دولي

فضح الاحتلال

القلم الفلسطيني

كشفت الأمم المتحدة عن أرقام مذهلة، تفضح انتهاكات «إسرائيل» ضد الفلسطينيين، فقد أكد تقرير لها أن جنود الحرب على حدود قطاع غزة، عمدوا إلى قتل متظاهرين عزل ومسعفين وصحفيين، دون أن يشكلوا أدنى تهديد للجيش المجرم.

 وليس هذا فقط، إذ تصيد الجنود أطفالاً كانوا يلعبون كرة قدم، وهم يعلمون يقيناً كينونتهم، ولا علاقة لهم بالمسيرات السلمية.

وخلص تقرير اللجنة الأممية التي حققت بالمجازر الحاصلة في مسيرات العودة التي بدأت في مارس العام الماضي، إلى أن الاحتلال قتل 189 فلسطينيا كلهم مدنيون وجرح ما يزيد على 9000، وأن هناك 120 شخصاً بينهم 20 طفلاً بُترت أعضاؤهم، خلال العام المنصرم فقط.

هذا التحقيق الأممي يبيّن حقيقة «إسرائيل»، ويختزل طبيعة جيشها، وإجرامه المتواصل منذ أكثر من 70 عاماً، فهذا الجيش ما زالت عقلية العصابات هي المسيطرة عليه، فهو وريث عصابات في أعقاب نكبة 1948، وها هو يواصل انتهاكاته وجرائمه.

التقرير الأممي يمكن البناء عليه، فانتهاكات الاحتلال ضد الإنسانية لم تقتصر على مسيرات العودة، إذ إن فصول التنكيل طالت الفلسطينيين في مجالات شتى، فإضافة إلى الحروب التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، فإنَّ «إسرائيل» تواصل عمليات اجتثاث أبناء الشعب من أرضهم، ثم ضم أراضيهم لصالح الاستيطان، كما تزج الآلاف منهم في سجون الموت، ويمكن إحصاء مئات الاعتداءات اليومية، من مداهمات واعتقالات، وتدنيس للمقدسات، وقتل العزل، واستهداف قوت الشهداء والأسرى، لذا فإن نتائج هذا التحقيق لا بد أن توضع أمام القضاء الدولي، ليقول كلمته، ويدين الاحتلال، ويتخذ إجراءات رادعة ضد الجرائم المتواصلة.

أن يصدر التقرير عن الأمم المتحدة، فذلك له رمزية خاصة، لأنه صادر من منظمة دولية ينتمي إليها العالم أجمع، وعادة ما تتميز تحقيقاتها بالصدقية، كما أن محققيها يعتد بهم، لذا فإن الأولى بهكذا تحقيق هو ترحيله للمنظمات المختصة بالمساءلة، لا أن يتم تجاهله، ويوضع في أدراج مغلقة، فقد آن الأوان لمحاسبة «إسرائيل» وعلى المجتمع الدولي الإثبات أن الاحتلال ليس فوق القانون، كما في كل مرة، بل عليه أن يعمل جاهداً لاستثمار هذا الملف لوضع قادة الاحتلال في قفص الاتهام، وإعادة الاعتبار للأمم المتحدة، التي تتنكر «إسرائيل» لها، وتهاجمها في كل محفل.

ويتعين على الفلسطينيين استغلال تقرير اللجنة على الصعيد الخارجي لفضح حقيقة «إسرائيل»، وسحب البساط من تحت أقدامها، والتأكيد للعالم أنه يتعامل مع كيان مجرم، لا يمكن له أن يقترن بسلام، أو حتى السير في دربه، والإثبات أنهم واقعون تحت نير احتلال متوحش دموي، يبني صروحه على جماجم الأبرياء، وأيضاً دعوة الأمم المتحدة لإجراء تحقيقات أخرى لكشف المخبوء من الانتهاكات التي لا حصر لها. كما يتطلب من العرب الحشد السياسي والإعلامي لإظهار عدوانية «إسرائيل» في كل محفل. فرصة إدانة الاحتلال متوفرة. فهل ثمة من يستثمرها؟

إنّ هكذا نظام عنصري يجب ألا يبقى من دون حساب ومساءلة، لأنه يرتكب الجرائم عمدا مدعوما من دولة عظمى هي الولايات المتحدة التي توفر له كل أسباب ومبررات انتهاك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. 

وعلى العالم ألا يظلّ صامتاً، لأنّ الصمت عن الجريمة شراكة في الجريمة.

