرا على النائب العام، الذي يحظر عليه القانونُ الردَّ عليه. إن التصريحات ضدَّ النائب العام خطيرة جدا، ولا أساس لها من الصحة". 

وخارجيا، تعرّض نتنياهو لانتقادات منظمة إيباك (اللوبي اليهودي المؤيِّد لإسرائيل في الولايات المتحدة) بصورة غير مباشرة؛ لدوره في إقامة قائمة مشتركة لحزبي البيت اليهودي وقوة يهودية، وجاء في تغريدة نشرتها "إيباك"، في حسابها الخاص، على "تويتر" إن "قوة يهودية" حزب عنصري يستحقُّ الشجب. أعقبتها إدانةٌ قوية اللهجة لنتنياهو من السيناتور إيمي كلوباكر، والتي أظهرت، منذ دخولها مجلس الشيوخ، عام 2007، سجِّلا داعما لإسرائيل في كلِّ تصويتٍ جرى في المجلس، ومن جديد مواقفها الداعمة تأييدها مشروع قرار يجرّم حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، ومعاقبة إسرائيل، وكذلك فعلت السيناتور الأميركية، إليزابث وارن، المرشَّحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية، إذ قالت، تعليقا على لائحة الاتِّهام الموجَّهة لنتنياهو، إن "الاتهامات بالفساد هي شقٌّ في صميم ديمقراطية فعّالة". كما انتقدت الأخيرَ؛ بسبب احتضانه التطرُّف اليميني. 

ليس اتِّهام نتنياهو بجرائم جنائية، وقضايا فساد، جديداً على الحياة السياسية في دولة الاحتلال، إذ سبق أنْ دين رئيسُ دولةٍ، وهو موشيه كاتساف، بتُهَم الاغتصاب والتحرُّش، وحُكِم عليه  

"يستمرُّ نتنياهو في إصراره على المواجهة والإنكار" بالسجن سبع سنوات، وكانت الشرطة بدأت التحقيق معه، قبل سنة تقريبا من انتهاء فترته الرئاسية. وكذلك إيهود أولمرت سلَف نتنياهو في رئاسة الوزراء الذي دين بالفساد، وحُكِم عليه بالسجن ستّ سنوات، وغرامة مالية قدرها مليون شيكل، ومِن قبله أرييه درعي، الرئيس السابق لحزب شاس الذي حُكِم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بعد إدانته بقبول رشاوى، في أثناء عمله وزيرا للداخلية، فليس لدى الجمهور الإسرائيلي توقُّعاتُ ثقةٍ عالية، إجمالا، بسياسيِّيه، ولكن المسار القضائي، إذا جرى، من الصعب إعاقتُه بالمسارات، السياسي والاقتصادي والأمني، وهي أمور لها تأثيرُها الانتخابي لدى الجمهور الإسرائيلي، ولنتنياهو ما يقوله في هذا المضمار، وله من سمات الشخصية الخطابية، والخبرة، ما يرفعه على خصومه السياسيِّين، ومِن أبرزهم الجنرال بيني غانتس، زعيم قائمة " أزرق- أبيض" المنتمية إلى معسكر الوسط الذي يحاول الإمساك بالعصا من المنتصف، بتقديم رؤيةٍ سياسيةٍ تجمع بين الحفاظ على الخطوط الحُمْر، فيما يتعلق بالاستيطان، والحدود، والقدس الموحَّدة، بالإضافة إلى تعهُّده برفض الانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، ولكن مع دعوته إلى الانفصال عن الفلسطينيين، والانسحاب من مناطق إضافية في الضفة الغربية؛ لتأمين إسرائيل بأغلبية يهودية قابلة للحياة، وبلهجةٍ تستوعب المواطنين العرب، متخفِّفةً من جرعات العنصرية والإقصاء، كما أبدى ذلك، مثلا، بموقفه من "قانون القومية"، إذ ادَّعى أنه سيعمل على تعديله. 

وأخيرا، لا بدَّ أن نلاحظ أن هذه الأزمة القضائية التي تهدِّد نتنياهو تأتي في صلب تحوُّلاتٍ متسارعةٍ تدخلها إسرائيل، تعود إلى طبيعتها، وصفتها؛ من الديمقراطية، (مع الأبعاد الدينية اليهودية الصهيونية) داخليًّا، إلى مزيد من العنصرية السافرة والتطرُّف.

أسامة عثمان

 

من نفس القسم دولي