دولي
باب الرحمة إلى أين؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 مارس 2019
ما زال الشعب الفلسطيني بكل قواه الحية وتحديدا في مدينة القدس يصر على استمرار فتح باب الرحمة، والذي أغلق ظلما وعدوانا بقرار من شرطة الاحتلال في العام 2003، بحجة ظنّ الاحتلال بأنه من خلالها سيضعف جبهة المعارضة الفلسطينية والعربية، وهي حمايته من نشاطات حماس في المسجد الأقصى، فالفلسطينيون يصرون على سيادتهم على حقهم في مسجدهم من حيث الصلاة وحرية الوصول وترميمه وإصلاحه إن لزم، دون تهديد بإصدار أوامر من المحاكم أو شرطة الاحتلال اللاشرعية، فأين ستتجه الأمور؟
إن احتمالية قبول الفلسطينيين وإخوانهم الأردنيين بالعرض الإسرائيلي الذي يقوده رئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شابات، وهو إغلاق المسجد أولا لفترة محدودة ثم السماح للأوقاف بترميمه لفترة طويلة، دون السماح بالصلاة مما يعني إغلاق المسجد بحجة الترميم، هو احتمال بعيد المنال، اعتمادا على الحق الطبيعي للمسلمين بالصلاة في مساجدهم وتحديدا المسجد الأقصى المبارك حيث مصلى الرحمة الملاصق لباب الرحمة في الجدار الشرقي من المسجد الأقصى، هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك.
إن تهديدات "إسرائيل" المرتبكة باستصدار قرار من المحكمة الإسرائيلية بإخلاء مصلى باب الرحمة خلال مدة أسبوع لا تخيف المصلين، ولا عموم الشعب الفلسطيني المصرّ على حقوقه، وصاحب التجربة الواسعة في الدفاع عن مقدساته أمام عنجهية الاحتلال، إضافة إلى ذلك فيبدو أن حكومة "إسرائيل" التي تدرك حساسية الأمر تتوانى في تقديم طلب رسمي للقضاء، مما يعني أن مهلة الأسبوع لم تبدأ بعد، فهي تريد بهذا إعطاء فرصة أكبر لإغلاق المصلى بالحوار والتهديد، والتلاعب بالمصطلحات.
لا بد من الإشارة إلى أن "اتفاقية السلام" بين الأردن ودولة الاحتلال تعطي للأوقاف الأردنية السيادة الدينية داخل المسجد الأقصى، وما تقوم به "إسرائيل" حاليا إنما هو محاولة لزيادة تدخلها وتعزيز زحفها نحو رسم أمر واقع جديد، فالمسجد الأقصى هو أحد المعاقل الأخيرة والرموز الرابضة في مدينة القدس، أو ما تسميه "إاسرائيل" بالحوض المقدس، والذي بدأت فعليا في السيطرة عليه منذ عشرات السنين.
من جهة أخرى ينظر وعلى نطاق واسع أن مصير نتنياهو الانتخابي لن يحسم من خلال برامج ومواقف الأحزاب المتنازعة على كيفية إيذاء العرب، والتخلص من الفلسطينيين، بل من خلال بؤر التصعيد المتزايدة بسبب حماقات الاحتلال في غزة والضفة وآخرها في باب الرحمة في القدس، التي شكلت وفي العديد من المناسبات شرارة اندلاع انتفاضات ومواجهات كان لها تداعيات محلية وإقليمية عميقة.
وهكذا فمن المحتمل أن تكون ورطة نتنياهو في باب الرحمة في المسجد الأقصى سببا من أسباب سقوطه، فإن تراجع أمام إصرار الفلسطينيين على حقهم في مسجدهم وهو الخيار الأقل سوءًا بالنسبة له، فقد يخسر بعضا من الأصوات، أما اذا أصر واستكبر فقد تندلع مواجهات كبيرة تسهم في خسارته الكثير من الأصوات، فهل سيكون المسجد الأقصى إذن "رصاصة الرحمة" التي تعاجل نتنياهو قبل أن يطلق عليه المستشار القضائي والمحاكم الإسرائيلية حكم الإقصاء بسبب الرشوة و الفساد؟!
قال قيادي فلسطيني إن سعي حركة حماس لإبرام تهدئة مع الاحتلال، مجرد مسكنات لا تعالج الوضع الصعب في قطاع غزة، وإن تحقيق الوحدة، وإنهاء الانقسام، هو الأساس لإنهاء الوضع الصعب في القطاع، وتوحيد مرجعيات الدعم، وفق خطة وطنية شاملة، تحت مظلة السلطة ومنظمة التحرير.
هذا القيادي يرى أن قطاع غزة لا يحتاج إلى مسكنات، وغيره من أبناء جلدتنا يرى أن القطاع بحاجة إلى صعقات كهربائية ليعود إلى "الطريق القويم"، والاحتلال يهدد بضربة عسكرية للقطاع إذا ما استمرت المقاومة السلمية على الحدود الوهمية، ولكن ما يحتاجه أهلنا في قطاع غزة هم أدرى الناس به، وهنا أقصد عامة الناس وليس المترفين والمرفهين والساكنين في بروج عاجية.
صاحبنا يقول إن حماس تسعى لإبرام تهدئة غير مفيدة لعلاج الوضع في القطاع، مجرد مسكنات، ولكننا نعرف أن حماس لا تعمل منفردة في قطاع غزة، فهي على تواصل مع غالبية الفصائل الفلسطينية، أي أن قرارها يعبر عن إرادة الغالبية وليس إرادتها وحدها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، المقاومة وضعت شروطا من أجل التهدئة ومنها رفع الحصار عن قطاع غزة، رفع الحصار هو العلاج الوحيد للأوضاع الصعبة في قطاع غزة.
القيادي الفلسطيني حاول أن يلعب دور الطبيب، وقد أخفق في تشخيص الحالة. هو يعتقد أن معاناة قطاع غزة سببها عدم الاستظلال بمظلة منظمة التحرير الفلسطينية وغياب البرنامج السياسي المتوافق مع برنامجها مما تسبب في معاناة غزة، والحقيقة أن الحصار الإسرائيلي والضغوط العربية وحتى الفلسطينية هي سبب معاناة غزة، فإن تم رفع الحصار انتهت الأوضاع الصعبة، وحين ترفع المعاناة والضيق عن أهلنا في غزة يمكن لقادة الفصائل أن يستأنفوا حواراتهم على أقل من مهلهم، ويمكنهم التنقل من بلد إلى بلد ومن فندق إلى فندق ومن مائدة إلى أخرى، حينها سيراقبهم الشعب في الضفة وغزة دون استعجال أو اشتياق للوصول إلى نتائج، سيراقبهم وهو يعيش حياته الطبيعية، أما أن يظل محروما من الغذاء والدواء والكهرباء وحرية الحركة منتظرا ما ستسفر عنه لقاءات المصالحة فهذا لم يعد مقبولا عند الناس، وأذكر هنا أنني أقصد الناس المحرومة من أبسط حقوقها فضلا عما يتمتع به القادة من امتيازات لا تعد ولا تحصى، ولهذا فإننا نقف مع أي فصيل يعطي الأولوية لرفع الحصار والمعاناة عن أهلنا في غزة، وهذا لا يتعارض مع العمل الجاد لإنجاز الوحدة الوطنية والمصالحة والتوافق على برنامج سياسي واحد، ولكن ارفعوا الحصار أولا ثم تصالحوا كيفما شئتم.
ناصر ناصر