لو سألت أي إنسانٍ عن أبجديات وعناصر السعادة التي يسعى لتحقيقها وامتلاكها، فمن المؤكد أن الإجابات ستكون مختلفة وفقا لاختلاف الأمزجة والرؤى، لكن لا أظن أن أحدًا ينكر أن امتلاك البيت هو عامل مهم من عوامل تحقيق السعادة.

فالبيت هو من أهم أبجديات الحياة السعيدة، حيث يأوي الإنسان إليه حين يجن الظلام، يحميه من برد الشتاء وحرارة الصيف، وفيه يمارس ما لذ وطاب له من طقوس حياته بعيداً عن ضوضاء الحياة، يعيش مع نفسه وأسرته، ويستقبل فيه ضيوفه، وما حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) إلا دليلٌ قويٌ على أن البيت هو عامل مهم من عوامل السعادة، لذا ترى الإنسان يدخر من ماله حتى يبني بيتاً له ويكوّن أسرة، وقد يستهلك ذلك منه المال الكثير والوقت الكثير حتى ينعم برؤية بيت جميل يكمل فيه حياته.

لكن تصور وأنت تستعد للسكن في بيتك الجديد، أو اقتربت من ذلك، وإذ بأمرٍ يأتيك من قضاءٍ ظالمٍ بضرورة هدم بيتك بحجج لا أساس لها من الصحة، أقلها حقارة "أنك تبني بدون حصول على رخصة بناء"، ويتم منحك خيارين أحلاهما مر، وهو (إما أن نهدم بيتك بأدواتنا وتدفع أنت تكلفة الهدم، أو تهدم بيتك بنفسك وترتاح أنت من دفع تكاليف الهدم)، فماذا عساك أن تفعل؟

هنا يقفز السؤال من العقل أو ما تبقى في الإنسان من عقل، أيحدث هنا، وأين، وكيف، ولماذا، ومن يفعله؟

من أراد إجابة الأسئلة السابقة فليوجه وجهه شطر فلسطين خاصة في الضفة والقدس، حيث يسعى الاحتلال الصهيوني دوماً إلى خلق حالة من التوتر في نفوس الشعب الفلسطيني، فيمنعه من ممارسه حقه على أرضه، ويمنعه من التمتع بما لذ طاب من خيرات بلاده متسلحاً بالقوة العسكرية، ومستنداً على نوم العالم في سرير القوى الظالمة التي تساند الاحتلال.

فبحسب التقارير الصادرة عن الجهات المختصة، فإنه منذ العام 2006 وحتى 31/1/2019 هدم الاحتلال ما لا يقل عن 1,405 وحدة سكنية تابعة لفلسطينيين في الضفة الغربية، لا يشمل "القدس الشرقية"، حيث فقد ما لا يقل عن6,213 فلسطينيا من ضمنهم 3,138 قاصرا بيوتهم جراء الهدم.

وفي التجمعات غير المعترف بها من الاحتلال، ومعظمها يتهدّد سكّانَها خطر الترحيل، يواصل الاحتلال هدم منازل السكّان مرّة تِلوَ المرّة، فمنذ العام 2006 وحتى 31/1/2019 هدم الاحتلال في هذه التجمّعات أكثر من مرّة منازل سكن فيها 1,020 فلسطينيّا بينهم 489 قاصرا.

علاوة على ذلك، منذ بداية عام 2016 حتى 31/1/2019، هدمت الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال في الضفة دون القدس 636 مبنىً، بما في ذلك جدران وآبار مياه وشوارع ومخازن وأبنية زراعية ومصالح تجارية ومبانٍ عامّة وغيرها.

إن المتأمل في أفعال الهدم التي يمارسها الاحتلال بحق أهل الأرض الأصليين يتضح له أنها ليست عشوائية، وليس بحجة عدم امتلاك صاحب البيت رخصة بناء، بل هي سياسة حكومية ممنهجة، فالهدم أكبر من عملية إزالة حجارة عن الأرض، بل هو عملية تهدف إلى تغيير معالم الجغرافية، وخلق وقائع جديدة على الأرض تعقد الحياة للمواطن الفلسطيني.

سيبقى الهدم مستمراً طالما أن العرب الرسميين يرون في قاتل الأطفال حمامة سلام، ويبقى علينا الإجابة عن أن تهدم بيتك بيديك يعني أن ستموت قبل أن تموت.

علي قباجه

 

من نفس القسم دولي